لجنة بازل وغسل الأموال

| د. عبدالقادر ورسمه

جريمة‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭ ‬تأخذ‭ ‬أنماطا‭ ‬جديدة‭ ‬كلما‭ ‬وجدت‭ ‬ضغوطا‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬معين،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬لغسل‭ ‬الأموال‭ ‬عبر‭ ‬البنوك،‭ ‬تم‭ ‬تضييق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬الجريمة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاج‭ ‬سياسة‭ ‬“أعرف‭ ‬عميلك”‭. ‬وبموجب‭ ‬هذه‭ ‬السياسة،‭ ‬تلاحظ‭ ‬أن‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭ ‬عبر‭ ‬البنوك‭ ‬انخفضت‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬اكتشافها‭ ‬ومرتكبيها‭. ‬

لكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬“أعرف‭ ‬عميلك”‭ ‬أظهرت‭ ‬إيجابيات‭ ‬كثيرة‭ ‬للقطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬البنوك‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬بالصورة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬وهذا‭ ‬قطعا‭ ‬سيترك‭ ‬فراغا‭ ‬وسط‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي‭. ‬ولهذا‭ ‬رأت‭ ‬“لجنة‭ ‬بازل‭ ‬للإشراف‭ ‬على‭ ‬البنوك”‭ ‬ضرورة‭ ‬التدخل‭ ‬لسد‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭.‬

قامت‭ ‬“لجنة‭ ‬بازل”‭ ‬بإصدار‭ ‬عدة‭ ‬مؤشرات‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬البنوك‭ ‬إتباعها‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬التنفيذ‭ ‬الكامل‭ ‬لسياسة‭ ‬“أعرف‭ ‬عميلك”،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬مؤشرات‭ ‬اللجنة‭ ‬قيام‭ ‬البنوك‭ ‬بوضع‭ ‬سياسة‭ ‬تبين‭ ‬موافقة‭ ‬العميل‭ ‬على‭ ‬الإجراءات‭ ‬الخاصة‭ ‬بسياسة‭ ‬“أعرف‭ ‬عميلك”،‭ ‬وإلزامه‭ ‬بتقديم‭ ‬المعلومات‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬بطريقة‭ ‬تقود‭ ‬البنوك‭ ‬للتعرف‭ ‬عليه‭ ‬بصورة‭ ‬كاملة،‭ ‬وقيام‭ ‬البنوك‭ ‬بإعداد‭ ‬طريقة‭ ‬يتم‭ ‬إتباعها‭ ‬طيلة‭ ‬الوقت‭ ‬لمتابعة‭ ‬الحسابات‭ ‬ذات‭ ‬المخاطر،‭ ‬واتباع‭ ‬سياسة‭ ‬واضحة‭ ‬يتم‭ ‬تطبيقها‭ ‬لمقابلة‭ ‬إدارة‭ ‬المخاطر‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالحسابات‭ ‬المصرفية‭ ‬وارتباط‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬بمكافحة‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭.‬

اعترفت‭ ‬البنوك‭ ‬بأهمية‭ ‬مؤشرات‭ ‬“لجنة‭ ‬بازل”‭ ‬وتم‭ ‬اعتمادها‭ ‬كمعيار‭ ‬أساسي‭ ‬“بنش‭ ‬مارك”‭ ‬لاتباعه‭ ‬لتفعيل‭ ‬مكافحة‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭. ‬وأشارت‭ ‬اللجنة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المحك‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬المؤشرات‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬قيام‭ ‬البنوك‭ ‬بوضع‭ ‬لوائح‭ ‬داخلية‭ ‬يتم‭ ‬اتباعها‭ ‬بصورة‭ ‬واحدة‭ ‬ومتكاملة‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬“لجنة‭ ‬بازل”‭ ‬تنادي‭ ‬بالإجراءات‭ ‬الموحدة‭ ‬نظرا‭ ‬لأن‭ ‬جريمة‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭ ‬تتميز‭ ‬بأنها‭ ‬جريمة‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود‭ ‬بسهولة‭. ‬وطالبت‭ ‬اللجنة‭ ‬الدول‭ ‬بإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬قوانين‭ ‬“سرية‭ ‬المعلومات‭ ‬المصرفية”‭ ‬بطريقة‭ ‬تحفظ‭ ‬الحقوق‭ ‬القانونية‭ ‬ولا‭ ‬تسمح‭ ‬للمجرمين‭ ‬باستخدام‭ ‬“السرية‭ ‬المصرفية”‭ ‬كمنطلق‭ ‬لإجرامهم‭. ‬واستجابة‭ ‬لمطالبة‭ ‬لجنة‭ ‬بازل،‭ ‬قامت‭ ‬الدول‭ ‬بتعديل‭ ‬قوانينها‭ ‬للموازنة‭ ‬بين‭ ‬حقوق‭ ‬العملاء‭ ‬في‭ ‬السرية‭ ‬المصرفية‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬قفل‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬الانتفاع‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السرية‭ ‬المخالفة‭ ‬للقانون‭. ‬وهكذا‭ ‬تردع‭ ‬الجريمة‭ ‬البشعة‭.‬