محاضرة لمحمد موفاكو في المكتبة الخليفية

تاريخ القهوة والتغييرات التي لازمتها

استمرارًا‭ ‬لفعاليات‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والآثار،‭ ‬أقيمت‭ ‬مؤخرا‭ ‬محاضرة‭ ‬بعنوان‭ (‬القهوة‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬إلى‭ ‬البوسنة‭: ‬ثقافة‭ ‬وهوية‭) ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬الخليفية،‭ ‬قدم‭ ‬المحاضرة‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬موفاكو‭ ‬مدير‭ ‬معهد‭ ‬الدراسات‭ ‬الشرقية‭ ‬في‭ ‬بريشتينا‭ ‬بكوسوفو،‭ ‬وذلك‭ ‬بحضور‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬سعادة‭ ‬الشيخة‭ ‬هلا‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الأكاديميين‭ ‬والمهتمين‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬المحاضرة‭ ‬أن‭ ‬القهوة‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬مع‭ ‬الدّخان‭ (‬السجائر‭) ‬والشاي‭. ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬المشروب‭ ‬الجديد،‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬اليمن‭ ‬من‭ ‬الحبشة‭ ‬المجاورة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬وانتشر‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬عبر‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬ومصر‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬ترك‭ ‬أثرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬والمجتمع‭ ‬والاقتصاد‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬القرون‭ ‬اللاحقة‭.‬

وبين‭ ‬المحاضر‭ ‬أن‭ ‬الظهور‭ ‬المفاجئ‭ ‬لهذا‭ ‬المشروب‭ ‬الجديد‭ ‬وشكل‭ ‬تقديمه‭ ‬وشربه‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬حيرة‭ ‬الفقهاء‭ ‬والعلماء‭ ‬والشعراء،‭ ‬حيث‭ ‬انقسموا‭ ‬إلى‭ ‬طرفين‭ ‬متعارضين‭: ‬طرف‭ ‬رحّب‭ ‬به‭ ‬وامتدحه‭ ‬وطرف‭ ‬عارضه‭ ‬وأفتى‭ ‬بتحريمه‭. ‬وقد‭ ‬خلّف‭ ‬هذا‭ ‬الخلاف‭ ‬الفقهي،‭ ‬الذي‭ ‬استمر‭ ‬حوالي‭ ‬مئتي‭ ‬سنة،‭ ‬نتاجا‭ ‬فقهيا‭ ‬وأدبيا‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬امتدّ‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬إلى‭ ‬البوسنة،‭ ‬واشتمل‭ ‬عشرات‭ ‬الرسائل‭ ‬الفقهية‭ ‬التي‭ ‬تضمّنت‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬بشرب‭ ‬القهوة‭ ‬دون‭ ‬تقليد‭ ‬من‭ ‬يشرب‭ ‬الخمر‭ (‬والقهوة‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬الخمرة‭ ‬عند‭ ‬العرب‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يثبت‭ ‬منعها‭ ‬سواء‭ ‬بحجة‭ ‬تقليد‭ ‬من‭ ‬يشرب‭ ‬الخمر‭ ‬أو‭ ‬بضررها‭ ‬المفترض‭.‬‭ ‬

وقال‭ ‬المحاضر‭ ‬إن‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬القهوة‭ ‬التي‭ ‬أحدث‭ ‬ثورة‭ ‬ثقافية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬المقاهي‭ ‬في‭ ‬كبريات‭ ‬المدن‭ ‬من‭ ‬دمشق‭ ‬والقاهرة‭ ‬وإلى‭ ‬سراييفو‭ ‬ولندن،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬المقاهي‭ ‬مجرد‭ ‬مكان‭ ‬لاحتساء‭ ‬القهوة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬وإنما‭ ‬أصبحت‭ ‬مكانا‭ ‬لاجتماع‭ ‬الأصحاب‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العام‭ ‬المفتوح‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬فيه‭ ‬سماع‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬والاشتراك‭ ‬فيه‭. ‬وهكذا‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬المقاهي‭ ‬مكانا‭ ‬مهما‭ ‬لتداول‭ ‬الأخبار‭ ‬ومناقشة‭ ‬القضايا‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية،‭ ‬كما‭ ‬أصبحت‭ ‬المكان‭ ‬المفضل‭ ‬للأدباء‭ ‬الذين‭ ‬يلتقون‭ ‬فيه‭ ‬وينشدون‭ ‬ما‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬أو‭ ‬يعلّقون‭ ‬عليه‭.‬

وتناول‭ ‬المحاضر‭ ‬تحول‭ ‬المقاهي‭ ‬الجديد‭ ‬بعد‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ (‬السادس‭ ‬عشر‭) ‬إلى‭ ‬“مراكز‭ ‬ثقافية”‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬تتنافس‭ ‬وتجذب‭ ‬الزبائن‭ ‬بواسطة‭ ‬الموسيقى‭ ‬والغناء،‭ ‬وتحولت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬مسارح‭ ‬موسمية‭ ‬خاصة‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬فيها‭ ‬مسرحيات‭ ‬نقدية‭ ‬اجتماعية‭ ‬بتقنية‭ ‬خيال‭ ‬الظل‭ (‬كراكوز‭ ‬وعيواظ‭)‬،‭ ‬بينما‭ ‬احتضنت‭ ‬لاحقا‭ ‬المسرحيات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تؤسس‭ ‬المسارح‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬

كذلك‭ ‬دخلت‭ ‬القهوة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للمجتمعات،‭ ‬فصارت‭ ‬رمزًا‭ ‬للضيافة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬ورمزًا‭ ‬للمودة‭ ‬والمصالحة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬أخرى‭ ‬كالأردن،‭ ‬فيما‭ ‬تم‭ ‬تسجيل‭ ‬“القهوة‭ ‬التركية”‭ ‬كتراث‭ ‬ثقافي‭ ‬عالمي‭ ‬في‭ ‬اليونيسكو‭ ‬عام‭ ‬2014م‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬تركيا‭. ‬هذا‭ ‬وبسبب‭ ‬ارتباط‭ ‬القهوة‭ ‬بالهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬للشعوب،‭ ‬فقد‭ ‬عكست‭ ‬التوترات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬كاليونان‭ ‬وتركيا‭ ‬والبوسنة‭ ‬والهرسك‭.‬