أبا سَلمَانَ يا مَلِكًا عَظِيمًا

أَطَلَّ‭ ‬الصُّبحُ‭ ‬وانقَشَعَ‭ ‬الضَّبَابُ

بَدا‭ ‬لِلشَّكِ‭ ‬وَالظَّنِّ‭ ‬انسِحَابُ

فَكُنتُ‭ ‬أظُنُّ‭ ‬رُوحِي‭ ‬ليسَ‭ ‬تَهفُو

وَقَلبِي‭ ‬بِالمَحَبَّةِ‭ ‬لا‭ ‬يِصَابُ

وَلَو‭ ‬أَنَّ‭ ‬الجَمَالَ‭ ‬يَروقُ‭ ‬نَفسِي

وَيَدفَعُنِي‭ ‬إلى‭ ‬الحبِّ‭ ‬الشَّبَابُ

فَما‭ ‬شَغَلت‭ ‬فُؤادِي‭ ‬أو‭ ‬سَبَتنِي

بِحُبٍّ‭ ‬كَانَ‭ ‬هِندٌ‭ ‬أو‭ ‬رَبابُ

وَلكِنِّي‭ ‬وَقَعتُ‭ ‬بِحُبِّ‭ ‬أرضٍ

بِها‭ ‬تَعلُو‭ ‬منَ‭ ‬الفَخرِ‭ ‬الرِّقَابُ

فَحُبِّي‭ ‬لِلبِلادِ‭ ‬غَزا‭ ‬كِيانِي

عَلَيَّ‭ ‬الأَهلُ‭ ‬لامُوا‭ ‬والصَّحابُ

وَقَالوا‭ ‬إنَّ‭ ‬حُبِّكَ‭ ‬مَحضُ‭ ‬وَهمٍ

فَخَالَطنِي‭ ‬لما‭ ‬قَالُوا‭ ‬ارتِيابُ

وَلكِنْ‭ ‬إن‭ ‬بَعُدتُ‭ ‬يَضِيقُ‭ ‬صَدرِي

وَيُفرِحَني‭ ‬إلى‭ ‬أرضي‭ ‬الإيَابُ

فَيا‭ ‬بَحرَينُ‭ ‬حُبُّكِ‭ ‬نَبضُ‭ ‬قَلبِي

هيَامِي‭ ‬في‭ ‬غَرَامِكِ‭ ‬لا‭ ‬يُعَابُ

وَحُبُّكِ‭ ‬يا‭ ‬بِلادِي‭ ‬ماءُ‭ ‬رُوحِي

كَنَهرٍ‭ ‬في‭ ‬الحَشا‭ ‬ولهُ‭ ‬انسِيابُ

فحُبُّكِ‭ ‬يا‭ ‬بِلادِي‭ ‬نَبعُ‭ ‬ماءٍ

فَيَأتِيهُ‭ ‬الأَبَاعِدُ‭ ‬والقُرَابُ

وَشَعبُكِ‭ ‬يا‭ ‬بِلادِي‭ ‬خَيرُ‭ ‬شَعبٍ

وَيَجمَعُنَا‭ ‬عَلى‭ ‬الهَديِ‭ ‬الكِتَابُ

لَنَا‭ ‬في‭ ‬المَجدِ‭ ‬أفعَالٌ‭ ‬عِجَابُ

وَعَزمٌ‭ ‬لَيسَ‭ ‬يَعلوهُ‭ ‬السَّحابُ

لَنا‭ ‬هِمَمٌ‭ ‬نَجُوبُ‭ ‬بِها‭ ‬المَعَالِي

فَدُونَ‭ ‬المَجدِ‭ ‬ليسَ‭ ‬لَنا‭ ‬حِجَابُ

فَنَحنُ‭ ‬بَنُو‭ ‬أوالَ‭ ‬رِجَالُ‭ ‬بَأسٍ

وليسَ‭ ‬لَنا‭ ‬على‭ ‬زَمَنٍ‭ ‬عِتَابُ

نُطَوِّعُ‭ ‬ما‭ ‬نُرِيدُ‭ ‬على‭ ‬هَوَانا

وَلا‭ ‬نَخشَى‭ ‬الزَّمَانَ‭ ‬وَلا‭ ‬نَهَابُ

إذا‭ ‬نَعَقَ‭ ‬الغُرَابُ‭ ‬بِأَرضِ‭ ‬بُورٍ

فَلا‭ ‬نُصغِي‭ ‬لِما‭ ‬قَالَ‭ ‬الغُرَابُ

فأَرضُ‭ ‬البُورِ‭ ‬ليسَ‭ ‬بِها‭ ‬نَبَاتٌ

وَلَم‭ ‬يَصلُحْ‭ ‬بِها‭ ‬يَومًا‭ ‬تُرَابُ

فَصَحرَاءُ‭ ‬المَزَاعِمِ‭ ‬لَيسَ‭ ‬تُغنِي

عَنِ‭ ‬الخَبرِ‭ ‬اليَقِينِ‭ ‬لِمَن‭ ‬أَنابُوا

إذا‭ ‬ما‭ ‬تُهتَ‭ ‬في‭ ‬الصَّحراء‭ ‬يومًا

فلن‭ ‬يُطفي‭ ‬لَكَ‭ ‬الظَّمَأَ‭ ‬السَّرَابُ

فَإن‭ ‬رُمتَ‭ ‬الحَقِيقَةَ‭ ‬ليسَ‭ ‬إلَّا

فَخُذْ‭ ‬ما‭ ‬قَالهُ‭ ‬القَومُ‭ ‬اللُّبَابُ

وَلا‭ ‬تَسمَعْ‭ ‬لِأَفَّاكٍ‭ ‬أَثِيمٍ

فَغَايَتُه‭ ‬انقِسَامٌ‭ ‬وَاحتِرَابُ

فَتَزوِيرُ‭ ‬الحَقَائِقِ‭ ‬صَارَ‭ ‬فَنًّا

فَلا‭ ‬يُغرُركَ‭ ‬مِن‭ ‬نَكِدٍ‭ ‬خِطَابُ

وَغَربِلْ‭ ‬كُلَّ‭ ‬قَولٍ‭ ‬عِن‭ ‬بِلادِي

وَلا‭ ‬يُزرِي‭ ‬بِكَ‭ ‬القَولُ‭ ‬المُرَابُ

فَشَعبٌ‭ ‬نَحنُ‭ ‬يَسعَى‭ ‬نَحوَ‭ ‬مَجدٍ

فَما‭ ‬قَومٌ‭ ‬سَعوا‭ ‬إلَّا‭ ‬أَصَابُوا

وَإن‭ ‬تَعجَبْ‭ ‬فَخُذْ‭ ‬مِنِّي‭ ‬يَقِينًا

وَسَلْ‭ ‬مَن‭ ‬شِئتَ‭ ‬يَأتِيكَ‭ ‬الجَوابُ

أبو‭ ‬سَلمَانَ‭ ‬قَامَ‭ ‬بِها‭ ‬مَلِيكًا

بِحِلمٍ‭ ‬سَاسَها‭ ‬فَالنَّاسُ‭ ‬طَابُوا

أبو‭ ‬سَلمانَ‭ ‬صَارَ‭ ‬لَنَا‭ ‬مِثَالًا

مَلِيكٌ‭ ‬صَادِقٌ‭ ‬عدلٌ‭ ‬مُهَابُ

فَعَلَّمَنا‭ ‬بِأَنَّ‭ ‬الحَقَّ‭ ‬يَعلُو

وَأَنَّ‭ ‬الكِذْبَ‭ ‬ليسَ‭ ‬لَهُ‭ ‬نِصَابُ

وَعَلَّمنا‭ ‬بِأَنَّ‭ ‬الخَيرَ‭ ‬بَاقٍ

وَأنَّ‭ ‬الشَّرَّ‭ ‬آخِرُهُ‭ ‬الخَرَابُ

وَحَصَّنَ‭ ‬شَعبَهِ‭ ‬مِن‭ ‬كُلِّ‭ ‬زَيفٍ

فَأُغلِقَ‭ ‬ضِدَ‭ ‬كَيدِ‭ ‬المَكرِ‭ ‬بَابُ

أبا‭ ‬سَلمَانَ‭ ‬يا‭ ‬مَلِكًا‭ ‬عَظِيمًا

غَفَرتَ‭ ‬لِمن‭ ‬أساؤُوا‭ ‬حِينَ‭ ‬تَابُوا

وَكُنتَ‭ ‬لَهم‭ ‬أبًا‭ ‬مَهما‭ ‬تَمادَوا

وَما‭ ‬قَد‭ ‬نَالهُم‭ ‬مِنكُم‭ ‬عَذَابُ

فِقَولُكَ‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬سلمانَ‭ ‬صِدقٌ

وَفِعلُكَ‭ ‬أنتَ‭ ‬يا‭ ‬حَمَدٌ‭ ‬صَوابُ

وَشَعبُكَ‭ ‬أخلَصُوا‭ ‬لَكَ‭ ‬في‭ ‬النَّوَايا

وَإن‭ ‬نَادَيتَهم‭ ‬يَومًا‭ ‬أجابُوا

سَلَكتَ‭ ‬بِهِم‭ ‬دُرُوبَ‭ ‬الخَيرِ‭ ‬دَومًا

وَأمرُكَ‭ ‬عِندَهم‭ ‬أَبَدًا‭ ‬مُجَابُ

ونَحنُ‭ ‬مَتَى‭ ‬تَقُومُ‭ ‬لَكُم‭ ‬جُنُودٌ

وَفِي‭ ‬نَحرِ‭ ‬المُسِيءِ‭ ‬لَكُم‭ ‬حِرَابُ

نَصُدُّ‭ ‬المُعتَدْينَ‭ ‬بِكُلِّ‭ ‬حَزمٍ

كَما‭ ‬يَهوِي‭ ‬على‭ ‬الصَيدِ‭ ‬العِقَابُ

أبا‭ ‬سَلمانَ‭ ‬لا‭ ‬تَوجَلْ‭ ‬فَإنَّا

شِدَادٌ‭ ‬لَيسَ‭ ‬تُعجِزُنا‭ ‬الصِّعابُ

فَلا‭ ‬نَخشَى‭ ‬المَسيرَ‭ ‬بِأي‭ ‬أرضٍ

وَنُبحِرُ‭ ‬ليسَ‭ ‬يُرهِبُنا‭ ‬العُبابُ

وهَذا‭ ‬العِّزُّ‭ ‬مِنكُم‭ ‬قَد‭ ‬شَربنا

وَنَبقَى‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬وَسِعَ‭ ‬الرِّحَابُ

فَعِزُّكَ‭ ‬فَخرُنا‭ ‬والفخرُ‭ ‬بَيتٌ

يُشَدُّ‭ ‬إليهِ‭ ‬يا‭ ‬حَمَدُ‭ ‬الرِّكَابُ

فَأنت‭ ‬لَنا‭ ‬أبا‭ ‬سلمانَ‭ ‬بَيتٌ

وَلَيسَ‭ ‬لَنا‭ ‬عَنِ‭ ‬البَيتِ‭ ‬اغتِرَابُ

لَقد‭ ‬طاب‭ ‬الهَواءُ‭ ‬بِبَيتِ‭ ‬عِزٍّ

كَما‭ ‬طَابَ‭ ‬الطَّعامُ‭ ‬مَعَ‭ ‬الشَّرَابُ

فَطِبْ‭ ‬نَفسًا‭ ‬وَنَمْ‭ ‬دَومًا‭ ‬قَرِيرًا

لَكَ‭ ‬العُقبَى‭ ‬منَ‭ ‬اللهِ‭ ‬الثَّوَابُ

 

د‭. ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬منصور‭ ‬آل‭ ‬رضي