ريشة في الهواء

الدبلوماسية المصرية... ضربة على الرأس

| أحمد جمعة

لأول‭ ‬مرة‭ ‬عربيًا،‭ ‬تتفوق‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المصرية،‭ ‬بامتياز‭ ‬منقطع‭ ‬النظير‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬فقد‭ ‬كنا‭ ‬طوال‭ ‬سنوات،‭ ‬بل‭ ‬عقود‭ ‬منصرمة،‭ ‬عرضة‭ ‬للاختراقات‭ ‬السياسية،‭ ‬والتهميش‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الذي‭ ‬كلفنا‭ ‬خسارة‭ ‬قضايانا،‭ ‬فقد‭ ‬اكتفى‭ ‬العرب‭ ‬طوال‭ ‬تاريخهم‭ ‬المعاصر،‭ ‬بالاستنكار‭ ‬والشجب،‭ ‬وخسران‭ ‬القضايا‭ ‬المصيرية،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬سياسة‭ ‬استراتيجية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الدولية،‭ ‬ولهذا‭ ‬اعتبرنا‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬الأمم‭ ‬خسارة‭ ‬للقضايا‭ ‬رغم‭ ‬عدالتها‭.‬

كما‭ ‬قلت‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬أثبتت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المصرية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التحرك‭ ‬الفعال‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬الليبي‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬تألقها‭ ‬عندما‭ ‬برهنت‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬عملية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬تحركات‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬وقد‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬اختراق‭ ‬كلّ‭ ‬المخططات‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬رأسه‭ ‬السلطان‭ ‬العثماني‭ ‬أرودغان‭! ‬وهو‭ ‬يفكر‭ ‬باستعادة‭ ‬تاج‭ ‬السلطنة‭ ‬التي‭ ‬أكل‭ ‬عليها‭ ‬الدهر‭ ‬وشرب‭ ‬وعفى‭ ‬عليها‭ ‬الزمن،‭ ‬إذ‭ ‬استطاع‭ ‬التحرك‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬المصري‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬احتواء‭ ‬التحرك‭ ‬العثماني،‭ ‬بل‭ ‬توفير‭ ‬غطاء‭ ‬دعم‭ ‬عربي‭ ‬ودولي‭ ‬للمشير‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭ ‬ليمضي‭ ‬في‭ ‬برنامجه‭ ‬بتحرير‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬الميلشيات‭ ‬الإخوانية،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الغطاء‭ ‬الذي‭ ‬استفاد‭ ‬منهُ‭ ‬حفتر‭ ‬حافزًا‭ ‬لتقدم‭ ‬قواته‭ ‬نحو‭ ‬سرت‭ ‬واحتلالها،‭ ‬ثم‭ ‬محاصرة‭ ‬مصراتة،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬أردوغان‭ ‬يرغي‭ ‬ويزبد‭.‬

وكان‭ ‬واضحاً‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسي‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬فيه‭ ‬بلغة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬هادئة،‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬التهديد‭ ‬الفارغ،‭ ‬وبعيدة‭ ‬عن‭ ‬النغمة‭ ‬الشعاراتية،‭ ‬أنه‭ ‬أعطى‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لفرق‭ ‬الخارجية‭ ‬المصرية‭ ‬بقيادة‭ ‬الوزير‭ ‬سامح‭ ‬شكري‭ ‬بالتحرك‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الأصعدة،‭ ‬فرأينا‭ ‬اجتماعات‭ ‬مكثفة‭ ‬متلاحقة‭ ‬وسريعة‭ ‬وفعالة‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬بناء‭ ‬جبهة‭ ‬قوية‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬قبرص‭ ‬واليونان،‭ ‬وحتى‭ ‬إيطاليا‭ ‬التي‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬دعمت‭ ‬عميل‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬فؤاد‭ ‬السراج،‭ ‬تم‭ ‬اختراقها‭ ‬وتغيير‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دفع‭ ‬اليونان‭ ‬للتحرك‭ ‬بدورها،‭ ‬وهكذا‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬الموقف‭ ‬الإيطالي‭ ‬ثم‭ ‬الإطلالة‭ ‬على‭ ‬الموقف‭ ‬الفرنسي،‭ ‬كما‭ ‬أسهم‭ ‬حليف‭ ‬مصر‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬اليونان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لقائه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬تحييد‭ ‬الموقف‭ ‬الأميركي‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬هجوم‭ ‬قوات‭ ‬الجيش‭ ‬الليبي‭ ‬على‭ ‬العاصمة‭ ‬طرابلس‭.‬

لا‭ ‬أدعي‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬طموحات‭ ‬السلطان‭ ‬العثمنجي،‭ ‬أو‭ ‬دحر‭ ‬مخططاته،‭ ‬فهو‭ ‬مازال‭ ‬يحلم‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬المياه‭ ‬الليبية‭ ‬وتخريب‭ ‬مشروع‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الليبي،‭ ‬بدعم‭ ‬السراج،‭ ‬لكن‭ ‬المحقق‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬القطار‭ ‬التركي‭ ‬تعطل‭ ‬بمنتصف‭ ‬الطريق‭ ‬بينما‭ ‬قطار‭ ‬الجيش‭ ‬الليبي‭ ‬يمضي‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬بشراسة‭ ‬منقطعة‭ ‬النظير‭ ‬وبانتصارات‭ ‬باهرة‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬منطقة‭ ‬سرت‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بساعات‭ ‬قليلة‭ ‬ثم‭ ‬المضي‭ ‬لمحاصرة‭ ‬قلعة‭ ‬المليشيات‭ ‬الحصينة‭ ‬مصراتة‭ ‬التي‭ ‬يعني‭ ‬سقوطها‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭ ‬كاملة‭.‬

 

تنويرة‭:

‬كلما‭ ‬تأخر‭ ‬النجاح‭ ‬فذلك‭ ‬دليل‭ ‬وجوده‭.‬