في الذكرى الـ 74 للأمم المتحدة لا تزال الشعوب والدول تسترشدُ بمبادئ ميثاق المنظمة

| أمين الشرقاوي

يُعد‭ ‬الاحتفال‭ ‬بيوم‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ - ‬في‭ ‬الـ‭ ‬24‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬–‭ ‬أكبر‭ ‬احتفاءٍ‭ ‬دوليّ‭ ‬بالسلام،‭ ‬تُوِّج‭ ‬بتوقيع‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬بعد‭ ‬صراعات‭ ‬وحروب‭ ‬عانت‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬ويلاتها‭ ‬وآثارها‭ ‬الوخيمة‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬والكوكب‭ ‬معًا‭.  ‬إن‭ ‬يوم‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬–‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬الاحتفال‭ ‬به‭ ‬عام‭ ‬1948‭ - ‬هو‭ ‬يوم‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬يتوق‭ ‬إلى‭ ‬العيش‭ ‬بحرية‭ ‬وكرامة‭ ‬وسلام،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تذكير‭ ‬بالأهداف‭ ‬التي‭ ‬ارتكز‭ ‬عليها‭ ‬الميثاق،‭ ‬واتفقت‭ ‬عليها‭ ‬شعوب‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬كافة؛‭ ‬مُمثلة‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬وتأكيد‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬للإنسان،‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬المساواة،‭ ‬والعدالة،‭ ‬ويحقق‭ ‬الرقي‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ورفاه‭ ‬الفرد‭.‬

أهدافٌ‭ ‬لم‭ ‬يغفل‭ ‬واضعوها‭ ‬آلياتِ‭ ‬تحقيقها‭ ‬والعمل‭ ‬عليها،‭ ‬واختصروها‭ ‬في‭ ‬مبادئ‭ ‬التسامح،‭ ‬وتكاتف‭ ‬الجهود‭ ‬لحفظ‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين،‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة،‭ ‬وتقدُم‭ ‬الشعوب‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬واجتماعيًا‭. ‬ولذلك‭ ‬فإننا‭ ‬نستطيع‭ ‬القول‭: ‬ان‭ ‬الاحتفال‭ ‬بيوم‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬هو‭ ‬احتفال‭ ‬بذكرى‭ ‬74‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬الشراكة‭ ‬الدولية؛‭ ‬تجسدت‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة؛‭ ‬لتكون‭ ‬محطةً‭ ‬لجميع‭ ‬الدول‭ ‬وشعوبها؛‭ ‬تناقش‭ ‬قضاياها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وتعمل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وكالاتها‭ ‬ومكاتبها‭ ‬المنتشرة‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الحكومات‭ ‬المحلية؛‭ ‬بهدف‭ ‬تذليل‭ ‬التحديات،‭ ‬ووضع‭ ‬الحلول‭ ‬والاستراتيجيات،‭ ‬بما‭ ‬يساعدها‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬قُدُما‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬التقدم‭ ‬والازدهار‭.‬

انقضى‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬74‭ ‬عامًا،‭ ‬وتَعاقَبَ‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ثمانية‭ ‬أمناء‭ ‬عامين،‭ ‬التاسع‭ ‬هو‭ ‬الحالي‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيرش،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الجوهرية‭ ‬نفسها،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬–‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ - ‬أكثر‭ ‬تفصيلًا،‭ ‬وأكبر‭ ‬عددًا‭ ‬وطموحًا‭ ‬عن‭ ‬ذي‭ ‬قبل؛‭ ‬نظرا‭ ‬لكثيرٍ‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬والمستجدات‭ ‬التي‭ ‬تُميز‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه،‭ ‬والتي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬خطة‭ ‬جامعةٍ‭ ‬مانعةٍ‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع،‭ ‬وجدناها‭ ‬تجسدت‭ ‬في‭ ‬الأجندة‭ ‬الأممية‭ ‬للتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬بأهدافها‭ ‬السبعة‭ ‬عشر،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬المؤمل‭ ‬أن‭ ‬يجري‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تحقيقها‭ ‬خلال‭ ‬15‭ ‬عامًا‭ ‬بحلول‭ ‬2030‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬2019‭ ‬أصدرت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بطاقة‭ ‬لما‭ ‬عدّته‭ ‬أهم‭ ‬عشر‭ ‬وقائع‭ ‬تمس‭ ‬حياة‭ ‬الشعوب‭ ‬ومعايشهم،‭ ‬تختصر‭ ‬إنجازاتها‭ ‬بالأرقام‭ ‬والإحصائيات،‭ ‬وتتمثل‭ ‬في‭: ‬توفير‭ ‬الغذاء‭ ‬لـ‭ ‬19‭,‬4‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬83‭ ‬بلدا،‭ ‬توفير‭ ‬اللقاحات‭ ‬لـ‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬طفل‭ ‬سنويًا،‭ ‬مساعدة‭ ‬71‭,‬4‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬الحروب،‭ ‬مساعدة‭ ‬196‭ ‬بلدًا‭ ‬للإبقاء‭ ‬على‭ ‬الحرارة‭ ‬دون‭ ‬درجتين‭ ‬مئويتين،‭ ‬إيفاد‭ ‬102‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬لحفظ‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬عملية،‭ ‬معالجة‭ ‬أزمة‭ ‬المياه‭ ‬لـ‭ ‬2‭,‬1‭ ‬مليار‭ ‬شخص،‭ ‬حماية‭ ‬الحقوق‭ ‬بإصدار‭ ‬80‭ ‬معاهدة‭ ‬وإعلانًا،‭ ‬تنسيق‭ ‬جمع‭ ‬21‭,‬9‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬للحاجات‭ ‬الإنسانية‭ ‬لـ‭ ‬131‭,‬7‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬المساعدة‭ ‬الانتخابية‭ ‬لـ‭ ‬50‭ ‬بلدا‭ ‬سنويًا،‭ ‬ومساعدة‭ ‬مليوني‭ ‬امرأة‭ ‬شهريًا‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬مضاعفات‭ ‬الحمل‭ ‬والولادة‭. ‬

هذه‭ ‬إنجازات‭ ‬كبيرة‭ ‬ولاشك،‭ ‬وتصب‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬وإنجاحِ‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مليئة‭ ‬بالتحديات،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مزيدٍ‭ ‬من‭ ‬بذل‭ ‬الجهود؛‭ ‬لتذليلها‭. ‬تحدياتٌ‭ ‬قابلها‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ - ‬خلال‭ ‬كلمة‭ ‬الاحتفال‭ ‬بيوم‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ - ‬بقوله‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭: ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نستسلم‭! ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬العمل‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة؛‭ ‬الذي‭ ‬تُشجع‭ ‬أعضاءها‭ ‬على‭ ‬تبنيه،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قنواتها‭ ‬الحوارية‭ ‬المفتوحة،‭ ‬التي‭ ‬تناقش‭ ‬–‭ ‬باستمرار‭- ‬القضايا‭ ‬العالمية،‭ ‬والمسائل‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحدود‭ ‬الوطنية،‭ ‬ومَا‭ ‬جمعيتها‭ ‬العمومية‭ ‬ومنتدياتها‭ ‬المعروفة؛‭ ‬كالمنتدى‭ ‬السياسي‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى،‭ ‬ومنتديات‭ ‬المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬إلا‭ ‬منصاتٌ‭ ‬لتبادل‭ ‬المعرفة‭ ‬والخبرات‭ ‬والإنجازات‭ ‬والتحديات‭ ‬معا‭. ‬ويكفي‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إنجازا‭ ‬أن‭ ‬102‭ ‬دولة؛‭ ‬قدمت‭ ‬تقاريرها‭ ‬الطوعية؛‭ ‬بكل‭ ‬شفافية،‭ ‬بهدف‭ ‬التطوير‭ ‬ومعالجة‭ ‬المعوقات‭.   ‬

والبحرين‭ ‬مثال‭ ‬بارز–‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬–‭ ‬فقد‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬المنتدى‭ ‬السياسي‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى،‭ ‬وقدمت‭ ‬تقريرها‭ ‬الطوعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬2018،‭ ‬وتقارير‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات،‭ ‬واستضافت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفعاليات‭ ‬الأممية،‭ ‬وأقامت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤتمرات،‭ ‬وقدمت‭ ‬المبادرات‭ ‬والجوائز‭ ‬الكثيرة،‭ ‬وقد‭ ‬أسفر‭ ‬التعاون‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ووكالاتها‭ ‬التابعة؛‭ ‬عن‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬إطار‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ (‬2018-‭ ‬2022‭)‬،‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وهو‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬بهدف‭ ‬تبادل‭ ‬الخبرات،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬المنظمة‭ ‬ووكالاتها‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬المشاريع‭ ‬المستقبلية‭ ‬بمملكة‭ ‬البحرين‭.  ‬وكان‭ ‬لجهودهم‭ ‬الكبيرة‭  ‬الأثر‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة‭ ‬ونجاحاتٍ‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات؛‭ ‬الإسكانية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والصحية‭ ‬والبيئية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬“‭. ‬

وستبقى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تعمل‭ ‬–‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ - ‬مع‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول؛‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬وأهداف،‭ ‬وعلى‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والشاملة‭ ‬لديها،‭ ‬ولن‭  ‬تتوقف‭ ‬أو‭ ‬تستسلم؛‭ ‬حتى‭ ‬تتأكد‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬تخلف‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬عن‭ ‬الركب‭.‬