مكالمة الرئيس

| د. عبدالله الحواج

كانت‭ ‬عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬العاشرة‭ ‬صباحًا‭ ‬بتوقيت‭ ‬ألمانيا،‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬ظهرًا‭ ‬بتوقيت‭ ‬المنامة،‭ ‬عندما‭ ‬بادرني‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬خليفة‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬بالاتصال،‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬الأحد‭ ‬الماضي‭ ‬أشعر‭ ‬بأن‭ ‬حدثًا‭ ‬باهرًا‭ ‬يقترب،‭ ‬وأن‭ ‬الأخبار‭ ‬السارة‭ ‬التي‭ ‬اكتملت‭ ‬فصولها‭ ‬الخميس‭ ‬الماضي‭ ‬بنيل‭ ‬الجامعة‭ ‬الأهلية‭ ‬شهادة‭ ‬الاعتمادية‭ ‬المؤسسية‭ ‬آن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬بهاءً‭ ‬واكتمالًا،‭ ‬سمو‭ ‬الابن‭ ‬الوفي‭ ‬يخبرني‭ ‬بأن‭ ‬الرئيس‭ ‬القائد‭ ‬على‭ ‬الخط،‭ ‬وأن‭ ‬سموه‭ ‬سيبدأ‭ ‬الحديث‭ ‬معي‭ ‬فورًا،‭ ‬وفورًا‭ ‬بدأ‭ ‬أطال‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عمره‭ ‬حديثه‭ ‬الأبوي‭ ‬معي‭ ‬بحنوٍ‭ ‬منقطع‭ ‬النظير،‭ ‬بدفءٍ‭ ‬عبقري‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬تعز‭ ‬فيه‭ ‬العبقرية‭ ‬وتنأى،‭ ‬وفي‭ ‬كون‭ ‬تختلف‭ ‬عليه‭ ‬الأمم‭ ‬وتتصارع،‭ ‬لكن‭ ‬الأب‭ ‬الرئيس‭ ‬يهل‭ ‬دائمًا‭ ‬بإنسانية‭ ‬الأقوياء‭ ‬وكأن‭ ‬مسافة‭ ‬البعد‭ ‬لم‭ ‬تفرقنا،‭ ‬وطريق‭ ‬التعافي‭ ‬لم‭ ‬يبتعد‭ ‬بالرئيس‭ ‬ولو‭ ‬للحظة‭ ‬واحدة‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬بلاده،‭ ‬وشئون‭ ‬شعبه‭.‬

‭ ‬القائد‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬يسألني‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬تقريبًا‭ ‬عن‭ ‬البحرين،‭ ‬عن‭ ‬الجامعة،‭ ‬عن‭ ‬أحوالي،‭ ‬وعن‭ ‬العائلة،‭ ‬كلمات‭ ‬معدودة‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬خلالها‭ ‬أحدًا‭ ‬وبالاسم‭ ‬إلا‭ ‬وكان‭ ‬سؤاله‭ ‬الكريم‭ ‬عنه‭ ‬مغلفًا‭ ‬للحظة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬ولثوانٍ‭ ‬مفرحات‭ ‬تمنيتها‭ ‬لا‭ ‬تمر،‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬قلت‭ ‬لسموه‭: ‬نحمد‭ ‬الله‭ ‬ونشكر‭ ‬فضله‭ ‬أنه‭ ‬استجاب‭ ‬لدعائنا‭ ‬بأن‭ ‬يمتّعكم‭ ‬بنعمة‭ ‬الشفاء،‭ ‬ويديم‭ ‬عليكم‭ ‬الصحة‭ ‬والعافية‭ ‬وطول‭ ‬العمر‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬جمل‭ ‬قصيرة‭ ‬رد‭ ‬الرئيس‭: ‬نحمد‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وبعونه‭ ‬تعالى‭ ‬نلتقي‭ ‬قريبًا‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

‭ ‬في‭ ‬لمح‭ ‬البصر،‭ ‬انتهت‭ ‬المكالمة،‭ ‬ومهما‭ ‬شرحت،‭ ‬ومهما‭ ‬كتبت،‭ ‬ومهما‭ ‬تصورت،‭ ‬فإن‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬سموه‭ ‬لي‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يبح‭ ‬به،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يملأه‭ ‬شجنًا‭ ‬وشوقًا‭ ‬إلى‭ ‬شعبه،‭ ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬أبدًا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الكلمات‭ ‬المؤثرة‭ ‬الموحية‭ ‬التي‭ ‬عبر‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬خالص‭ ‬عشقه‭ ‬لشعبه‭ ‬وعن‭ ‬عظيم‭ ‬امتنانه‭ ‬لعائلة‭ ‬طالما‭ ‬أحبته،‭ ‬ولأمة‭ ‬قلما‭ ‬نجد‭ ‬مثلها‭ ‬في‭ ‬الوفاء‭ ‬المتبادل‭ ‬مع‭ ‬قائد،‭ ‬والحب‭ ‬العظيم‭ ‬مع‭ ‬رب‭ ‬مسيرة،‭ ‬وباني‭ ‬نهضة‭.‬

‭ ‬هي‭ ‬ذاكرة‭ ‬الأجيال‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬بالتقادم،‭ ‬وحضور‭ ‬الحاضر‭ ‬الغائب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يغيب،‭ ‬وبصيرة‭ ‬المبصر‭ ‬المتقي‭ ‬عندما‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬الشعب‭ ‬كلمة،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يدلي‭ ‬في‭ ‬حنو‭ ‬اسثنائي‭ ‬بشعور،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يفوق‭ ‬كل‭ ‬التوقعات‭ ‬بمكالمة‭ ‬كريمة‭ ‬ستظل‭ ‬ذكراها‭ ‬ماثلة‭ ‬أمامي،‭ ‬وكلماتها‭ ‬محلقة‭ ‬بي‭ ‬في‭ ‬أسمى‭ ‬سماوات‭ ‬الأماني‭.‬

‭ ‬تجارب‭ ‬ذهبية،‭ ‬خبرة‭ ‬حكيمة،‭ ‬وحكمة‭ ‬خبيرة،‭ ‬كرم‭ ‬جامع‭ ‬متجمع،‭ ‬واجتلاء‭ ‬لا‭ ‬يحمله‭ ‬غير‭ ‬قائد‭ ‬ملهم،‭ ‬ورئيس‭ ‬محنك،‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬خارج‭ ‬الديار‭ ‬أم‭ ‬داخلها،‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الحديث‭ ‬المفعم‭ ‬بالنبل‭ ‬الخالص‭ ‬قادمًا‭ ‬من‭ ‬قصر‭ ‬القضيبية‭ ‬العامر‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قصر‭ ‬الرفاع‭ ‬العتيد،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬الأثير،‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬عوائق‭ ‬الطبيعة‭ ‬لا‭ ‬تعيق‭ ‬قدرة‭ ‬سموه‭ ‬على‭ ‬التواصل،‭ ‬وعناد‭ ‬الجغرافيا‭ ‬البعيدة‭ ‬لا‭ ‬تحدد‭ ‬إقامة‭ ‬المحلقين‭ ‬في‭ ‬السماوات‭ ‬العُلى‭.‬

‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬الصوت‭ ‬الذي‭ ‬أشتاقه‭ ‬قد‭ ‬هلّ،‭ ‬والإباء‭ ‬الذي‭ ‬يحملني‭ ‬مسئولياتي‭ ‬قد‭ ‬بدا،‭ ‬والطريق‭ ‬الذي‭ ‬افتقدنا‭ ‬معالمه‭ ‬قرابة‭ ‬الشهور‭ ‬الستة‭ ‬قد‭ ‬بات‭ ‬واضحًا‭ ‬للعيان،‭ ‬بعد‭ ‬رجع‭ ‬الصدى،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬ذهب‭ ‬الصوت‭ ‬الدافئ‭ ‬الرخيم‭ ‬إلى‭ ‬أثيره‭ ‬المستقر‭ ‬في‭ ‬الغربة،‭ ‬جلست‭ ‬متفكرًا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬ملأ‭ ‬حياتنا‭ ‬علمًا‭ ‬وفكرًا‭ ‬وحياةً‭ ‬وحركة،‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬يمنحنا‭ ‬طاقة‭ ‬إيجابية‭ ‬لا‭ ‬تُحد،‭ ‬وعناصر‭ ‬قوة‭ ‬لا‭ ‬تلين،‭ ‬وعوامل‭ ‬مقاومة‭ ‬لكل‭ ‬رياح‭ ‬معاكسة‭ ‬وكل‭ ‬ظروف‭ ‬مضادة،‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الأيام‭ ‬والسنين‭.‬

‭ ‬إنها‭ ‬الروح‭ ‬عندما‭ ‬تتخطى‭ ‬أسر‭ ‬الجسد،‭ ‬والعناية‭ ‬الإلهية‭ ‬حين‭ ‬ترعى‭ ‬قائدًا‭ ‬بحجم‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬تمنحه‭ ‬الإجلال‭ ‬لملكوته‭ ‬العظيم،‭ ‬ونعمة‭ ‬الصحة‭ ‬وبهاء‭ ‬العافية‭ ‬وطول‭ ‬العمر،‭ ‬إنه‭ ‬نعم‭ ‬المولى‭ ‬ونعم‭ ‬النصير‭.‬