القلب الأخضر

لطالما‭ ‬بعث‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬الراحة‭ ‬والسعادة‭ ‬في‭ ‬نفسي،‭ ‬ومتى‭ ‬ما‭ ‬أحسست‭ ‬بضيق‭ ‬أو‭ ‬حزن‭ ‬هرعت‭ ‬إلى‭ ‬حديقتي‭ ‬الصغيرة؛‭ ‬لأعرض‭ ‬نفسي‭ ‬لأكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬الذي‭ ‬باتت‭ ‬رؤيته‭ ‬نادرة‭ ‬في‭ ‬شوارعنا‭.  ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أتساءل،‭ ‬هل‭ ‬رؤيتنا‭ ‬لهذا‭ ‬اللون‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬كافية؟‭ ‬هل‭ ‬نشعر‭ ‬به‭ ‬وبأهميته‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬بالقدر‭ ‬الكافي؟‭ ‬أم‭ ‬باتت‭ ‬ندرته‭ ‬حولنا‭ ‬سبب‭ ‬شذوذه‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬الألوان؟‭ ‬نعم،‭ ‬أصبح‭ ‬نادرا‭ ‬رؤيته‭ ‬حولنا‭ ‬بشكله‭ ‬الصحيح،‭ ‬شجرة‭ ‬غاف‭ ‬أو‭ ‬نيمة‭ ‬مشتد‭ ‬جذعها‭ ‬معمرة‭ ‬ومظللة‭ ‬آوية‭ ‬للطير‭ ‬وغير‭ ‬مُقلمة‭ ‬تعمل‭ ‬بمنظوم‭ ‬حيوي‭ ‬متكامل‭ ‬تلطف‭ ‬الجو‭ ‬وتسر‭ ‬الناظر‭ ‬خلافا‭ ‬للنخيل‭ ‬المبعثرة‭ ‬في‭ ‬شوارعنا‭ ‬التي‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬الميزانية‭ ‬الهائلة‭ ‬لتركيبها‭ ‬وصيانتها‭ ‬مازلت‭ ‬أراها‭ ‬كالعشبة‭ ‬الضارة‭! ‬

يؤسفني‭ ‬ويثير‭ ‬سخطي‭ ‬ما‭ ‬أراه‭ ‬يوميا‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬مكتملة‭ ‬وقيد‭ ‬الإنشاء‭ ‬بُنيت‭ ‬ونُفذت‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬هائلة‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬التشجير‭ ‬الصحيح‭ ‬والذي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يؤخذ‭ ‬بمحمل‭ ‬الجدية؛‭ ‬كونه‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬ترسيخ‭ ‬وزيادة‭ ‬ارتباط‭ ‬المواطن‭ ‬باللون‭ ‬الأخضر‭ ‬والطبيعة‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬مشاريع‭ ‬إسكانية‭ ‬ومدارس‭ ‬شُيدت‭ ‬بمساحات‭ ‬بستنة‭ ‬مصغرة‭ ‬وشبه‭ ‬معدومة،‭ ‬حدائق‭ ‬ومضامير‭ ‬مشي‭ ‬افتُتِحت‭ ‬بأشجار‭ ‬كونوكاربس‭ ‬مُقلمة‭ ‬غير‭ ‬مظللة‭ ‬وكم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬النخيل‭ ‬وأشجار‭ ‬الواشنتونيا‭. ‬فُصلنا‭ ‬عن‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬غصبا‭ ‬عنا‭ ‬وتصحرت‭ ‬المدن‭ ‬وقلوبنا‭ ‬معها‭.‬

وجهة‭ ‬نظري‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬اعتراضا‭ ‬على‭ ‬توجهات‭ ‬المعنيين‭ ‬بزراعة‭ ‬النخلة‭ ‬أو‭ ‬تهميشا‭ ‬لمكانتها‭ ‬وقدسيتها‭ ‬في‭ ‬قلوبنا،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬حملات‭ ‬إكثار‭ ‬النخيل‭ ‬في‭ ‬شوارعنا‭ ‬العامة‭ ‬وإكرامها‭ ‬بزراعتها‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬المناسب‭ ‬كباحة‭ ‬المنازل‭ ‬والمزارع‭ ‬للاستفادة‭ ‬والتمتع‭ ‬بثمرها‭ ‬وجمالها‭.‬

لم‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬توجيه‭ ‬ما‭ ‬يبذل‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬بائسة‭ ‬لاسترجاع‭ ‬لقب‭ ‬بلد‭ ‬المليون‭ ‬نخلة‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬الرصف‭ ‬الجائر‭ ‬للطرقات‭ ‬العامة‭ ‬وجوانبها،‭ ‬والبدء‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬مكثفة‭ ‬للتشجير‭ ‬الصحيح‭ ‬بزيادة‭ ‬الرقعة‭ ‬الخضراء‭ ‬والإكثار‭ ‬من‭ ‬زراعة‭ ‬الأشجار‭ ‬وغيرها‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬بيئتنا‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬العامة‭ ‬وضواحي‭ ‬المدن‭.‬

لست‭ ‬هنا‭ ‬لسرد‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬خلدي‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬وتصورات‭ ‬تجعلني‭ ‬أأسف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬آل‭ ‬إليه‭ ‬الحال‭ ‬إلا‭ ‬لثقتي‭ ‬وإدراكي‭ ‬بأن‭ ‬الموضوع‭ ‬يمس‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬حولي‭.‬

أوجه‭ ‬شكري‭ ‬وامتناني‭ ‬للبلديات‭ ‬وجهات‭ ‬الاختصاص‭ ‬على‭ ‬جهدهم‭ ‬وسعيهم‭ ‬المشكور‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تجميل‭ ‬شوارع‭ ‬مملكتنا‭ ‬العزيزة،‭ ‬لكن‭ ‬أما‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لها‭ ‬بأن‭ ‬تتبنى‭ ‬سياسات‭ ‬تطوير‭ ‬جديدة‭ ‬تدرك‭ ‬جدية‭ ‬أعراض‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬وتصحر‭ ‬مدننا؟‭ ‬وأن‭ ‬تسعى‭ ‬لترسيخ‭ ‬مفهوم‭ ‬القلب‭ ‬الأخضر‭ ‬في‭ ‬أجيال‭ ‬المستقبل؟‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬تبنينا‭ ‬جميعنا‭ ‬شعار‭ #‬قلب‭_‬العاصمة‭_‬أخضر‭ ‬أو‭ #‬لنجعلها‭_‬خضراء‭ ‬وعملنا‭ ‬عليه؟‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬استبدال‭ ‬تجميل‭ ‬وتنسيق‭ ‬الشوارع‭ ‬بالنخيل‭ ‬والزهور‭ ‬الموسمية‭ ‬المُكلفة‭ ‬بالتشجير‭ ‬المستدام‭ ‬والصحيح؟‭ ‬متأكد‭ ‬حينها‭ ‬أن‭ ‬قلب‭ ‬البحرين‭ ‬وقلوب‭ ‬مواطنيها‭ ‬ستكون‭ ‬بالتأكيد‭ ‬خضراء‭! ‬

يوسف‭ ‬الصيرفي