وداعا أخي عمر فكاك.. رجل الخير الذي كافح السرطان بثبات وإيمان وأحب البحرين بلا حدود

فور‭ ‬تخرجه‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬الأزهر‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬العامرة،‭ ‬التحق‭ ‬أخي‭ ‬وصديق‭ ‬الجميع‭ ‬عمر‭ ‬محمد‭ ‬فكاك‭ ‬بالعمل‭ ‬في‭ ‬جمعية‭ ‬البحرين‭ ‬الخيرية‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬مديرها‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توفاه‭ ‬الله‭ ‬بعد‭ ‬معاناة‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬السرطان،‭ ‬الذي‭ ‬تعايش‭ ‬معه‭ ‬بصبر‭ ‬وإيمان‭ ‬قلما‭ ‬تجد‭ ‬مثيله‭ ‬في‭ ‬الناس‭. ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬أيام‭ ‬حياته‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬شعلة‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬والحيوية‭ ‬والإيجابية‭ ‬والصبر‭ ‬الجميل‭. ‬لم‭ ‬يتبرم‭ ‬من‭ ‬المرض‭ ‬الذي‭ ‬لازمه‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2015‭ ‬ولم‭ ‬يجزع‭ ‬أبدا‭ ‬ولم‭ ‬يشتك‭ ‬لأحد‭.‬

ظل‭ ‬مبتسما‭ ‬لآخر‭ ‬أيام‭ ‬حياته،‭ ‬إذ‭ ‬كنت‭ ‬أزروه‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬سريره‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬السلمانية‭.‬

جمعتني‭ ‬مع‭ ‬عمر‭ ‬فكاك‭ ‬علاقة‭ ‬عائلية‭ ‬وطيدة‭ ‬امتدت‭ ‬لـ‭ ‬3‭ ‬عقود‭ ‬كرس‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬جهده‭ ‬وطاقاته‭ ‬وخبراته‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين‭ ‬والأرامل‭ ‬والأيتام‭ ‬الذين‭ ‬ترعاهم‭ ‬جميعة‭ ‬البحرين‭ ‬الخيرية‭. ‬كان‭ ‬يحب‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬وكان‭ ‬الناس‭ ‬يبادلونه‭ ‬الحب‭. ‬

قال‭ ‬عنه‭ ‬الأستاذ‭ ‬حسن‭ ‬كمال‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬العزاء‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يُغضِب‭ ‬أحدا‭  ‬ولم‭ ‬يَغضَب‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬طوال‭ ‬35‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭. ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬كما‭ ‬عرفته‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬عفيف‭ ‬اليد،‭ ‬كريم‭ ‬يحب‭ ‬إسعاد‭ ‬الناس‭ ‬بالهدايا‭ ‬والابتسامة‭ ‬العريضة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تفارقه‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬موته‭. ‬لقد‭ ‬رأيت‭ ‬جسده‭ ‬بعد‭ ‬الوفاة‭ ‬وكانت‭ ‬في‭ ‬محياه‭ ‬ابتسامة،‭ ‬أسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬أُرِي‭ ‬قبلها‭ ‬مقعده‭ ‬من‭ ‬الجنة‭ ‬وهو‭ ‬يحتضر‭.‬

أحب‭ ‬عمر‭ ‬فكاك‭ ‬البحرين‭ ‬وأهلها‭ ‬وعاشرهم‭ ‬في‭ ‬مجالسهم‭ ‬وفي‭ ‬أفراحهم‭ ‬وأتراحهم‭. ‬وتميز‭ ‬عنا‭ ‬نحن‭ ‬رفقائه‭ ‬الذين‭ ‬زاملناه‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬باستيعاب‭ ‬الثقافة‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬الملبس‭ ‬والمأكل‭ ‬والمشرب‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬يميز‭ ‬أبدا‭ ‬عن‭ ‬الآخرين‭ ‬بثوبه‭ ‬وغترته‭ ‬ونادرا‭ ‬ما‭ ‬رأيته‭ ‬يرتدي‭ ‬البنطال‭ ‬بل‭ ‬وأكاد‭ ‬أقول‭ ‬لم‭ ‬أره‭ ‬إلا‭ ‬بالزي‭ ‬البحريني‭.‬

عمر‭ ‬فكاك‭ ‬هو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الأبطال‭ ‬الذين‭ ‬احتسبوا‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭ ‬وقابلوه‭ ‬بالصبر‭ ‬والابتسامة‭ ‬وعمل‭ ‬الخير‭ ‬والتفكير‭ ‬الإيجابي‭ ‬وعدم‭ ‬الجزع‭ ‬والشكوى‭ ‬لغير‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭. ‬روت‭ ‬أم‭ ‬محمد‭ ‬زوجته‭ ‬الكريمة‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يحب‭ ‬الشكوى‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الحديث‭ ‬المسهب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬أبدا،‭ ‬ورفض‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬أخويه‭ ‬الوحيدين‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بمرضه‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬اللحظات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لتي‭ ‬أحس‭ ‬فيها‭ ‬بدنو‭ ‬الموت‭. ‬

خلف‭ ‬عمر‭ ‬من‭ ‬الأبناء‭ ‬محمد‭ (‬طالب‭ ‬بجامعة‭ ‬البحرين‭) ‬وأحمد‭ (‬طالب‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬التوجيهية‭ ‬ويحفظ‭ ‬15‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬القرآن‭) ‬ومروة‭ ‬وعبدالله‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭.‬

في‭ ‬عزائه‭ ‬جاء‭ ‬محبوه‭ ‬ومعظمهم‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬عامة‭ ‬الناس‭ ‬وخاصتهم‭. ‬كثيرون‭ ‬تفاجأوا‭ ‬بموته؛‭ ‬لأنه‭ ‬واجه‭ ‬السرطان‭ ‬واقفا‭ ‬بثبات‭ ‬وإيمان‭ ‬ولم‭ ‬ينل‭ ‬منه‭ ‬المرض‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأخيرة‭ ‬عندما‭ ‬رقد‭ ‬في‭ ‬السلمانية‭ ‬وتدهورت‭ ‬صحته‭ ‬تدريجيا‭ ‬حتى‭ ‬فاضت‭ ‬روحه‭ ‬إلى‭ ‬بارئها‭.‬

سيظل‭ ‬عمر‭ ‬فكاك‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬محبيه‭ ‬وإخوانه‭ ‬وأصدقائه‭ ‬نموذجا‭ ‬حيا‭ ‬للإنسان‭ ‬الصابر‭ ‬والقنوع‭ ‬والمتفائل‭ ‬دائما‭ ‬والمبتسم‭ ‬دائما‭. ‬

اللهم‭ ‬اغفر‭ ‬له‭ ‬وارحمه‭ ‬وأكرم‭ ‬نزله‭ ‬واغسله‭ ‬بالماء‭ ‬والبرد‭ ‬والثلج‭ ‬وبارك‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ذريته‭ ‬التي‭ ‬تركها‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭ ‬ورحمته‭ ‬وجوده‭ ‬وكرمه‭.‬

بقلم‭: ‬رمضان‭ ‬محمد‭ ‬علي