غياب المكتبة المنزلية في المجتمع البحريني

ما تزال فئة متعلقة بالكتاب الورقي والأكثرية لمن هجر

| حوراء جعفر

“اقرأ”‭... ‬أول‭ ‬كلمة‭ ‬نزلت‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬لبيان‭ ‬أهمية‭ ‬وقيمة‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الفرد،‭ ‬وبالقراءة‭ ‬والثقافة‭ ‬والإطلاع‭ ‬تبنى‭ ‬الأمم،‭ ‬وبالقراءة‭ ‬تولد‭ ‬أجيال‭ ‬عقولها‭ ‬نيرة،‭ ‬والكتب‭ ‬بحر‭ ‬عميق‭ ‬يخوص‭ ‬فيه‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اكتساب‭ ‬العلم،‭ ‬والمنزل‭ ‬هو‭ ‬المكان‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يتغذى‭ ‬منه‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬والعلم،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬هنالك‭ ‬مكتبة‭ ‬منزلية‭ ‬تجر‭ ‬الإنسان‭ ‬منذ‭ ‬صغره‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الكتب‭ ‬سوف‭ ‬يكبر‭ ‬لدينا‭ ‬جيل‭ ‬واع‭ ‬وعالم،‭ ‬ولكن‭ ‬غابت‭ ‬لدينا‭ ‬ثقافة‭ ‬المكتبة‭ ‬المنزلية،‭ ‬أو‭ ‬نادرا‭ ‬ما‭ ‬نرى‭ ‬من‭ ‬يهتم‭ ‬بتوفير‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬فطرحنا‭ ‬مسألة‭ ‬غياب‭ ‬المكتبة‭ ‬المنزلية‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬لنستكشف‭ ‬ماهية‭ ‬جوانب‭ ‬القضية‭.‬

ثقافة‭ ‬المكتبة‭ ‬غير‭ ‬منتشرة

قال‭ ‬الكاتب‭ ‬جعفر‭ ‬سلمان‭: ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬المكتبة‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬لا‭ ‬تشكل‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى‭ ‬لدى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الآباء،‭ ‬فثقافة‭ ‬وجود‭ ‬المكتبة‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬غير‭ ‬منتشرة،‭ ‬والعديد‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬فيها‭ ‬سوى‭ ‬أعباء‭ ‬مالية‭ ‬بلا‭ ‬مردود‭ ‬فعلي‭ ‬على‭ ‬أبنائهم،‭ ‬أو‭ ‬رفاهية‭ ‬ومنظر‭ ‬اجتماعي‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬عنه،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬يزورون‭ ‬معارض‭ ‬الكتاب،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاركاتي‭ ‬في‭ ‬معارض‭ ‬الكتب،‭ ‬يمكنني‭ ‬تقسيم‭ ‬الآباء‭ ‬الذين‭ ‬يزورون‭ ‬معارض‭ ‬الكتب‭ ‬مع‭ ‬أبنائهم‭ ‬لثلاثة‭ ‬أنواع‭ ‬رئيسة،‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬أهمية‭ ‬ويمنع‭ ‬منعا‭ ‬باتا‭ ‬إنشاء‭ ‬مكتبة‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬باعتبارها‭ ‬رفاهية‭ ‬زائدة‭ ‬عن‭ ‬الحاجة،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬يكون‭ ‬مضطرا‭ ‬لزيارة‭ ‬المعرض‭ ‬تحت‭ ‬إلحاح‭ ‬الأبناء‭ ‬ويحاول‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬تقليل‭ ‬فاتورة‭ ‬الكتب،‭ ‬بينما‭ ‬النوع‭ ‬الثاني‭ ‬أب‭ ‬يرحب‭ ‬بوجود‭ ‬مكتبة‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬ويحث‭ ‬أبناءه‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬ولكن‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬باختيار‭ ‬الكتب‭ ‬لهم،‭ ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬بأي‭ ‬خيار‭ ‬يخالف‭ ‬توجهاته‭ ‬الفكرية،‭ ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬لأبنائه‭ ‬حرية‭ ‬اختيار‭ ‬أي‭ ‬كتاب،‭ ‬فالكتاب‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬هو‭ ‬أسلوب‭ ‬تربية‭ ‬يضع‭ ‬أبناءه‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬دربه،‭ ‬ويربيهم‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬قناعاته،‭ ‬أما‭ ‬الأخير‭ ‬وهو‭ ‬الغالب‭ ‬من‭ ‬يترك‭ ‬المجال‭ ‬مفتوحا‭ ‬لأبنائه،‭ ‬يختارون‭ ‬ما‭ ‬شاءوا‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬بينما‭ ‬يكتفي‭ ‬بالمشاهدة‭ ‬أو‭ ‬المراقبة‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬ونادرا‭ ‬ما‭ ‬يتدخل‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يتدخل‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اختيار‭ ‬أبنائه‭ ‬كتبا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصنف‭ ‬أكبر‭ ‬منهم‭ ‬عمريا،‭ ‬ويتجه‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬العموم‭ ‬ناحية‭ ‬الأعمال‭ ‬القصصية‭ ‬والروائية‭ ‬وهذا‭ ‬قد‭ ‬يجلب‭ ‬تدخلا‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬باعتبار‭ ‬النظرة‭ ‬السائدة‭ ‬عن‭ ‬الرواية،‭ ‬والتي‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬الرواية‭ ‬لا‭ ‬فائدة‭ ‬منها،‭ ‬ولكن‭ ‬المشهد‭ ‬الغالب‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬مشاهداتي‭ ‬في‭ ‬المعارض‭ ‬هو‭ ‬ترك‭ ‬الآباء‭ ‬الخيار‭ ‬لأبنائهم‭ ‬لاختيار‭ ‬ما‭ ‬يرونه‭ ‬مناسبا،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أفعله‭ ‬أنا‭ ‬شخصيا‭.‬

 

الكتب‭ ‬تعزز‭ ‬الثقافة‭ ‬اللفظية

وتابعت‭ ‬الاختصاصية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬فاطمة‭ ‬النهام‭: ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬مكتبة‭ ‬لأولادي،‭ ‬هي‭ ‬موجودة‭ ‬بالفعل،‭ ‬واعتبرها‭ ‬ركنا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬وحلمي‭ ‬أن‭ ‬تكبر‭ ‬وتشمل‭ ‬كتبا‭ ‬أكثر‭. ‬

وأحرص‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬الروايات‭ ‬والمجموعات‭ ‬القصصية،‭ ‬فأنا‭ ‬أهوى‭ ‬القراءة‭ ‬منذ‭ ‬مراهقتي؛‭ ‬لأن‭ ‬القراءة‭ ‬ساعدتني‭ ‬على‭ ‬اكتساب‭ ‬مهارة‭ ‬الكتابة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنني‭ ‬أشجع‭ ‬أطفالي‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬فالقراءة‭ ‬هي‭ ‬غذاء‭ ‬العقل‭ ‬والروح،‭ ‬وتساعد‭ ‬أطفالي‭ ‬على‭ ‬اكتساب‭ ‬ثقافة‭ ‬عالية‭ ‬تنعكس‭ ‬بالتالي‭ ‬على‭ ‬سلوكياتهم‭ ‬وتعاملهم‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وتعزز‭ ‬اللغة‭ ‬اللفظية‭ ‬لديهم‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬مهارات‭ ‬الكتابة‭ ‬مستقبلا‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬أو‭ ‬الرواية،‭ ‬وكتربوية‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬وبوظيفة‭ ‬اختصاصية‭ ‬إرشاد‭ ‬اجتماعي‭ ‬أولى‭ ‬أشد‭ ‬بيدي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬كل‭ ‬أم‭ ‬وأب‭ ‬يشجعان‭ ‬أطفالهم‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬وعلى‭ ‬توفير‭ ‬مكتبة‭ ‬في‭ ‬منزلهم،‭ ‬لتذوق‭ ‬ما‭ ‬لذ‭ ‬وطاب‭ ‬منها‭ ‬وللاستمتاع‭ ‬بهذه‭ ‬الهواية‭ ‬الراقية‭ ‬والحضارية،‭ ‬ونحن‭ ‬الآن‭ ‬أصبحنا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الثورة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬بالتالي‭ ‬انشغال‭ ‬أطفالنا‭ ‬بالأجهزة‭ ‬والألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬حبذا‭ ‬لو‭ ‬أعدنا‭ ‬إحياء‭ ‬ماضينا‭ ‬الجميل‭ ‬بتخصيص‭ ‬ركن‭ ‬مضيء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬ركن‭ ‬المكتبة‭. ‬

عالم‭ ‬الإنترنت‭ ‬والكتب

فيما‭ ‬ذكرت‭ ‬إحدى‭ ‬الأمهات‭ ‬زهرة‭ ‬يحيى‭ ‬أنها‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬مكتبة‭ ‬وركن‭ ‬للقراءة‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وغزوها‭ ‬لعالم‭ ‬الأطفال‭ ‬والكبار‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬مكتبات‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬المنازل،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تذكير‭ ‬الأبناء‭ ‬بأهمية‭ ‬الكتاب‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬عالم‭ ‬الإنترنت‭ ‬والأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬يغني‭ ‬أحياناً‭ ‬عن‭ ‬الكتاب،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬علينا‭ ‬كآباء‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تشجيع‭ ‬الأبناء‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قراءة‭ ‬قصة‭ ‬قبل‭ ‬النوم‭ ‬مع‭ ‬الطفل‭ ‬أو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬معلومة‭ ‬تشغل‭ ‬بال‭ ‬الطفل،‭ ‬لكي‭ ‬يدرك‭ ‬أهمية‭ ‬الكتاب‭ ‬والمكتبة‭.‬

وأبدت‭ ‬رجاء‭ ‬أحمد‭ ‬رأيها‭ ‬بالقول‭: ‬ليس‭ ‬جميع‭ ‬الأهالي‭ ‬يهتمون‭ ‬بالكتب‭ ‬والمكتبة‭ ‬المنزلية،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬هنالك‭ ‬فئة‭ ‬تهتم‭ ‬بوجود‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬فأنا‭ ‬إحدى‭ ‬الأمهات‭ ‬اللاتي‭ ‬يحرصن‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الكتب‭ ‬خصوصا‭ ‬للأطفال،‭ ‬فأقوم‭ ‬بشراء‭ ‬كتب‭ ‬تعليمية‭ ‬وقصص‭ ‬وأضعها‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬ليقبل‭ ‬عليها‭ ‬أطفالي،‭ ‬فالقراءة‭ ‬المستمرة‭ ‬تثري‭ ‬الطفل‭ ‬بالمصطلحات‭ ‬والكلمات‭ ‬والحكمة‭.‬

بينما‭ ‬جاء‭ ‬رد‭ ‬دانة‭ ‬طلال‭ ‬مغايرا‭ ‬للجميع‭ ‬فقد‭ ‬قالت‭: ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬مكتبة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬أمر‭ ‬مميز‭ ‬ومفيد،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬أظنه‭ ‬صعب،‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬الأطفال‭ ‬أو‭ ‬المراهقين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬من‭ ‬عشاق‭ ‬الإلكترونيات‭ ‬والهواتف‭ ‬المحمولة،‭ ‬ونادرا‭ ‬ما‭ ‬نرى‭ ‬أحدهم‭ ‬يحمل‭ ‬كتابا‭ ‬ويقرأ،‭ ‬فبالنسبة‭ ‬لي‭ ‬أفضل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬جهازا‭ ‬محمولا‭ ‬للقراءة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬هواتفهم‭ ‬الشخصية‭ ‬وهناك‭ ‬الآن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬قابلة‭ ‬للتحميل‭ ‬والقراءة‭ ‬دون‭ ‬انترنت‭ ‬ومجانية،‭ ‬وكما‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬الهاتف‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬مكتبة‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬يملؤها‭ ‬الغبار‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يلتفت‭ ‬لها‭. ‬

ولا‭ ‬تزال‭ ‬هنالك‭ ‬فئة‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬لمعرفتها‭ ‬بقيمته‭ ‬العظيمة،‭ ‬وهنالك‭ ‬من‭ ‬سار‭ ‬مع‭ ‬التيار‭ ‬الإلكتروني‭ ‬وأهمل‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬بدأ‭ ‬بالإطلاع‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬المحمول،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬لي‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬الورق‭ ‬هو‭ ‬الأول‭ ‬والأهم،‭ ‬وما‭ ‬غيره‭ ‬سوى‭ ‬مراجع‭ ‬يمكن‭ ‬اللجوء‭ ‬إليها‭ ‬وقت‭ ‬الحاجة‭.‬