ومضة قلم

من يردم الفجوة في التعليم!

| محمد المحفوظ

أن‭ ‬تحصد‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬الإنجازات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العربي،‭ ‬ويحرز‭ ‬طلابنا‭ ‬الجوائز‭ ‬في‭ ‬المسابقات‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬الفائتة،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬إيجابيات‭ ‬تستحق‭ ‬الفرح،‭ ‬لكن‭ ‬الفرح‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬نشوة‭ ‬تبقينا‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الجمود،‭ ‬فلا‭ ‬يفيدنا‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬أن‭ ‬نتغنى‭ ‬بالإنجازات‭ ‬ونهمل‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الجسم‭ ‬التربوي‭ ‬من‭ ‬فجوات‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المعلمين‭ ‬والطلاب‭ ‬ويكون‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬يدفعه‭ ‬الآباء‭ ‬غاليا‭ ‬جدا‭.‬

يبدو‭ ‬جليا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شبه‭ ‬غياب‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬المشاكل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تعيق‭ ‬التفوق‭ ‬الدراسيّ‭ ‬لأبنائنا‭ ‬الطلبة‭ ‬وما‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬مواهب‭ ‬وملكات،‭ ‬أعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬جزءا‭ ‬أساسيا‭ ‬من‭ ‬المعضلة‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار،‭ ‬فبعض‭ ‬المنتسبين‭ ‬للتعليم‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بدور‭ ‬وأهمية‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬المواهب‭ ‬والمهارات‭ ‬وتقبل‭ ‬الآراء‭ ‬والأهم‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬معاناة‭ ‬الطلاب‭ ‬وهذا‭ ‬مؤسف‭.‬

ربما‭ ‬تكون‭ ‬التبريرات‭ ‬التي‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬المعلمون‭ ‬والمعلمات‭ ‬أنّ‭ ‬الوقت‭ ‬المدرسيّ‭ ‬لا‭ ‬يسعفهم‭ ‬لإقامة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحوارات‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬تهدر‭ ‬الزمن‭ ‬المدرسيّ‭ ‬المحسوب‭ ‬بالدقيقة،‭ ‬ونعتقد‭ ‬أنّهم‭ ‬محقون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬لكننا‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬نؤمن‭ ‬أنّ‭ ‬التعليم‭ ‬يستحيل‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬الغرض‭ ‬المراد‭ ‬منه‭ ‬إلاّ‭ ‬بالوقوف‭ ‬على‭ ‬المعوقات‭ ‬في‭ ‬طريقه،‭ ‬ومتى‭ ‬ما‭ ‬تمت‭ ‬حلحلتها‭ ‬فإنّ‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬ستنجز‭ ‬الأهداف‭ ‬والغايات‭.‬

أستحضر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬تجربة‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬لإحدى‭ ‬المعلمات‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬دنفر‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬كلورادو‭ ‬عندما‭ ‬لاحظت‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬فجوة‭ ‬كبيرة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬طلابها‭ ‬الصغار‭ ‬والأخطر‭ ‬عندما‭ ‬شعرت‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬تزداد‭ ‬تدريجيا،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬يقربها‭ ‬منهم،‭ ‬فأعدت‭ ‬مشروعا‭ ‬صغيرا‭ ‬بعنوان‭ ‬“أتمنى‭ ‬لو‭ ‬معلمتي‭ ‬عرفت”‭ ‬ويقوم‭ ‬المشروع‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬ماذا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬أعرف‭ ‬عنك؟‭ ‬وصدمت‭ ‬المعلمة‭ ‬بالإجابات‭ ‬التي‭ ‬تلقتها‭. ‬

فأحد‭ ‬الأطفال‭ ‬قال‭: ‬أتمنى‭ ‬لو‭ ‬معلمتي‭ ‬عرفت‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬أصدقاء‭ ‬ألعب‭ ‬معهم،‭ ‬وآخر‭ ‬قال‭: ‬أتمنى‭ ‬لو‭ ‬معلمتي‭ ‬عرفت‭ ‬كم‭ ‬أشتاق‭ ‬إلى‭ ‬أبي،‭ ‬أذهب‭ ‬إلى‭ ‬غرفته‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ولا‭ ‬أجده‭ ‬ولن‭ ‬أجده‭ ‬فقد‭ ‬رحل‭ ‬إلى‭ ‬المكسيك‭ ‬نهائيا‭ ‬وشأظل‭ ‬بلا‭ ‬أب”،‭ ‬وطالبة‭ ‬ثالثة‭ ‬كتبت‭: ‬أتمنى‭ ‬لو‭ ‬معلمتي‭ ‬عرفت‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬أقلاما‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬حتى‭ ‬أؤدي‭ ‬واجباتي‭ ‬المدرسية”‭.. ‬مشروع‭ ‬المعلمة‭ ‬امتد‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬وتم‭ ‬تطبيقه‭ ‬وانعكس‭ ‬إيجابيا‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬الطلاب‭. ‬ونعتقد‭ ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تمثل‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬السير‭ ‬بالعملية‭ ‬التعليمية‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭.‬