مواقف المعارضات في الغرب لم تخرج يوما من تحت العباءة الإيرانية

نشوء الإسلام السياسي الشيعي المعاصر (4 - 6)

| خالد عبدالعزيز النزر كاتب وباحث سعودي

المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬والعربية‭ ‬فرحت‭ ‬بوصول‭ ‬رجل‭ ‬دين‭ ‬ضد‭ ‬الشاه‭ ‬ الخميني‭ ‬أعلن‭ ‬مشروع‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬العالم

 

توقع‭ ‬الكاتب‭ ‬والباحث‭ ‬السعودي‭ ‬خالد‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬النزر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصير‭ ‬مشروعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬بنسختيه‭ ‬الشيعية‭ ‬والسنية،‭ ‬إلى‭ ‬الأفول‭ ‬قريبًا‭. ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬معارضة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬المعارضة‭ ‬للدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬لتشريعاته،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬الحديثة‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬جميع‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬وتأطير‭ ‬الأفهام‭ ‬المختلفة‭ ‬للدين‭ ‬بحدود‭ ‬أصحابها‭. ‬فنحن‭ ‬المسلمين‭ ‬متفقون‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬وأهمية‭ ‬تطبيق‭ ‬تشريعاته،‭ ‬ولكننا‭ ‬مختلفون‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬وفي‭ ‬طريقة‭ ‬التطبيق‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفقهي‭ ‬البسيط‭ ‬من‭ ‬عبادات‭ ‬ومعاملات،‭ ‬فكيف‭ ‬بأنظمة‭ ‬وإدارة‭ ‬الدول؟

وذكر‭ ‬النزر‭ ‬أن‭ ‬مواجهة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬عموما،‭ ‬سنيًا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬شيعيًا،‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬عمل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬الأمنية،‭ ‬إذ‭ ‬يجب‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الفكري‭ ‬المنفتح‭ ‬ودعم‭ ‬مبادئ‭ ‬الإسلام‭ ‬الوسطي‭ ‬المعتدل‭ ‬والمتسامح‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬ونبذ‭ ‬الطائفية‭ ‬وخطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬وتجريمها‭.‬

وتفاجأ‭ ‬العالم،‭ ‬وأولهم‭ ‬الشاه،‭ ‬بكارتر‭ ‬وهو‭ ‬يخطب‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ويعد‭ ‬الشعب‭ ‬الأميركي‭ ‬بأنه‭ ‬سيقف‭ ‬بجانب‭ ‬الشعوب‭ ‬المضطهدة‭ ‬من‭ ‬حكامها‭ ‬المستبدين‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الصداقة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بهم‭. ‬وبالفعل‭ ‬مارس‭ ‬كارتر‭ ‬ضغوطًا‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬الشاه؛‭ ‬لتغيير‭ ‬سياساته‭ ‬الداخلية،‭ ‬فانصاع‭ ‬الأخير‭ ‬وقدم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التنازلات،‭ ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬كلها‭ ‬متخبطة‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الضائع،‭ ‬كما‭ ‬علم‭ ‬الأميركان‭ ‬حينها‭ ‬بأنه‭ ‬مصاب‭ ‬بالسرطان‭ ‬ولن‭ ‬يعيش‭ ‬طويلًا‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬خليفة‭ ‬قوي‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه‭.‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الهم‭ ‬الأكبر‭ ‬للأميركان‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬منع‭ ‬مجيء‭ ‬حكم‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬يتحالف‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬ذي‭ ‬الموقع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬المحرك‭ ‬العميق‭ ‬للشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬ثورة‭ ‬1979‭ ‬هو‭ ‬امتداد‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬على‭ ‬“محمد‭ ‬مصدق”‭ ‬مؤسس‭ ‬حزب‭ ‬الجبهة‭ ‬القومية‭ ‬اليسارية،‭ ‬وما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬أميركا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬حينها،‭ ‬وأيضًا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬قوى‭ ‬المعارضة‭ ‬الإيرانية‭ ‬أحزاب‭ ‬شيوعية‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬“حزب‭ ‬توداه”،‭ ‬إضافة‭ ‬للقوى‭ ‬الأخرى‭ ‬كالحركات‭ ‬الطلابية‭ ‬والجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬الخميني،‭ ‬ومجاهدو‭ ‬“خلق”‭ ‬وغيرها‭. ‬

بعد‭ ‬تواصل‭ ‬جرى‭ ‬بين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬والشاه‭ ‬عبر‭ ‬السفارة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬انتقال‭ ‬الخميني‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا،‭ ‬معتقدًا‭ ‬الشاه‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬سيجعل‭ ‬الخميني‭ ‬بعيدًا‭ ‬وأقل‭ ‬تأثيرًا،‭ ‬وبالفعل‭ ‬وصل‭ ‬الخميني‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬1978،‭ ‬وهناك‭ ‬جرت‭ ‬المحادثات‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الأميركان‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬“رمزي‭ ‬كلارك”‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬السابق‭ ‬وأحد‭ ‬أبرز‭ ‬داعمي‭ ‬الحريات‭ ‬والحقوق‭ ‬المدنية،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مباحثات‭ ‬يجريها‭ ‬الأميركان‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الإيراني‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬والشخصيات‭ ‬من‭ ‬ضمنهم‭ ‬بازركان‭ ‬وهاشمي‭ ‬رفسنجاني‭. ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬العام‭ ‬1979‭ ‬حصل‭ ‬اجتماع‭ ‬غير‭ ‬معلن‭ ‬في‭ ‬“غواديلوب”‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬جيمي‭ ‬كارتر‭ ‬والرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬فاليري‭ ‬جيسكار‭ ‬ديستان‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬جيمس‭ ‬كالاهان‭ ‬والمستشار‭ ‬الألماني‭ ‬هيلموت‭ ‬شميت،‭ ‬أعلن‭ ‬فيه‭ ‬كارتر‭ ‬للحاضرين‭ ‬أن‭ ‬الشاه‭ ‬انتهى‭ ‬ولن‭ ‬نقدم‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬مساعدة‭ ‬وأننا‭ ‬نخطط‭ ‬لانقلاب‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ (‬حسين‭ ‬حقيقي،‭ ‬كتاب‭: ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬السقوط‭ ‬الثلاثي‭. ‬وهو‭ ‬ينقل‭ ‬كلام‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬السابق‭ ‬ديستان‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬صحافي‭/‬‏‭ ‬نقلًا‭ ‬عن‭ ‬أنور‭ ‬عبدالرحمن‭ - ‬صحيفة‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج،‭ ‬ع‭: ‬15228‭). ‬

انفتح‭ ‬الخميني‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬شكل‭ ‬له‭ ‬منصة‭ ‬لمخاطبة‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬والعالم،‭ ‬واستمر‭ ‬بتسجيل‭ ‬أشرطة‭ ‬الكاسيت‭ ‬التي‭ ‬بدأها‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وإيصالها‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬للداخل‭ ‬الإيراني‭ ‬بكل‭ ‬سلاسة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬إذاعة‭ ‬“بي‭ ‬بي‭ ‬سي”‭ ‬البريطانية‭ ‬باللغة‭ ‬الفارسية‭ ‬تمثل‭ ‬صوت‭ ‬الخميني‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وتذيع‭ ‬جميع‭ ‬كلماته‭ ‬وتوجيهاته‭ ‬للشعب‭ ‬الإيراني‭. ‬

وفي‭ ‬النهاية‭ ‬سقط‭ ‬الشاه‭ ‬وحيدًا‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬دعم‭ ‬من‭ ‬حلفائه‭ ‬الأميركان‭ ‬أو‭ ‬الغربيين،‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬الأميركيين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يستطيعون‭ ‬دعمه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأميركان‭ ‬طلبوا‭ ‬منه‭ ‬المغادرة‭ ‬وفاوضوا‭ ‬كبار‭ ‬جنرالات‭ ‬الجيش‭ ‬الإيراني؛‭ ‬لعدم‭ ‬المقاومة‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬الحياد‭ ‬لتأخذ‭ ‬الأمور‭ ‬مجراها،‭ ‬وذلك‭ ‬بلقاءات‭ ‬أجرياها‭ ‬معهم‭ ‬الجنرال‭ ‬الأميركي‭ ‬“روبرت‭ ‬هايزر”‭ ‬والسفير‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬طهران‭. ‬

وكان‭ ‬قد‭ ‬حصل‭ ‬إجماع‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬القوى‭ ‬المعارضة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الخميني‭ ‬كرجل‭ ‬دين‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬لن‭ ‬يسعى‭ ‬للتمسك‭ ‬والتفرد‭ ‬بالسلطة،‭ ‬فيكون‭ ‬هو‭ ‬الممثل‭ ‬لهم،‭ ‬خصوصا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعلن‭ ‬حينها‭ ‬بأنه‭ ‬سيؤسس‭ ‬دولة‭ ‬دينية‭ ‬إسلامية‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬سيطرح‭ ‬نفسه‭ ‬كولي‭ ‬فقيه‭. ‬وبحسب‭ ‬الأحداث‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الكتابات‭ ‬فإن‭ ‬الخميني‭ ‬انقلب‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬هؤلاء‭ ‬لاحقًا‭ ‬بعد‭ ‬تسلمه‭ ‬لزمام‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬خصوصا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬ويمكن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬مراجعة‭ ‬كتاب‭: ‬“الخميني‭ ‬في‭ ‬فرنسا”‭ ‬لكوشنك‭ ‬نهاوندي‭ ‬رئيس‭ ‬جامعة‭ ‬طهران،‭ ‬ووزير‭ ‬التعمير‭ ‬سابقًا،‭ ‬وكتاب‭: ‬“الثورة‭ ‬البائسة”‭ ‬لموسى‭ ‬الموسوي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مقربًا‭ ‬من‭ ‬الخميني‭ ‬وصديقا‭ ‬لولده‭ ‬مصطفى،‭ ‬وهو‭ ‬معارض‭ ‬للشاه،‭ ‬أيضًا‭ ‬وكان‭ ‬متواصلًا‭ ‬مع‭ ‬الخميني‭ ‬من‭ ‬قم‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬حتى‭ ‬فرنسا‭. ‬

فرحت‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬والعربية‭ ‬عموما‭ ‬بوصول‭ ‬الخميني‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬كرجل‭ ‬دين‭ ‬ضد‭ ‬الشاه‭ ‬“المستبد‭ ‬والفاسق”،‭ ‬فتوافدت‭ ‬عليه‭ ‬الوفود‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬والحزبية‭ ‬العربية،‭ ‬كما‭ ‬بعث‭ ‬له‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحكام‭ ‬العرب‭ ‬المجاورين‭ ‬برسائل‭ ‬التهنئة‭ ‬والمباركة‭ ‬والسعي‭ ‬لحسن‭ ‬الجوار،‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬هؤلاء‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬والملك‭ ‬خالد،‭ ‬اللذين‭ ‬رد‭ ‬عليهما‭ ‬الخميني‭ ‬برد‭ ‬متعال‭ ‬بدأه‭ ‬بعبارة‭: ‬“السلام‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬اتبع‭ ‬الهدى”‭!‬،‭ (‬أذيع‭ ‬خبر‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬في‭ ‬إذاعة‭ ‬طهران‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬واستمع‭ ‬لها‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬عاصروا‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭). ‬

وبعدها‭ ‬بقليل‭ ‬أعلن‭ ‬الخميني‭ ‬مشروع‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬وبدأ‭ ‬في‭ ‬خطبه‭ ‬الرنانة‭ ‬بمهاجمة‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬اعتبرها‭ ‬عميلة‭ ‬للأميركان‭ ‬وأعداء‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭. ‬أما‭ ‬الفرحة‭ ‬الكبرى‭ ‬فكانت‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشيعية‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬الذين‭ ‬شعروا‭ ‬بالنشوة‭ ‬العارمة‭ ‬وهم‭ ‬يشاهدون‭ ‬عمامة‭ ‬شيعية‭ ‬تنزل‭ ‬من‭ ‬الطائرة‭ ‬الفرنسية‭ ‬أمام‭ ‬أنظار‭ ‬واهتمام‭ ‬العالم‭ ‬لتعتلي‭ ‬سلطة‭ ‬دولة‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭ ‬إيران،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬حتى‭ ‬الخروج‭ ‬بعمائمهم‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭. ‬

السيد‭ ‬محمد‭ ‬باقر‭ ‬بن‭ ‬حيدر‭ ‬الصدر‭ ‬وحزب‭ ‬الدعوة

الصدر‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬مؤسسي‭ ‬“حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية”‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬العام‭ ‬1959،‭ ‬والذي‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬هذا‭ ‬المسمى‭ ‬وتولى‭ ‬إعداد‭ ‬المادة‭ ‬التثقيفية‭ ‬للحزب،‭ ‬وكان‭ ‬المحرك‭ ‬لهم‭ ‬هو‭ ‬المد‭ ‬الشيوعي‭ ‬ومحاولة‭ ‬مجابهته‭ ‬بتيار‭ ‬إسلامي‭ ‬مضاد،‭ ‬وكذلك‭ ‬مجابهة‭ ‬العلمانية‭ ‬والقومية‭ ‬العربية‭ (‬كما‭ ‬كانوا‭ ‬يقولون‭)‬،‭ ‬والملاحظ‭ ‬لكتب‭ ‬الصدر‭ ‬الفكرية‭ ‬يجدها‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭. ‬المحرك‭ ‬الآخر‭ ‬لتأسيس‭ ‬الحزب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الشيعة‭ ‬المتدينين‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬انضموا‭ ‬للتنظيمات‭ ‬الإسلامية‭ ‬السنية‭ ‬كحزب‭ ‬التحرير‭ ‬والإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬بعض‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الشيعة‭ ‬يفكرون‭ ‬بتأسيس‭ ‬حزب‭ ‬يستقطبون‭ ‬فيه‭ ‬شبابهم،‭ (‬الشائع‭ ‬أن‭ ‬تأسيس‭ ‬الحزب‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬1957‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬قول‭ ‬منقول‭ ‬عن‭ ‬صالح‭ ‬الأديب،‭ ‬ولكن‭ ‬السيد‭ ‬طالب‭ ‬الرفاعي‭ ‬فند‭ ‬ذلك‭ ‬وصوّب‭ ‬التاريخ‭/‬‏‭ ‬راجع‭: ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ع‭: ‬12733‭). ‬

كان‭ ‬الصدر‭ ‬وطلابه‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المتأثرين‭ ‬بفكر‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الشيعة،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬النجف‭ ‬كانوا‭ ‬ينبزونه‭ ‬بأنه‭ ‬“إخواني‭ ‬الشيعة”،‭ ‬وبالفعل‭ ‬نقل‭ ‬لي‭ ‬ذلك‭ ‬أحد‭ ‬طلابه‭ ‬القدماء،‭ ‬وأن‭ ‬كتابات‭ ‬الإخوان‭ ‬كانت‭ ‬تأتيهم‭ ‬ويقرأونها‭ ‬بالخفية‭. ‬

وحزب‭ ‬الدعوة‭ ‬كان‭ ‬تأثره‭ ‬واضحًا‭ ‬بحزب‭ ‬التحرير؛‭ ‬خصوصًا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬قيادييه‭ ‬كانوا‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬التحرير‭ ‬وفي‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬مثل‭ ‬عارف‭ ‬البصري،‭ ‬ومحمد‭ ‬السبيتي‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬قيادة‭ ‬الحزب‭ ‬العام‭ ‬1964‭. ‬

يمكننا‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالإسلام‭ ‬الحركي‭ ‬الشيعي‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العربي،‭ ‬كان‭ ‬منشأه‭ ‬محمد‭ ‬باقر‭ ‬الصدر‭ ‬وبعض‭ ‬المقربين‭ ‬منه‭ ‬آنذاك‭ ‬الذين‭ ‬اتخذوا‭ ‬لاحقًا‭ ‬خطهم‭ ‬المستقل‭ ‬كالسيد‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬

وضع‭ ‬الحزب‭ ‬مخططًا‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬مراحل‭: ‬مرحلة‭ ‬العمل‭ ‬السري،‭ ‬مرحلة‭ ‬النشاط‭ ‬العلني،‭ ‬مرحلة‭ ‬الحكم‭ ‬واستلام‭ ‬السلطة،‭ ‬ومرحلة‭ ‬التطبيق‭ ‬العملي‭ ‬للإسلام،‭ ‬‭(‬عادل‭ ‬رؤوف،‭ ‬العمل‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بين‭ ‬المرجعية‭ ‬والحزبية‭). ‬في‭ ‬السبعينات‭ ‬دعا‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬لإسقاط‭ ‬النظام‭ ‬البعثي‭ ‬وإقامة‭ ‬حكومة‭ ‬إسلامية،‭ ‬ما‭ ‬أدخله‭ ‬في‭ ‬مواجهات‭ ‬مسلحة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭. ‬كما‭ ‬قام‭ ‬الصدر‭ ‬بالإفتاء‭ ‬بحرمة‭ ‬الانتماء‭ ‬لحزب‭ ‬البعث‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬صوريًا‭. ‬وبحسب‭ ‬ما‭ ‬ينقل‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬للإسلاميين‭ ‬الشيعة‭ ‬والسنة‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يعتقدون‭ ‬بكفر‭ ‬وإلحاد‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬شعارات‭ ‬القومية‭ ‬والبعثية‭ ‬والاشتراكية،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬المسميات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سوى‭ ‬ستارًا‭ ‬على‭ ‬شيوعيتهم‭ ‬المتأصلة‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يخفونها،‭ ‬والحديث‭ ‬يطول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يهمنا‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الصدر‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬المتحمسين‭ ‬في‭ ‬النجف‭ ‬لأفكار‭ ‬الخميني،‭ ‬ومن‭ ‬أوائل‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الشيعة‭ ‬الذين‭ ‬اقتنعوا‭ ‬بولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يؤمن‭ ‬بمبدأ‭ ‬الشورى‭ ‬الإسلامي‭ ‬والذي‭ ‬طبق‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة،‭ ‬فما‭ ‬أن‭ ‬نجح‭ ‬الخميني‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬إيران‭ ‬إلا‭ ‬وأعلن‭ ‬الصدر‭ ‬تأييده‭ ‬له‭ ‬ودعا‭ ‬أتباعه‭ ‬للولاء‭ ‬له،‭ ‬وقال‭ ‬مقولته‭ ‬الشهيرة‭: ‬“ذوبوا‭ ‬في‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني‭ ‬كما‭ ‬ذاب‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الإسلام”‭ ‬وبدأت‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الشيعية‭ ‬عبارة‭ ‬“المرجعية‭ ‬الناطقة‭ ‬والمرجعية‭ ‬الصامتة”‭ ‬والمقصود‭ ‬بالصامتة‭ ‬هي‭ ‬المرجعية‭ ‬التقليدية‭ ‬كالخوئي‭ ‬وغيره‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يعلنوا‭ ‬تأييدهم‭ ‬للخميني‭ ‬ولم‭ ‬يدخلوا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭. ‬فكان‭ ‬لموقف‭ ‬الصدر‭ ‬وجماعته‭ ‬بالغ‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬تأييد‭ ‬الشيعة‭ ‬عمومًا‭ ‬وفي‭ ‬العراق‭ ‬خصوصًا‭ ‬للخميني‭ ‬وللدولة‭ ‬الدينية‭ ‬الشيعية‭ ‬التي‭ ‬أوجدها‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬ثم‭ ‬انضواء‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬لاحقًا‭ ‬أو‭ ‬معظم‭ ‬أعضائه‭ ‬تحت‭ ‬عباءة‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬وتجيير‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشيعية‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والمنطقة‭. ‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الصدر‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالخميني‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬بعد‭ ‬تشديد‭ ‬الخناق‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الخميني‭ ‬عندما‭ ‬علم‭ ‬بذلك‭ ‬أرسل‭ ‬له‭ ‬برقية‭ ‬يطلب‭ ‬منه‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬النجف،‭ ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬البرقية‭ (‬بحسب‭ ‬شهادة‭ ‬غالب‭ ‬الشابندر‭)‬،‭ ‬هي‭ ‬سبب‭ ‬سجنه‭ ‬وإعدامه‭ ‬بتهمة‭ ‬الخيانة‭ ‬الوطنية‭ ‬والتخابر‭ ‬مع‭ ‬إيران‭. ‬كانت‭ ‬الأوضاع‭ ‬الأمنية‭ ‬متوترة‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬العراقي‭ ‬بعد‭ ‬وصول‭ ‬الخميني‭ ‬لحكم‭ ‬إيران‭ ‬والتصعيد‭ ‬الخطابي‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وقام‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬المسلحة‭ ‬كان‭ ‬أشهرها‭ ‬هجوم‭ ‬جامعة‭ ‬المستنصرية‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬1980‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أحد‭ ‬كوادر‭ ‬الحزب‭ (‬سمير‭ ‬نور‭) ‬ضد‭ ‬مسيرة‭ ‬تشييع‭ ‬لاثنين‭ ‬من‭ ‬طلاب‭ ‬الجامعة‭ ‬حضرها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬العراقيين،‭ ‬والتي‭ ‬أصيب‭ ‬فيها‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأسبق‭ ‬طارق‭ ‬عزيز‭. ‬

ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ارتفع‭ ‬منسوب‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬اتهم‭ ‬فيها‭ ‬الحزب‭ ‬داخل‭ ‬العراق‭ ‬وخارجه‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬وبيروت‭. ‬يذكر‭ ‬أن‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬ضم‭ ‬أيضًا‭ ‬شخصيات‭ ‬خليجية‭ ‬تفاوتت‭ ‬أنشطتهم‭ ‬بحسب‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬والمساحة‭ ‬المتاحة‭ ‬للتحرك‭ ‬السياسي،‭ ‬علمًا‭ ‬أن‭ ‬الخليجيون‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬كان‭ ‬انتمائهم‭ ‬للحزب‭ ‬أمر‭ ‬سري‭ ‬للغاية‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬البدايات،‭ ‬وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي‭ ‬التقيت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناسبات‭ ‬العامة‭ ‬بأشخاص‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬واضحًا‭ ‬لي‭ ‬علاقاتهم‭ ‬القديمة‭ ‬بحزب‭ ‬الدعوة‭ ‬إلا‭ ‬أخيرا‭ ‬بعد‭ ‬كشف‭ ‬بعض‭ ‬الأوراق‭. ‬

ففي‭ ‬البحرين‭ ‬مثلًا‭ ‬هناك‭ ‬شخصيات‭ ‬انخرطت‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬السياسية‭ ‬البحرينية‭ ‬وتشكيل‭ ‬الأحزاب‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬زعامة‭ ‬روحية‭ ‬ظهرت‭ ‬بشكل‭ ‬جلي‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬البحرين‭ ‬2011‭. ‬تأسس‭ ‬الفرع‭ ‬البحريني‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بسرية‭ ‬تامة‭ ‬العام‭ ‬1968‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشيخ‭ ‬سليمان‭ ‬المدني‭ ‬وضم‭ ‬أخاه‭ ‬عبدالله‭ ‬والشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬قاسم‭ ‬وغيرهما،‭ ‬وبعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬أسسوا‭ ‬“جمعية‭ ‬التوعية‭ ‬الإسلامية”‭ ‬التي‭ ‬أدارها‭ ‬عيسى‭ ‬قاسم،‭ ‬ثم‭ ‬انخرطوا‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬السياسية‭ ‬البحرينية‭ ‬مع‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي‭ ‬ثم‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬العام‭ ‬1973م‭ ‬الذي‭ ‬شكلوا‭ ‬فيه‭ ‬الكتلة‭ ‬الدينية،‭ ‬كما‭ ‬أسسوا‭ ‬مجلة‭ ‬“المواقف”‭ ‬الأسبوعية‭ ‬التي‭ ‬أدارها‭ ‬عبدالله‭ ‬المدني،‭ ‬وبهذا‭ ‬سيطروا‭ ‬على‭ ‬الأنشطة‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬المجتمع‭ ‬الشيعي‭ ‬البحريني،‭ ‬مع‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬المنافسة‭ ‬من‭ ‬التيار‭ ‬الشيرازي‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بمحاولة‭ ‬الانقلاب‭ ‬العام‭ ‬1981‭ ‬كما‭ ‬سيأتي،‭ ‬والتي‭ ‬استدعت‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬البحرينية‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬الحيطة‭ ‬والحذر‭ ‬تجاه‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬الحركية‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الشيعي‭ ‬البحريني،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭ ‬أصيب‭ ‬بضعف‭ ‬شديد‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه‭ ‬العراق؛‭ ‬بسبب‭ ‬الإعدامات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬لمعظم‭ ‬قياداته‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستجمع‭ ‬قواه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬إيران‭. ‬فأثر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الفرع‭ ‬البحريني،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أن‭ ‬سليمان‭ ‬المدني‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬الحزب‭ ‬والعمل‭ ‬السياسي‭ ‬برمته‭ ‬بعد‭ ‬تأثره‭ ‬النفسي‭ ‬بوفاة‭ ‬أخيه‭ ‬عبدالله‭. ‬

ومع‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬2001‭ ‬طرح‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬مشروع‭ ‬“ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني”‭ ‬وصوّت‭ ‬عليه‭ ‬الشعب‭ ‬بغالبية‭ ‬ساحقة،‭ ‬وأفرج‭ ‬عن‭ ‬المعتقلين‭ ‬وعاد‭ ‬المنفيون‭ ‬والمهاجرون‭ ‬ومنهم‭ ‬عيسى‭ ‬قاسم‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وأسس‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬طلابه‭ (‬علي‭ ‬سلمان‭) ‬“جمعية‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬الإسلامية”،‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬جمعيات‭ ‬أهلية‭ ‬متعددة‭ ‬تمثل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ (‬راجع‭ ‬أيضًا‭: ‬منصور‭ ‬الجمري،‭ ‬من‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬أحرار‭ ‬البحرين‭ ‬إلى‭ ‬الوفاق‭/‬‏‭ ‬الوسط‭ ‬البحرينية‭ ‬ع‭: ‬1043‭). ‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬الدعويون‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬أنتجوا‭ ‬“حركة‭ ‬أحرار‭ ‬البحرين‭ ‬الإسلامية”‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬من‭ ‬لندن،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬تنظيمات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الشيعي‭ ‬لم‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬مثيلاتها‭ ‬السنية‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬قوانين‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬هم‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وفي‭ ‬بلادهم‭ ‬يهتفون‭ ‬ضدها‭ ‬بالموت‭ ‬والويل‭ ‬والثبور‭! ‬لذلك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإسلامية‭ ‬الشيعية‭ ‬عملت‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬وأميركا‭ ‬ضد‭ ‬دولها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤسسات‭ ‬رسمية‭ ‬أو‭ ‬أفراد،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خلعوا‭ ‬العمامة‭ ‬ولبسوا‭ ‬ربطة‭ ‬العنق‭ ‬وتعلموا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمواطنة‭ ‬والدولة‭ ‬المدنية‭! ‬وما‭ ‬نراه‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬تلك‭ ‬المعارضات‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬يومًا‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬العباءة‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬مواقفها‭ ‬مما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬دولها‭ ‬الأصلية‭ ‬والمنطقة‭ ‬والعالم‭. ‬