هل حان الوقت لإعلان نهاية الكاش واستخداماته؟

| عواصم - بلومبيرغ، واشنطن بوست

في‭ ‬عصر‭ ‬تطبيقات‭ ‬الدفع‭ ‬والإلكتروني‭ ‬والعملات‭ ‬الرقمية‭ ‬ومنصات‭ ‬الإقراض‭ ‬عبر‭ ‬الجوال،‭ ‬يبدو‭ ‬الحديث‭ ‬المتواتر‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬نهاية‭ ‬حقبة‭ ‬الكاش‭ ‬منطقيًّا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬أمثلة‭ ‬مثل‭ ‬السويد‭ ‬التي‭ ‬يتراجع‭ ‬فيها‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النقدية‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭.‬

‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬يحتاج‭ ‬التمويل‭ ‬الحديث‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الثقة،‭ ‬وحتى‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬هو‭ ‬النهاية‭ ‬الحتمية،‭ ‬فسيكون‭ ‬بحاجة‭ ‬لثقة‭ ‬أكبر،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لاستبدال‭ ‬المدفوعات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بأخرى‭ ‬نقدية،‭ ‬يجب‭ ‬إقناع‭ ‬الناس‭ ‬بأن‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬بين‭ ‬الجوالات‭ ‬والبطاقات‭ ‬وشبكات‭ ‬“بلوك‭ ‬شين”‭ ‬له‭ ‬قيمة‭ ‬وأنها‭ ‬آمنة‭.‬

الحقيقة‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬يُعتقد

ألغت‭ ‬السويد‭ ‬تقريبًا‭ ‬استخدامات‭ ‬الدفع‭ ‬النقدي،‭ ‬وفي‭ ‬أميركا،‭ ‬حيث‭ ‬موطن‭ ‬العملة‭ ‬الأكثر‭ ‬نفوذًا‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬يمر‭ ‬الأسبوع‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ثلث‭ ‬السكان‭ ‬دون‭ ‬استخدام‭ ‬ورقة‭ ‬نقدية‭ ‬واحدة،‭ ‬وتعمل‭ ‬الشركات‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬التعاملات‭ ‬غير‭ ‬النقدية‭ ‬أملًا‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬المعاملات‭ ‬ومكافحة‭ ‬السرقة‭.‬

وفي‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬بريطانيا،‭ ‬تعهّدت‭ ‬الحكومة‭ ‬نفسها‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬الكاش‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬المستقبل،‭ ‬قائلة‭ ‬إنها‭ ‬ستضمن‭ ‬حق‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬طريقة‭ ‬إنفاقهم‭ ‬أيًّا‭ ‬كانت،‭ ‬وكشفت‭ ‬عن‭ ‬خطط‭ ‬عمل‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المنظمين‭ ‬المعنيين‭ ‬بالأمر‭ ‬وبنك‭ ‬إنجلترا‭.‬

‭ ‬وترى‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬أن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النقد‭ ‬آخذ‭ ‬في‭ ‬التراجع،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬المدفوعات‭ ‬الرقمية‭ ‬طريقة‭ ‬غير‭ ‬ملائمة‭ ‬لكافة‭ ‬الأشخاص،‭ ‬مؤكدة‭ ‬ضرورة‭ ‬حماية‭ ‬استخدام‭ ‬النقود‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يحتاجون‭ ‬إليها‭.‬

‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬يحتفظ‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الأكثر‭ ‬تقدمًا‭ (‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو‭ ‬واليابان‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭) ‬بالكاش‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬العملات‭ ‬المتداولة‭ ‬1‭.‬76‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬أواخر‭ ‬سبتمبر‭.‬

وهذا‭ ‬القدر‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬المال،‭ ‬يشكل‭ ‬8‭.‬2‭ % ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬5‭.‬6‭ % ‬المسجلة‭ ‬قبل‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬2008،‭ ‬وقرب‭ ‬أعلى‭ ‬مستوياته‭ ‬منذ‭ ‬36‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

ما‭ ‬سر‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة؟

لكن‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أموال‭ ‬ملموسة‭ ‬أقل‭ ‬للدفع‭ ‬مقابل‭ ‬احتياجاتهم،‭ ‬فلماذا‭ ‬يريدون‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالكثير‭ ‬منها؟‭ ‬الإجابة‭ ‬المباشرة‭ ‬والواضحة‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬هي‭ ‬أنهم‭ ‬يتحولون‭ ‬إلى‭ ‬العملة‭ ‬كمخزن‭ ‬للقيمة،‭ ‬وهذا‭ ‬يبدو‭ ‬جليًّا‭ ‬إذا‭ ‬وضع‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬نوع‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬يفضلونها‭.‬

وإنهم‭ ‬يميلون‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬متزايد‭ ‬إلى‭ ‬اقتناء‭ ‬الفئات‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬مثل‭ ‬ورقة‭ ‬المائة‭ ‬دولار،‭ ‬والتي‭ ‬بلغ‭ ‬نصيبها‭ ‬من‭ ‬العملات‭ ‬المتداولة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬80‭ % ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬من‭ ‬73‭ % ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬السابق‭.‬

ويتناقض‭ ‬الاتجاه‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬المتقدم‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬مع‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الناشئة‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬والهند،‭ ‬حيث‭ ‬انخفض‭ ‬حجم‭ ‬العملات‭ ‬المتداولة‭ ‬كنسبة‭ ‬مئوية‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلا‭ ‬حول‭ ‬دوافع‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الغنية‭.‬

‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬احتفاظ‭ ‬الناس‭ ‬بالنقود‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الغنية‭ ‬يرتبط‭ ‬بجهود‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬عند‭ ‬مستويات‭ ‬منخفضة،‭ ‬فعندما‭ ‬تكون‭ ‬عائدات‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الآمنة‭ ‬مثل‭ ‬الودائع‭ ‬البنكية‭ ‬أو‭ ‬السندات‭ ‬الحكومية‭ ‬قليلة‭ ‬أو‭ ‬منعدمة،‭ ‬لن‭ ‬يميل‭ ‬المرء‭ ‬للتفريط‭ ‬في‭ ‬أمواله‭.‬

ويبرّر‭ ‬ذلك‭ ‬أيضًا‭ ‬عدم‭ ‬رغبة‭ ‬بعض‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬الصفر،‭ ‬فبدلًا‭ ‬من‭ ‬إنفاق‭ ‬الأموال‭ ‬أو‭ ‬مراقبة‭ ‬المدخرات‭ ‬تفقد‭ ‬قيمتها‭ ‬في‭ ‬خزائن‭ ‬البنوك،‭ ‬سيقرّر‭ ‬الناس‭ ‬سحب‭ ‬أموالهم‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المنزل‭.‬

أسباب‭ ‬أخرى

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬العملات‭ ‬المادية‭ ‬كانت‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تفسرها‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬وحدها،‭ ‬ربما‭ ‬أيضًا‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بتعطش‭ ‬المجرمين‭ ‬للنقد،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬سبب‭ ‬محدد‭ ‬للاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬طلبهم‭ ‬ازداد‭ ‬بشكل‭ ‬هائل‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الماضي‭.‬

وربطت‭ ‬دراسة‭ ‬حديثة‭ ‬أجراها‭ ‬اقتصاديان‭ ‬آسيويان،‭ ‬بين‭ ‬تزايد‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الكاش‭ ‬وارتفاع‭ ‬أعمار‭ ‬السكان،‭ ‬حيث‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الأشخاص‭ ‬الأكبر‭ ‬سنًّا‭ (‬ربما‭ ‬لأنهم‭ ‬أقل‭ ‬ثقة‭ ‬في‭ ‬الوسائل‭ ‬الإلكترونية‭) ‬يميلون‭ ‬أكثر‭ ‬للاحتفاظ‭ ‬بالنقدية‭.‬

‭ ‬وهذا‭ ‬التحليل‭ ‬ربما‭ ‬يفسّر‭ ‬أيضًا‭ ‬سر‭ ‬التباين‭ ‬بين‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الناشئة‭ ‬والمتقدمة،‭ ‬ففي‭ ‬الأولى‭ ‬يكون‭ ‬متوسط‭ ‬أعمار‭ ‬السكان‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬نظيره‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الغنية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬طبعًا‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬في‭ ‬الأولى‭ ‬مقارنة‭ ‬بالثانية‭.‬

‭ ‬وكشفت‭ ‬دراسة‭ ‬بحثية‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬في‭ ‬شيكاغو‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬80‭ % ‬من‭ ‬العملة‭ ‬الأميركية‭ ‬فئة‭ ‬100‭ ‬دولار‭ ‬المتداولة‭ ‬في‭ ‬النظام،‭ ‬موجود‭ ‬خارج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬نمو‭ ‬الطلب‭ ‬عليها‭ ‬نتيجة‭ ‬الاستخدام‭ ‬المتزايد‭ ‬للدولار‭ ‬في‭ ‬الاقتصادات‭ ‬غير‭ ‬المستقرة‭.‬