وعود وزارية بالترميم وإعادة الافتتاح قبل 4 سنوات... والمبنى مكانك سر

عدسة “البلاد”: مدرسة “فاطمة الزهراء” غارقة بقاع النسيان

| علوي الموسوي

((تنبه صحيفة البلاد مختلف المنصات الإخبارية الالكترونية، لضرورة توخي الحيطة بما ينص عليه القانون المعني بحماية حق الملكية الفكرية ، من عدم قانونية نقل أو اقتباس محتوى هذه المادة الصحفية، حتى لو تمت الاشارة للمصدر.))

 

المدرسة‭ ‬ضخت‭ ‬لسوق‭ ‬العمل‭ ‬طلائع‭ ‬العاملات من‭ ‬ينقذ‭ ‬المدرسة‭ ‬من‭ ‬الإهمال‭ ‬والنسيان؟ صفوف‭ ‬مكسرة‭ ‬وأوساخ‭ ‬مبعثرة‭ ‬وقوارض‭ ‬تملأ‭ ‬المكان

 

كان‭ ‬لابد‭ ‬لـ‭ ‬“البلاد”‭ ‬أن‭ ‬تزور‭ ‬مدرسة‭ ‬فاطمة‭ ‬الزهراء‭ ‬الابتدائية‭ ‬للبنات‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬المنامة؛‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬تعد‭ ‬ثالث‭ ‬مدرسة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين،‭ ‬وقد‭ ‬أوقفت‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬الدراسة‭ ‬والعمل‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2016،‭ ‬تحت‭ ‬وعود‭ ‬وزارية‭ ‬بترميم‭ ‬المدرسة‭ ‬وإعادة‭ ‬افتتحاها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬قبل‭ ‬4‭ ‬سنوات‭.‬

مدرسة‭ ‬فاطمة‭ ‬الزهراء‭ ‬الابتدائية‭ ‬للبنات‭ ‬في‭ ‬المنامة‭ ‬مطلع‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬الجديد‭ ‬تسعى‭ ‬لنفض‭ ‬غبار‭ ‬النسيان‭ ‬وتزيل‭ ‬ركام‭ ‬المخلفات‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬جسمها‭ ‬التعليمي‭ ‬الممشوق،‭ ‬وتريد‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬استطاعت‭ ‬إليه‭ ‬سبيلا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يُرَد‭ ‬لها‭.‬

هي‭ ‬في‭ ‬عتمة‭ ‬ليالي‭ ‬المنامة‭ ‬سراج،‭ ‬وفي‭ ‬سماء‭ ‬البحرين‭ ‬نجمة‭ ‬تتلألأ،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬إشراقات‭ ‬الصباح‭ ‬ضوء‭ ‬مسفر‭ ‬يلقي‭ ‬بوهجه‭ ‬على‭ ‬النهارات‭ ‬الإنسانية‭ ‬ليضيء‭ ‬ظلمتها‭ ‬ويرسم‭ ‬معالم‭ ‬المستقبل‭ ‬الآتي‭. ‬تلك‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬العام‭ ‬1951‭ ‬القابعة‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬فريج‭ ‬المخارقة‭ ‬بقلب‭ ‬العاصمة‭ ‬المنامة،‭ ‬تشكو‭ ‬الإهمال‭ ‬والنسيان،‭ ‬والعجيب‭ ‬أن‭ ‬يركن‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬العلمي‭ ‬والعلامة‭ ‬الحضارية‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬النسيان‭.‬

الأجيال‭ ‬الثلاثة

هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬يعود‭ ‬لها‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬خلقت‭ ‬الأجيال‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الطالبات‭ ‬والطبيبات‭ ‬والمهندسات‭ ‬والمثقفات‭ ‬والمعلمات‭ ‬والأديبات‭ ‬وغيرهن‭... ‬

وهي‭ ‬التي‭ ‬ضخت‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬أولى‭ ‬طلائع‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬الأيدي‭ ‬العاملة‭ ‬اللاتي‭ ‬طبعن‭ ‬بصماتهن‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬ماضي‭ ‬البحرين‭ ‬وحاضرها‭ ‬وستطبع‭ ‬الأجيال‭ ‬المقبلة‭ ‬من‭ ‬أولاد‭ ‬هؤلاء‭ ‬النساء‭ ‬بصماتها‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬المستقبل‭.‬

الآن‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬المدرسة‭ ‬لا‭ ‬وقت‭ ‬للحديث؛‭ ‬بل‭ ‬للمبادرات،‭ ‬فمن‭ ‬سيعلق‭ ‬الجرس‭ ‬في‭ ‬رقبة‭ ‬المدرسة؟‭ ‬فهي‭ ‬كموقع‭ ‬ومبنى‭ ‬وتاريخ‭ ‬تعد‭ ‬أحد‭ ‬معالم‭ ‬البحرين‭ ‬وعاصمتها‭ ‬المنامة،‭ ‬بل‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭.‬

يدرك‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬مجرد‭ ‬مشاهدة‭ ‬صور‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬العالقة‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬النسيان‭ ‬سوف‭ ‬تبكي‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬المدرسات‭ ‬والأمهات‭ ‬والطالبات‭ ‬من‭ ‬اللاتي‭ ‬كن‭ ‬يتلقين‭ ‬علومهن‭ ‬فيها،‭ ‬وستنبش‭ ‬الذكريات‭.‬

دموع‭ ‬وقصص

وفي‭ ‬انطلاقة‭ ‬جولة‭ ‬الصحيفة‭ ‬للمدرسة‭ ‬كان‭ ‬أمامنا‭ ‬جسد‭ ‬مدرسة‭ ‬ممشوق‭ ‬جميل‭ ‬قد‭ ‬غير‭ ‬الزمن‭ ‬ملامحه‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يشخ،‭ ‬ومنذ‭ ‬الانطلاقة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬الرئيس‭ ‬للمدرسة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتّيمم‭ ‬كثيرات‭ ‬بغبار‭ ‬تعليمها‭ ‬يوميًا،‭ ‬وجدنا‭ ‬مبنى‭ ‬مسكونا‭ ‬بإيمان‭ ‬التعليم‭ ‬وبركة‭ ‬التعلم،‭ ‬حكايا‭ ‬مجبولة‭ ‬بالدموع‭ ‬وقصص‭ ‬التألق‭ ‬تحكيها‭ ‬منشورات‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ ‬ولوائح‭ ‬على‭ ‬الحيطان‭.‬

من‭ ‬سور‭ ‬المدرسة‭ ‬إلى‭ ‬المبنى‭ ‬الرئيس‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القاذورات‭ ‬والأوساخ،‭ ‬وغرفة‭ ‬حراسة‭ ‬فاقدة‭ ‬الإحساس‭ ‬بعزيز‭ ‬لها‭ ‬كان‭ ‬يراقب‭ ‬ويحرس‭ ‬أرجاء‭ ‬المدرسة،‭ ‬كراسي‭ ‬مكسرة،‭ ‬أشجار‭ ‬مدمرة،‭ ‬وحشرات‭ ‬وقوارض‭ ‬تملأ‭ ‬المكان‭.‬

الباب‭ ‬الرئيس‭ ‬للمدرسة‭ ‬واقف‭ ‬بكل‭ ‬شموخ،‭ ‬امتدت‭ ‬يد‭ ‬مندوب‭ ‬الصحيفة‭ ‬وصافح‭ ‬مقبض‭ ‬الباب‭ ‬وانفتح‭ ‬الباب‭ ‬معلنًا‭ ‬إذن‭ ‬الدخول،‭ ‬على‭ ‬اليمين‭ ‬كانت‭ ‬هنالك‭ ‬لوحة‭ ‬كبيرة‭ ‬للمفاتيح‭ ‬الرئيسة‭ ‬للكهرباء،‭ ‬وقد‭ ‬عبث‭ ‬فيها‭ ‬أحدهم‭ ‬وسرق‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسرق،‭ ‬وحولها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسلاك‭ ‬المهترئة‭.‬

وعلى‭ ‬بعد‭ ‬3‭ ‬أمتار‭ ‬يلوح‭ ‬باب‭ ‬مبنى‭ ‬الإدارة‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬الحركة‭ ‬مكسور‭ ‬الأضلاع،‭ ‬ومن‭ ‬خلفه‭ ‬قاعات‭ ‬وغرف‭ ‬إدارية‭ ‬غيرت‭ ‬ملامحها‭ ‬عوامل‭ ‬التعرية،‭ ‬لا‭ ‬حركة‭ ‬فيها‭ ‬غير‭ ‬تحرك‭ ‬الغبار‭ ‬من‭ ‬ملاعبة‭ ‬الهواء،‭ ‬ويحوطها‭ ‬كثير‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأوساخ‭ ‬والقاذورات‭ ‬وقناني‭ (‬خمرة‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬استغل‭ ‬بعض‭ ‬ضعاف‭ ‬النفوس‭ ‬المبنى‭ ‬ملجأ‭ ‬لهم‭ ‬لاحتساء‭ ‬الشراب‭ ‬وجعله‭ ‬وكرا‭ ‬لممارسة‭ ‬الرذيلة‭.‬

مكسورة‭ ‬ومهجورة

الباحة‭ ‬الرئيسة‭ ‬للمدرسة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬محياها‭ ‬الجميل‭ ‬ومظلتها‭ ‬الأجمل،‭ ‬لكنها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القاذورات‭ ‬والمخلفات‭ ‬التعليمية‭ ‬وغير‭ ‬التعليمية‭ ‬تغطي‭ ‬أرضها،‭ ‬ويحيطها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصفوف‭ ‬المكسرة‭ ‬والمهجورة‭.‬

أما‭ ‬حال‭ ‬المبنى‭ ‬الرئيس‭ ‬فهو‭ ‬يحكي‭ ‬قصة‭ ‬صمود‭ ‬ممتدة‭ ‬إلى‭ ‬58‭ ‬عاما،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬العطاء،‭ ‬رغم‭ ‬الإهمال‭ ‬المتعمد‭ ‬الممارس‭ ‬في‭ ‬حقه،‭ ‬وكذلك‭ ‬حال‭ ‬بقية‭ ‬الأبنية‭ ‬والمرافق‭.‬