زيف من يدعون بالأصدقاء

اليوم‭ ‬قد‭ ‬تخلَّيت‭ ‬عن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬دونَ‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬لهم‭: ‬وداعا،‭ ‬أنا‭ ‬فقط‭ ‬تبخَّرت‭! ‬بهدوءٍ‭ ‬وبلا‭ ‬أيِّ‭ ‬ضجيجٍ‭ ‬استفقنا‭ ‬جميعنا‭ ‬على‭ ‬كفايتي‭ ‬منهم‭.‬

في‭ ‬كُل‭ ‬مرَّة‭ ‬يُصبِح‭ ‬أحدهم‭ ‬باهتاً‭ ‬في‭ ‬عيني‭ ‬ألمُس‭ ‬قلبي‭ ‬مُتفقِّدة‭ ‬إيَّاه،‭ ‬أسأل‭ ‬نفسي‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬تحوَّلت‭ ‬لإنسانةٍ‭ ‬قاسية،‭ ‬لا‭ ‬مُبالية‭ ‬وظالِمة‭! ‬يُخيفني‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬يوماً‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭.‬

ولكنَّني‭ ‬مازلتُ‭ ‬أحِن‭ ‬بصورةٍ‭ ‬طفولية‭ ‬على‭ ‬الغرباء‭ ‬وأُحِب‭ ‬أشخاصاً‭ ‬قد‭ ‬عرفتهم‭ ‬مؤخراً،‭ ‬أشخاص‭ ‬لا‭ ‬يربطني‭ ‬بهم‭ ‬سوى‭ ‬المحبة‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير،‭ ‬يمدون‭ ‬يدهم‭ ‬لي‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬غريبة‭ ‬لم‭ ‬أعهدها‭ ‬من‭ ‬سواهم،‭ ‬يقلقون‭ ‬على‭ ‬قلبي،‭ ‬يُصلون‭ ‬لأجلي،‭ ‬يُرتبون‭ ‬مواعيدهم‭ ‬بحذر‭ ‬لأكون‭ ‬بمُحاذاتهم‭ ‬وأعلى‭ ‬دفتر‭ ‬المواعيد،‭ ‬يحاولون‭ ‬جعلي‭ ‬ابتسم،‭ ‬يُصغون‭ ‬لي‭ ‬جيِّداً،‭ ‬يأخذون‭ ‬بنصيحتي،‭ ‬يشكرون‭ ‬مودَّتي،‭ ‬يثنون‭ ‬على‭ ‬ضفيرتي‭ ‬وكحلتي‭ ‬بحُب،‭ ‬يُحاولون‭ ‬إسعادي‭ ‬ولا‭ ‬يبخلون‭ ‬بذكرِ‭ ‬الأشياء‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬جعلتهم‭ ‬يقفون‭ ‬لجانبي‭ ‬بهذا‭ ‬الثبات،‭ ‬يتواجدون‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية‭ ‬دوماً‭ ‬بلا‭ ‬طلبٍ‭ ‬أو‭ ‬سؤال،‭ ‬لا‭ ‬يُخيفهم‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬شاحبة‭ ‬أو‭ ‬بارِدة‭ ‬وغير‭ ‬قابلة‭ ‬للحديث‭ ‬والخروج‭ ‬لا‭ ‬يُخيفهم‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬مني‭ ‬أبداً‭ ‬ولا‭ ‬يُطالبون‭ ‬بأشياء‭ ‬تفوق‭ ‬طاقتي‭ ‬إنَّهم‭ ‬يخشون‭ ‬عليَّ‭ ‬فقط،‭ ‬يخشون‭ ‬أن‭ ‬استسلم‭ ‬لمعركتي،‭ ‬يجرونني‭ ‬لنفسي‭ ‬قبل‭ ‬جري‭ ‬لإرضائهم

مقاييس‭ ‬العلاقات‭ ‬لدي‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬تعُد‭ ‬مرهونة‭ ‬بالسنوات‭ ‬ولا‭ ‬بالذكريات،‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنَّني‭ ‬أملُك‭ ‬ذاكرة‭ ‬سيئة‭ ‬على‭ ‬الأمد‭ ‬الطويل‭ ‬فلا‭ ‬فائدة‭ ‬للذكرى‭ ‬وأنَّ‭ ‬جميع‭ ‬العثرات‭ ‬التي‭ ‬تجاوزتها‭ ‬يوماً‭ ‬لأجلهم‭ ‬كقربانٍ‭ ‬للاستمرار‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬تُبعِدني‭ ‬عنهم‭ ‬أكثر،‭ ‬تُضائل‭ ‬حجم‭ ‬اللهفة‭ ‬في‭ ‬قلبي‭!‬‭ ‬

والمُشكِلة‭ ‬أنَّني‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يربطون‭ ‬كُل‭ ‬شيء‭ ‬بالعاطفة،‭ ‬لا‭ ‬يُمكنني‭ ‬التواجد‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬لم‭ ‬يعُد‭ ‬يربطني‭ ‬بها‭ ‬أيُّ‭ ‬شعور‭ ‬ولا‭ ‬أستطيع‭ ‬تقديم‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬عناق‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أكُن‭ ‬حقاً‭ ‬أعنيه،‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬مؤسف‭ ‬أن‭ ‬تعتاد‭ ‬العناق‭ ‬من‭ ‬أحدهم‭ ‬فلا‭ ‬يستطيع‭ ‬تقديمه‭ ‬إليك‭ ‬بعد‭ ‬الآن‭ ‬ولو‭ ‬كذباً‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يجعلني‭ ‬آسفة‭ ‬لهم‭ ‬حقاً‭.‬

لقد‭ ‬تخلِّيت‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬السنوات‭ ‬لا‭ ‬تجعل‭ ‬العلاقات‭ ‬أمتن،‭ ‬العشرة‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬لنبقى‭ ‬بذات‭ ‬الروح،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬مكثت‭ ‬بينهم‭ ‬لسنين‭ ‬أعمل‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مشاعر‭ ‬صادقة‭ ‬كان‭ ‬غيرهم‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تُجبِرهُ‭ ‬الأيَّام‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحتاج‭ ‬الأمر‭ ‬لتعبٍ‭ ‬أو‭ ‬عناء‭.‬

نور‭ ‬عباس