التجربة التونسية

| سالم الشوبكي

تونس‭ ‬تثبت‭ ‬مجددًا‭ ‬أن‭ ‬تجربتها‭ ‬الأكثر‭ ‬انسجامًا‭ ‬مع‭ ‬واقع‭ ‬المجتمع‭ ‬ومراعاة‭ ‬لمتطلبات‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬عبر‭ ‬إفراز‭ ‬خليط‭ ‬متنوع‭ ‬غاب‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬كاد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أعطي‭ ‬الفرصة‭ ‬لإدارة‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭ ‬ولم‭ ‬يرق‭ ‬إلى‭ ‬طموحات‭ ‬المواطنين،‭ ‬ولم‭ ‬يلب‭ ‬تطلعاتهم‭ ‬في‭ ‬مجابهة‭ ‬مختلف‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬البلاد‭ ‬وتقض‭ ‬مضاجع‭ ‬العباد،‭ ‬فكان‭ ‬الرد‭ ‬الشعبي‭ ‬عبر‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع‭ ‬في‭ ‬استحقاق‭ ‬مهم‭ ‬تمثّل‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المبكرة،‭ ‬والانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬الثانية‭ ‬منذ‭ ‬إقرار‭ ‬دستور‭ ‬2014‭.‬

قال‭ ‬التونسيون‭ ‬كلمتهم‭ ‬وجاءت‭ ‬مخرجات‭ ‬الصناديق‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬التوقعات‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير؛‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬فاجأ‭ ‬الجميع‭ ‬بتصدره‭ ‬الجولة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬السباق‭ ‬نحو‭ ‬قصر‭ ‬قرطاج،‭ ‬احتاج‭ ‬المرشح‭ ‬المستقل‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬الدستوري‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬إلى‭ ‬جولة‭ ‬ثانية‭ ‬ليحسم‭ ‬المعركة‭ ‬الانتخابية‭ ‬الرئاسية‭ ‬لصالحه،‭ ‬متقدمًا‭ ‬عن‭ ‬منافسه‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬مرشح‭ ‬حزب‭ ‬قلب‭ ‬تونس‭ ‬نبيل‭ ‬القروي‭ ‬بفارق‭ ‬كبير‭.‬

وصل‭ ‬سعيد‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الرئاسة‭ ‬مدفوعًا‭ ‬بتأييد‭ ‬شعبي‭ ‬كبير،‭ ‬متحررًا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬انتماء‭ ‬حزبي،‭ ‬ما‭ ‬يمنحه‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬المنشود‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬يحدده‭ ‬الدستور‭ ‬من‭ ‬صلاحيات‭ ‬ومهام‭ ‬لمنصبه‭. ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬أعادت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تشكيل‭ ‬تركيبة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬المكوّن‭ ‬من‭ ‬207‭ ‬مقاعد،‭ ‬حيث‭ ‬سجلت‭ ‬جميع‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬تصدرت‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬خلال‭ ‬الخمس‭ ‬سنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تآكلاً‭ ‬في‭ ‬قواعدها‭ ‬الشعبية،‭ ‬بنسب‭ ‬متفاوتة‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬شكل‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬غير‭ ‬واضح‭ ‬المعالم‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تنوع‭ ‬مكونات‭ ‬البرلمان‭ ‬وعدم‭ ‬تمكن‭ ‬أي‭ ‬حزب‭ ‬من‭ ‬تأمين‭ ‬الأغلبية‭ ‬البرلمانية‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬له‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬بأريحية‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬تحالفات‭ ‬وتفاهمات‭ ‬مع‭ ‬أحزاب‭ ‬أخرى‭ ‬وكتل‭ ‬وربما‭ ‬مستقلين‭ ‬أيضًا،غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يحمل‭ ‬جوانب‭ ‬إيجابية‭ ‬تتعلق‭ ‬بتوازنات‭ ‬ضرورية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬المهمة‭ ‬لأن‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬تشكيلٌ‭ ‬فسيفسائيٌ‭ ‬من‭ ‬جُل‭ ‬المكونات‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬أحزاب‭ ‬المقدمة‭ ‬مجبرة‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬حكومي‭ ‬وتشريعي‭ ‬توافقي‭ ‬جامع‭ ‬نافع‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التفرد‭ ‬بالقرار،‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬فرض‭ ‬رؤية‭ ‬أحادية‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭ ‬وسن‭ ‬تشريعاتها‭ ‬ومعالجة‭ ‬اختلالاتها‭.‬

التجربة‭ ‬التونسية‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬النضج‭ ‬بعد،‭ ‬لكنها‭ ‬تسلك‭ ‬المسار‭ ‬الصحيح،‭ ‬وقد‭ ‬قطعت‭ ‬شوطًا‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به؛‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬ضمانات‭ ‬نجاحها‭ ‬الوعي‭ ‬الشعبي‭ ‬وعدم‭ ‬اليأس،‭ ‬تضاف‭ ‬لهما‭ ‬المشاركة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الفاعلين‭ ‬في‭ ‬الخارطة‭ ‬السياسية‭ ‬التونسية‭ ‬الجديدة‭.‬