أمينة الغريب ترتشف “الكابتشينو” بنكهة رواية بوليسية

“كوفي شوبات مودرن”.. للقهوة و“المفن” والقراءة

| إبراهيم النهام

((تنبه صحيفة البلاد مختلف المنصات الإخبارية الالكترونية، لضرورة توخي الحيطة بما ينص عليه القانون المعني بحماية حق الملكية الفكرية ، من عدم قانونية نقل أو اقتباس محتوى هذه المادة الصحفية، حتى لو تمت الاشارة للمصدر.))

 

‭ ‬في‭ ‬بادرة‭ ‬ثقافية‭ ‬وفكرية‭ ‬جميلة،‭ ‬بدأت‭ ‬ظاهرة‭ ‬“رفوف‭ ‬الكتب”‭ ‬تغزو‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المقاهي‭ ‬بروح‭ ‬جديدة،‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬تحييد‭ ‬الشباب‭ ‬البحريني‭ ‬عن‭ ‬هدر‭ ‬وقته‭ ‬بالهواتف‭ ‬الذكية،‭ ‬والتوجه‭ ‬للكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬معبرًا‭ ‬وجسرًا‭ ‬نقل‭ ‬الكثيرين‭ ‬إلى‭ ‬عوالم‭ ‬صنعوا‭ ‬خلالها‭ ‬الاختلاف‭ ‬والتغيير‭ ‬لهم،‭ ‬ولغيرهم‭.‬

‭ ‬والحق‭ ‬يُقال‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬سهلاً‭ ‬التغلغل‭ ‬إلى‭ ‬عقول‭ ‬الشباب،‭ ‬ونفض‭ ‬الأغبرة‭ ‬المتراكمة‭ ‬على‭ ‬رفوف‭ ‬الكتب،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬للدواوين‭ ‬الثقافية‭ ‬من‭ ‬مقاه‭ ‬عصرية‭ ‬تقدم‭ ‬المشروبات‭ ‬الساخنة‭ ‬والباردة‭ ‬و”المفن”‭ ‬وقطع‭ ‬الكيك‭ ‬الشهية،‭ ‬تجسّد‭ ‬بمكنونها‭ ‬الحي‭ ‬محاولات‭ ‬جادة‭ ‬لتغيير‭ ‬أنماط‭ ‬معيشة‭ ‬الناس،‭ ‬ومسارات‭ ‬حياتهم‭.‬

رائحة‭ ‬الحبر

‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬تحديدًا،‭ ‬تتفوّق‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬بمراحل‭ ‬كثيرة،‭ ‬نازعة‭ ‬حضور‭ ‬الورق‭ ‬ورائحة‭ ‬الحبر‭ ‬النفاث‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬اليومية،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬كانت‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم،‭ ‬كاستنشاق‭ ‬الزهور‭ ‬من‭ ‬حديقة‭ ‬غناء‭ ‬تغرق‭ ‬بها،‭ ‬إنها‭ ‬ظاهرة‭ ‬ثقافية‭ ‬واجتماعية‭ ‬رائعة‭ ‬تستحق‭ ‬الاهتمام‭. ‬تجلس‭ ‬الشابة‭ ‬أمينة‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المقاهي‭ ‬الأنيقة‭ ‬في‭ ‬“الزلاق‭ ‬سبرنج”‭ ‬وهي‭ ‬تتجرّع‭ ‬“الكابتشينو”‭ ‬الثقيل،‭ ‬وفي‭ ‬يدها‭ ‬الأخرى‭ ‬رواية‭ ‬بوليسية‭ ‬للكاتبة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬الأشهر‭ ‬اجاتا‭ ‬كريستي،‭ ‬سألتها‭ ‬“البلاد”‭ ‬بعد‭ ‬ترحاب‭ ‬متبادل‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬الرواية‭ ‬وسبب‭ ‬اختيارها‭ ‬لها،‭ ‬فأشارت‭ ‬بسبابتها‭ ‬بهدوء‭ ‬إلى‭ ‬رف‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬10‭ ‬رفوف‭ ‬أخذت‭ ‬جانبًا‭ ‬متوسطًا‭ ‬من‭ ‬المقهى،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تجيب‭ ‬“من‭ ‬هناك”‭.‬

لحظات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقول”‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬عشاق‭ ‬الروايات‭ ‬البوليسية،‭ ‬ولقد‭ ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬القراءة‭ ‬من‭ ‬منذ‭ ‬قرابة‭ ‬السبعة‭ ‬أعوام‭ ‬لظروف‭ ‬الانشغال،‭ ‬فالحياة‭ ‬كما‭ ‬ترى‭ ‬سريعة،‭ ‬وثقيلة‭ ‬المسئوليات‭ ‬والمهام،‭ ‬والمشاوير‭ ‬والطلبات‭ ‬لا‭ ‬تتوقف”‭.‬

وتتابع‭ ‬“ولأنها‭ ‬الحال‭ ‬كذلك،‭ ‬فأنا‭ ‬دائمة‭ ‬الانشغال‭ ‬عن‭ ‬النظر‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬جميل،‭ ‬للورد‭ ‬المنتشر‭ ‬في‭ ‬الحديقة‭ ‬الأمامية‭ ‬لمنزلي‭ ‬وأنا‭ ‬أغادره‭ ‬صباحًا،‭ ‬وللكتب‭ ‬الكثيفة‭ ‬التي‭ ‬تتكدّس‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬غرف‭ ‬البيت،‭ ‬والذي‭ ‬استغرقت‭ ‬مني‭ ‬لجمعها،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬17‭ ‬عامًا،‭ ‬وربما‭ ‬أمور‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تستحضرني‭ ‬بها‭ ‬الذاكرة‭ ‬الآن”‭. ‬وتزيد‭ ‬“اليوم،‭ ‬وبينما‭ ‬كنت‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬آثرت‭ ‬الجلوس‭ ‬هنا‭ ‬وشرب‭ ‬القهوة،‭ ‬رأيت‭ ‬زاوية‭ ‬رف‭ ‬الكتب‭ ‬هذه،‭ ‬فأثارت‭ ‬بداخلي‭ ‬أحاسيس‭ ‬ومعاني‭ ‬كثيرة،‭ ‬دفعتني‭ ‬لأن‭ ‬أتناول‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬وأبدأ‭ ‬قراءتها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أبالي‭ ‬بهاتفي‭ ‬الذي‭ ‬يزعجني‭ ‬برنة‭ ‬“الرسائل”‭ ‬أو‭ ‬برنين‭ ‬الاتصال،‭ ‬ثلاثون‭ ‬صفحة‭ ‬قرأتها‭ ‬بمتعة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أشعر‭ ‬بمرور‭ ‬النصف‭ ‬ساعة‭ ‬التي‭ ‬استهلكتها‭ ‬لقراءتها”‭. ‬وتكمل‭ ‬أمينه”‭ ‬ظاهرة‭ ‬رفوف‭ ‬الكتب‭ ‬بالمقاهي‭ ‬ظاهرة‭ ‬جميلة،‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬لأنها‭ ‬تمثل‭ ‬إضافة‭ ‬لنا‭ ‬ولأولادنا”‭.‬

وفي‭ ‬حديث‭ ‬مع‭ ‬زكريا‭ ‬ماثيو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬مقهى‭ ‬يهتم‭ ‬بزاوية‭ ‬الكتب،‭ ‬قال‭ ‬“نهتم‭ ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬دور‭ ‬إيجابي‭ ‬بنشر‭ ‬الثقافة‭ ‬بين‭ ‬أوساط‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬ولأن‭ ‬يكون‭ ‬هنالك‭ ‬استثمار‭ ‬حقيقي‭ ‬ونافع‭ ‬لهم‭ ‬أثناء‭ ‬تواجدهم‭ ‬هنا”‭.‬

ويزيد‭ ‬ماثيو‭ ‬“نهتم‭ ‬بشكل‭ ‬عميق،‭ ‬لأن‭ ‬نعيد‭ ‬للكتاب‭ ‬وللرواية‭ ‬الورقية‭ ‬مكانتهما‭ ‬المفقودة،‭ ‬بشكل‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬نمط‭ ‬حياه‭ ‬جديدة‭ ‬وإيجابية‭ ‬لروادنا،‭ ‬وبنكهة‭ ‬عصرية‭ ‬حداثية‭ ‬تكون‭ ‬نافعه‭ ‬لهم،‭ ‬ولمن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬حياتهم‭ ‬الاجتماعي”‭.‬

تجربة‭ ‬ستنجح

‭ ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬انتشار‭ ‬“رفوف‭ ‬الكتب”‭ ‬بالمقاهي،‭ ‬تستحضر‭ ‬الذاكرة‭ ‬بعض‭ ‬المقاهي‭ ‬التي‭ ‬ذاع‭ ‬صيتها‭ ‬وأصبحت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬من‭ ‬المقاصد‭ ‬السياحية‭ ‬المهمة‭ ‬والرئيسة،‭ ‬مثل‭ ‬مقهى‭ ‬“الطاحونه”‭ ‬الذي‭ ‬جلس‭ ‬به‭ ‬الروائي‭ ‬الشهير‭ ‬غابريل‭ ‬غاريسيا‭ ‬ماركيز‭ ‬كثيرًا‭ ‬وانطلق‭ ‬منه‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬القاهرة‭ ‬هنالك‭ ‬مقهى‭ ‬“ريش”‭ ‬وهو‭ ‬المقهى‭ ‬الذي‭ ‬أقام‭ ‬منتدى‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬رواده‭ ‬الدائمين‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭.‬