عدم اليقين العالمي عند أعلى مستوياته

| نيويورك - التلغراف، نيويورك تايمز

من‭ ‬الحقائق‭ ‬البديهية‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬أن‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية‭ ‬تكره‭ ‬عدم‭ ‬اليقين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يظهر‭ ‬جليًّا‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬تغريدات‭ ‬الرئيس‭ ‬“دونالد‭ ‬ترامب”‭ ‬أو‭ ‬القضايا‭ ‬التجارية‭ ‬العالمية‭ ‬أو‭ ‬“بريكست”‭. ‬ويظهر‭ ‬أحد‭ ‬المؤشرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الشركات‭ ‬والمستثمرين‭ ‬العالميين‭ ‬يواجهون‭ ‬مستوى‭ ‬عدم‭ ‬يقين‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬له‭ ‬مثيل‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يضر‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬مخاوف‭ ‬المحللين‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

عدم‭ ‬يقين‭ ‬غير‭ ‬مسبوق

ارتفع‭ ‬مؤشر‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬للسياسة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية،‭ ‬الذي‭ ‬ابتكره‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬الجامعيين‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬“بيكر،‭ ‬بلوم‭ ‬آند‭ ‬ديفيز”‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬منذ‭ ‬إطلاقه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1997،‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬تقلبات‭ ‬سياسات‭ ‬أمريكا‭ ‬والصين‭ ‬أشدها‭.‬

‭ ‬ويحتوي‭ ‬المؤشر‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر‭ ‬لتتبع‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين،‭ ‬وهي‭ ‬تغطية‭ ‬الصحف،‭ ‬وتقارير‭ ‬الموازنات،‭ ‬والخلاف‭ ‬بين‭ ‬المتنبئين‭ ‬الاقتصاديين،‭ ‬ورغم‭ ‬الارتفاع‭ ‬الكبير‭ ‬له‭ ‬عقب‭ ‬هجمات‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬والأزمة‭ ‬المالية،‭ ‬وديون‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو،‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬المؤشر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭.‬

‭ ‬ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬قلق‭ ‬المستثمرين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬بعينها‭ ‬بشأن‭ ‬أزمة‭ ‬محددة،‭ ‬مثل‭ ‬“بريكست”‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬بل‭ ‬يتعيّن‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬تداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬واستقطاب‭ ‬السياسة‭ ‬العالمية‭ ‬الذي‭ ‬يغذيه‭ ‬صعود‭ ‬الشعبوية‭ ‬المتطرفة‭.‬

‭ ‬وعدم‭ ‬اليقين‭ ‬الذي‭ ‬تسببه‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬العالمية‭ ‬والقلق‭ ‬بشأن‭ ‬انسحاب‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬ضعف‭ ‬النمو‭ ‬وفقًا‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستقصائية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬فالضبابية‭ ‬تدفع‭ ‬الشركات‭ ‬للتصرف‭ ‬بشكل‭ ‬غريب‭.‬

وتفضل‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ (‬كما‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭) ‬توظيف‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬باستثمارات‭ ‬كبيرة،‭ ‬فعملية‭ ‬توظيف‭ ‬وفصل‭ ‬العمالة‭ ‬أقل‭ ‬تكلفة‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬الاستثمار‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬التراجع‭ ‬فيها‭ ‬وعكس‭ ‬أثرها‭.‬

ضعف‭ ‬التجارة‭ ‬والاستثمار

البنك‭ ‬المركزي‭ ‬السويسري‭ ‬حذّر‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬مثل‭ ‬الحروب‭ ‬التجارية‭ ‬و”بريكست”‭ ‬والتهديدات‭ ‬الإيرانية‭ ‬المتزايدة،‭ ‬قائلًا‭ ‬إنها‭ ‬تغذي‭ ‬نيران‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬العالمي،‭ ‬ما‭ ‬يعوق‭ ‬استعداد‭ ‬الصناعات‭ ‬للقيام‭ ‬بالاستثمارات‭ ‬اللازمة‭ ‬لتحفيز‭ ‬الإنتاجية‭.‬

وقالت‭ ‬عضوة‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬البنك‭ ‬“أندريا‭ ‬ميشلر”‭ ‬إن‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية‭ ‬التوسعية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬توجهات‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬العالمية‭ ‬حاليًّا‭ ‬هي‭ ‬العلاج‭ ‬الأنسب‭ ‬لانخفاض‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬وهشاشة‭ ‬الاقتصادات‭.‬

وذهبت‭ ‬“أندريا”‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬بالتساؤل‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬سيؤدي‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬العولمة،‭ ‬مضيفة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬تشكّل‭ ‬ألمًا‭ ‬مضاعفًا‭ ‬كونها‭ ‬تضعف‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬الفعلي‭ ‬والنظر‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭ ‬بإيجابية‭. ‬وحذّرت‭ ‬أيضًا‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الصراعات‭ ‬التجارية‭ ‬المتصاعدة‭ ‬تهدد‭ ‬الوظائف‭ ‬وسبل‭ ‬العيش‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬حيث‭ ‬تثني‭ ‬الشركات‭ ‬عن‭ ‬التوسع‭ ‬والابتكار،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬المنظمة‭ ‬لخفض‭ ‬توقعاتها‭ ‬السابقة‭ ‬لنمو‭ ‬التجارة‭.‬

‭ ‬وتتوقع‭ ‬المنظمة‭ ‬الآن‭ ‬نمو‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬بنسبة‭ ‬1‭.‬2‭ % ‬فقط‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الجاري‭ (‬انخفاضًا‭ ‬من‭ ‬2‭.‬6‭ % ‬سابقًا‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬ستكون‭ ‬أضعف‭ ‬وتيرة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬عندما‭ ‬تأثرت‭ ‬حركة‭ ‬التجارة‭ ‬بالأزمة‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬الأسوأ‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬منذ‭ ‬الكساد‭ ‬العظيم‭.‬

وقال‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬لمنظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬“روبرتو‭ ‬أزيفيدو”‭ ‬في‭ ‬بيان،‭ ‬إن‭ ‬النزاعات‭ ‬التجارية‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الشركات‭ ‬إلى‭ ‬تأخير‭ ‬استثماراتها‭ ‬الضرورية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الإنتاجية‭ ‬ورفع‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬وخلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭.‬