خاطرة في يوم جمعة جميل (1)

| صالح بن سالم الشهري

الوقت‭ ‬هو‭ ‬صباح‭ ‬يوم‭ ‬جميل‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬الجمعة،‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬اجتمعوا‭ ‬حول‭ ‬مائدة‭ ‬الإفطار‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الجمعات‭ ‬النادرة‭ ‬خلال‭ ‬الأسبوع‭ ‬بفضل‭ ‬ألعاب‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬ووسائل‭ ‬الانفصال‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ولربما‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬استغليت‭ ‬المناسبة‭ ‬لزرع‭ ‬بعض‭ ‬الروحانية‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأن‭ ‬تحدثهم‭ ‬عن‭ ‬مقاصد‭ ‬الإسلام‭ ‬العظمى‭ ‬كالعدل‭ ‬والإحسان‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬نبي‭ ‬الهدى‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬إنما‭ ‬بُعث‭ ‬ليتمم‭ ‬مكارم‭ ‬الأخلاق،‭ ‬وقد‭ ‬تستشهد‭ ‬كيف‭ ‬دخلت‭ ‬أمم‭ ‬عديدة‭ ‬بالإسلام‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬قتال‭ ‬أو‭ ‬حروب‭ ‬بمجرد‭ ‬معايشتهم‭ ‬بعض‭ ‬المسلمين‭ ‬وما‭ ‬لمسوه‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬الأخلاق‭ ‬والتعامل‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬المسلمون‭ ‬يقودون‭ ‬العالم‭ ‬ويحملون‭ ‬رايات‭ ‬العلم‭ ‬والحضارة‭.‬

وبمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬الشتوية‭ ‬الجميلة‭ ‬تقرر‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬مشياً‭ ‬مبكراً‭ ‬للمسجد‭ ‬بصحبة‭ ‬أبنائك‭ ‬مغتسلين‭ ‬ومتزينين‭ ‬استجابة‭ ‬لأمر‭ ‬الله،‭ ‬وتدور‭ ‬بعض‭ ‬النقاشات‭ ‬خلال‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬تثيرها‭ ‬بعض‭ ‬أسئلتهم‭ ‬خصوصا‭ ‬من‭ ‬أصغرهم‭ ‬والتي‭ ‬تُظهر‭ ‬للأسف‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬حول‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬نسود‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬يومٍ‭ ‬ما‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تُظهر‭ ‬مدى‭ ‬انبهارهم‭ ‬بالغرب‭ ‬وحضارته،‭ ‬تحاول‭ ‬جاهداً‭ ‬أن‭ ‬تصحح‭ ‬الأفكار‭ ‬وتبرر‭ ‬تقهقرنا‭ ‬كمسلمين‭ ‬عندما‭ ‬ابتعدنا‭ ‬عن‭ ‬ديننا‭ ‬وضعف‭ ‬تمسكنا‭ ‬بتعاليمه،‭ ‬وبينما‭ ‬كنا‭ ‬نحاول‭ ‬عبور‭ ‬منطقة‭ ‬عبور‭ ‬للمشاة‭ ‬في‭ ‬طريقنا‭ ‬وإذ‭ ‬بنا‭ ‬نفاجأ‭ ‬بسيارة‭ ‬مسرعة‭ ‬يقودها‭ ‬شخص‭ ‬عرفته‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬المسجد‭ ‬كان‭ ‬مشغولاً‭ ‬بلبس‭ ‬غترته‭ ‬وممسكاً‭ ‬جواله‭ ‬وغير‭ ‬منتبه‭ ‬للطريق‭ ‬وكاد‭ ‬أن‭ ‬يدهسنا‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬تداركنا‭ ‬الله‭ ‬برحمته‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬لحظة‭ ‬مما‭ ‬اضطره‭ ‬لاستعمال‭ ‬الفرامل‭ ‬بشدة‭ ‬فأصدرت‭ ‬صوتاً‭ ‬شديداً‭ ‬أدخل‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬أنفسنا،‭ ‬وبينما‭ ‬كنا‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نستفيق‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬الصدمة‭ ‬والعودة‭ ‬للحياة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خضنا‭ ‬تجربة‭ ‬مقاربة‭ ‬للموت،‭ ‬اكتفى‭ ‬قائد‭ ‬المركبة‭ ‬بالتلويح‭ ‬بيده‭ ‬مُسَلِماً‭ ‬ويدعونا‭ ‬لإكمال‭ ‬عبور‭ ‬الطريق‭ ‬كبادرة‭ ‬منه‭ ‬وليس‭ ‬لأننا‭ ‬نملك‭ ‬الحق‭ ‬أساساً‭ ‬بالعبور‭ ‬كوننا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬عبور‭ ‬للمشاة‭! ‬ومبرراً‭ ‬خطأه‭ ‬برغبته‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬للمسجد‭ ‬قبل‭ ‬الأذان،‭ ‬رددت‭ ‬السلام‭ ‬عليه‭ ‬وابتسمت‭ ‬له‭ ‬شاكراً‭ ‬كرمه‭ ‬وفضله‭ ‬بعدم‭ ‬دهسنا‭ ‬بخطأ‭ ‬تصرفاته‭! ‬لمحت‭ ‬حينها‭ ‬نظرات‭ ‬ملؤها‭ ‬التهكم‭ ‬في‭ ‬محيا‭ ‬أبنائي‭ ‬الكبار‭ ‬تشكك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ذكرته‭ ‬لهم‭ ‬عن‭ ‬أخلاق‭ ‬المسلمين‭ ‬وخصالهم‭ ‬الحميدة‭.‬

ساد‭ ‬الصمت‭ ‬فيما‭ ‬بيننا‭ ‬حتى‭ ‬وصلنا‭ ‬لمواقف‭ ‬المسجد،‭ ‬وإذ‭ ‬بها‭ ‬فوضى‭ ‬عارمة‭ ‬لسيارات‭ ‬تقف‭ ‬فوق‭ ‬الرصيف‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬مواقف‭ ‬شاغرة‭ ‬وعدم‭ ‬تقيد‭ ‬بالوقوف‭ ‬الصحيح‭ ‬بحسب‭ ‬تخطيط‭ ‬المواقف‭ ‬وسيارات‭ ‬يقودها‭ ‬أصحابها‭ ‬مسرعين‭ ‬بداخل‭ ‬منطقة‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تنعدم‭ ‬فيها‭ ‬الرؤية‭ ‬وتكتظ‭ ‬بالمشاة‭ ‬الذين‭ ‬يحاولون‭ ‬أن‭ ‬يشقوا‭ ‬طريقهم‭ ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬من‭ ‬السيارات‭ ‬الواقفة‭ ‬بشكل‭ ‬خاطئ‭ ‬وخطير،‭ ‬وعندما‭ ‬وصلنا‭ ‬لأبواب‭ ‬المسجد‭ ‬كان‭ ‬منظر‭ ‬الأحذية‭ ‬أجلكم‭ ‬الله‭ ‬المتراكمة‭ ‬والتي‭ ‬تسد‭ ‬المداخل‭ ‬بشعاً‭ ‬ومقززاً،‭ ‬لكنني‭ ‬قررت‭ ‬عدم‭ ‬الاستسلام‭ ‬ووجهت‭ ‬أبنائي‭ ‬لوضع‭ ‬أحذيتنا‭ ‬أعزكم‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الرفوف‭ ‬العديدة‭ ‬المخصصة‭ ‬لذلك‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يستعملها‭ ‬أحد‭ ‬تقريباً‭.‬