إلغاء أصفار العملة... مخرج اقتصادي أم تعميق للجراح؟

| دبي - مباشر

تلجأ‭ ‬الدول‭ ‬عادةً‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬“إلغاء‭ ‬أصفار‭ ‬من‭ ‬العملة”‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬مأزق‭ ‬ما،‭ ‬وكانت‭ ‬إيران‭ ‬هي‭ ‬المثال‭ ‬الأحدث‭ ‬الذي‭ ‬يعتزم‭ ‬تنفيذ‭ ‬خطوة‭ ‬كهذه،‭ ‬لتنضم‭ ‬بذلك‭ ‬إلى‭ ‬آخرين‭ ‬مثل‭ ‬فنزويلا‭ ‬وتركيا‭ ‬والأرجنتين‭ ‬والبرازيل‭. ‬والـ‭ ‬redenomination‭ ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬تعني‭ ‬استبدال‭ ‬العملة‭ ‬القديمة‭ ‬بأخرى‭ ‬جديدة‭ ‬قيمتها‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬السابقة‭ ‬بمقدار‭ ‬عدد‭ ‬الأصفار‭ ‬المخفضة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬عند‭ ‬إلغاء‭ ‬6‭ ‬أصفار‭ ‬من‭ ‬عملة‭ ‬ما،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬مليون‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬القديمة‭ ‬ستتحول‭ ‬إلى‭ ‬فئة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬الجديدة‭ ‬بحسب‭ ‬التعديل‭.‬

ما‭ ‬هدف‭ ‬الحكومات‭ ‬من‭ ‬حذف‭ ‬الأصفار؟

هناك‭ ‬خمسة‭ ‬دوافع‭ ‬أساسية،‭ ‬وهي‭: ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الائتمان‭ ‬الدولي،‭ ‬واستعادة‭ ‬الثقة،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬العملات،‭ ‬وتقليل‭ ‬الضغوط‭ ‬التضخمية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬منع‭ ‬عملية‭ ‬استبدال‭ ‬العملة‭ ‬بعملات‭ ‬أجنبية‭.‬

وهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬قد‭ ‬تنجح‭ ‬فقط‭ ‬مع‭ ‬استقرار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الكلي‭ ‬واتخاذ‭ ‬معدل‭ ‬التضخم‭ ‬اتجاها‭ ‬هابطا‭ ‬إضافة‭ ‬لاستقرار‭ ‬سعر‭ ‬صرف‭ ‬العملة‭ ‬مع‭ ‬توقف‭ ‬الحكومة‭ ‬عن‭ ‬النفقات‭ ‬المفرطة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الثقة‭ ‬القوية‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬الحكومة‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬تكتفي‭ ‬بهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصحوبة‭ ‬بإصلاحات‭ ‬اقتصادية‭ ‬شاملة،‭ ‬فلن‭ ‬تكون‭ ‬سياسة‭ ‬إزالة‭ ‬الأصفار‭ ‬غير‭ ‬فعالة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬ستكون‭ ‬خطوة‭ ‬فاشلة‭ ‬قريبا‭.‬

تاريخ‭ ‬إزالة‭ ‬الأصفار؟

توجد‭ ‬70‭ ‬حالة‭ ‬حذف‭ ‬أصفار‭ ‬من‭ ‬العملات‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1960‭.‬

وتخلصت‭ ‬19‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الأصفار‭ ‬في‭ ‬عملاتها‭ ‬المحلية‭ ‬مرة‭ ‬واحدة،‭ ‬فيما‭ ‬لجأت‭ ‬10‭ ‬دول‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬مرتين‭.‬

وشهدت‭ ‬الأرجنتين‭ ‬إزالة‭ ‬الأصفار‭ ‬4‭ ‬مرات،‭ ‬بينما‭ ‬عمدت‭ ‬يوغوسلافيا‭ ‬السابقة‭ (‬صربيا‭) ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحذف‭ ‬5‭ ‬مرات،‭ ‬وتخلصت‭ ‬كذلك‭ ‬البرازيل‭ ‬من‭ ‬أصفارها‭ ‬6‭ ‬مرات‭.‬

وقررت‭ ‬بوليفيا‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الأصفار‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬كلاً‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وروسيا‭ ‬وبولندا‭ ‬أقبلت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬3‭ ‬مرات،‭ ‬بينما‭ ‬نفذت‭ ‬تركيا‭ ‬وكوريا‭ ‬وغانا‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭.‬

ومن‭ ‬أبرز‭ ‬تلك‭ ‬الحالات‭ ‬كانت‭ ‬البرازيل‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬تسارع‭ ‬التضخم‭ ‬لمستوى‭ ‬2000‭ % ‬في‭ ‬العام‭ ‬1993‭.‬

ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬فإن‭ ‬البرازيل‭ ‬شهدت‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬صفرا‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬مرات‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬إعادة‭ ‬تسمية‭ ‬العملة‭ ‬8‭ ‬مرات‭.‬

وقامت‭ ‬ألمانيا‭ ‬بإزالة‭ ‬أصفار‭ ‬من‭ ‬عملتها‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭.‬

وخفضت‭ ‬هولندا‭ ‬4‭ ‬أصفار‭ ‬من‭ ‬عملتها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1960‭.‬

ماذا‭ ‬عن‭ ‬إيران؟

وفي‭ ‬ظل‭ ‬الضغوط‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬الدولة‭ ‬الغنية‭ ‬بالنفط‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بسبب‭ ‬دعمها‭ ‬للإرهاب،‭ ‬فإن‭ ‬إيران‭ ‬أعلنت‭ ‬اعتزامها‭ ‬إزالة‭ ‬4‭ ‬أصفار‭ ‬من‭ ‬قيمة‭  ‬“الريال”‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الجاري،‭ ‬لتكون‭ ‬الدولة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬التحرك‭.‬

وتراجعت‭ ‬قيمة‭ ‬العملة‭ ‬الإيرانية‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬32‭ ‬ألف‭ ‬ريال‭ ‬لكل‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2015‭ ‬عند‭ ‬توقيع‭ ‬الاتفاقية‭ ‬النووية‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬120‭ ‬ألف‭ ‬ريال‭ ‬لكل‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬وذلك‭ ‬داخل‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ (‬غير‭ ‬الرسمية‭).‬

وصادقت‭ ‬كذلك‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬اسم‭ ‬عملتها‭ ‬إلى‭ ‬“التومان”‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬1925‭.‬

ويرى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬اقتصاد‭ ‬إيران‭ ‬قد‭ ‬ينكمش‭ ‬بنسبة‭ ‬6‭ % ‬في‭ ‬العام‭ ‬الجاري‭ ‬بسبب‭ ‬العقوبات‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬المتزايد‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

وهذه‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تُقبل‭ ‬فيها‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬شهدت‭ ‬إزالة‭ ‬3‭ ‬ثم‭ ‬4‭ ‬أصفار‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬2007‭.‬

مزايا‭ ‬وعيوب‭ ‬إزالة‭ ‬الأصفار

يأتي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المزايا‭ ‬تقليل‭ ‬حجم‭ ‬العملات‭ ‬الورقية‭ ‬وتقليص‭ ‬تكاليف‭ ‬إصدار‭ ‬وإهلاك‭ ‬النقود‭.‬

وتبسيط‭ ‬المعاملات‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬الطوابير‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬المصارف،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬قيمة‭ ‬العملة‭ ‬المحلية‭ ‬مقارنة‭ ‬بالعملات‭ ‬الأخرى‭.‬

أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعيوب‭ ‬والمشاكل،‭ ‬فتتمثل‭ ‬في‭ ‬تكاليف‭ ‬إعادة‭ ‬إصدار‭ ‬العملات‭ ‬الورقية‭ ‬وسك‭ ‬العملات‭ ‬المعدنية‭ ‬الجديدة‭ ‬إضافة‭ ‬لخطر‭ ‬هروب‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬للخارج‭ ‬مع‭ ‬ترقب‭ ‬المستثمرين‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الارتباك‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬القصيرة‭ ‬التالية‭ ‬لهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬يعد‭ ‬مشكلة‭ ‬هامة‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الأثر‭ ‬النفسي‭ ‬جراء‭ ‬الهبوط‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬قيمة‭ ‬الراتب‭ ‬هذا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬خطر‭ ‬انخفاض‭ ‬الصادرات‭ ‬نتيجة‭ ‬زيادة‭ ‬قيمة‭ ‬العملة‭ ‬المحلية‭.‬