بين المصطلحين.. معرفتك حقك

معرفتك‭ ‬حقك‭! ‬أعمل‭ ‬كطبيبة‭ ‬مقيمة،‭ ‬وقد‭ ‬استدعاني‭ ‬طبيب‭ ‬الطوارئ‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المناوبات‭ ‬لتقييم‭ ‬حالة‭ ‬مريض،‭ ‬فبدأت‭ ‬أدوّن‭ ‬تاريخه‭ ‬المرضي‭ ‬وأمطرته‭ ‬باستفساراتي‭ ‬لأهميتها‭ ‬في‭ ‬خطة‭ ‬تشخيصه‭ ‬وعلاجه‭. ‬سألته‭ ‬عن‭ ‬الأمراض‭ ‬المزمنة‭ ‬التي‭ ‬يشتكي‭ ‬منها‭ ‬ويتلقى‭ ‬لها‭ ‬علاجا،‭ ‬فكانت‭ ‬مشكلةً‭ ‬في‭ ‬القلب،‭ ‬استفسرت‭ ‬عن‭ ‬التشخيص‭ ‬أكثر‭ ‬وعن‭ ‬نوع‭ ‬المرض؛‭ ‬كون‭ ‬الكتب‭ ‬الطبية‭ ‬تزخر‭ ‬بالمشكلات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تلم‭ ‬بهذا‭ ‬العضو‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬أجسادنا،‭ ‬ولكل‭ ‬منها‭ ‬تأثيره‭ ‬الخاص،‭ ‬فكان‭ ‬الجواب‭ ‬سطحيا‭. ‬استفسرت‭ ‬عن‭ ‬العلاج،‭ ‬فكان‭ ‬الجواب‭ ‬غير‭ ‬مرضٍ‭ ‬أيضا،‭ ‬اكتفى‭ ‬بقوله‭ ‬دواء‭ ‬للقلب‭. ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ومع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المرضى‭. ‬

يهولني‭ ‬ما‭ ‬أسمعه‭ ‬وما‭ ‬أقرأه‭ ‬مما‭ ‬يتداوله‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المجالس‭ ‬والصحف‭ ‬وعلى‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬حين‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬ضررٍ‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬المستشفيات‭. ‬فيتوجهون‭ ‬بإلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭. ‬ويحدث‭ ‬أن‭ ‬يخلط‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬بين‭ ‬مصطلحي‭ ‬الخطأ‭ ‬الطبي‭ ‬والمضاعفات،‭ ‬فيُتهم‭ ‬الطبيب‭ ‬حينها‭ ‬بالجهل‭ ‬والإهمال‭. ‬فالخطأ‭ ‬الطبي‭ ‬هو‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬بالإمكان‭ ‬تجنبه،‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬الإهمال‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭. ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬أو‭ ‬المستشفى‭ ‬قد‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬نسب‭ ‬هذه‭ ‬الأخطاء،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يتحمل‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭. ‬‭ ‬أما‭ ‬المضاعفات‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬العلاجات‭ ‬والإجراءات‭ ‬الطبية،‭ ‬فلها‭ ‬نسب‭ ‬محددة‭ ‬ومعروفة‭ ‬عالميا،‭ ‬ويتم‭ ‬تبيانها‭ ‬للمرضى‭ ‬قبل‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬صرف‭ ‬دواء،‭ ‬وقد‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬أمهر‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬مستشفيات‭ ‬العالم،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬سارت‭ ‬العملية‭ ‬بالشكل‭ ‬المطلوب‭ ‬وفق‭ ‬المعايير‭ ‬المتبعة‭. ‬

قد‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬أن‭ ‬نموذج‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬الإجراءات‭ ‬الطبية‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬مسمى‭ ‬نموذج‭ ‬الموافقة‭ ‬المستنيرة‭ ‬أو‭ ‬الموافقة‭ ‬بعد‭ ‬التبصير‭. ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬المصطلح‭ ‬غير‭ ‬دارج‭ ‬بالنسبة‭ ‬لغير‭ ‬ممارسي‭ ‬الطب،‭ ‬ولكنه‭ ‬يجسد‭ ‬مفهوما‭ ‬عميقا؛‭ ‬كون‭ ‬المريض‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬بالتوقيع‭ ‬على‭ ‬النموذج‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬شرح‭ ‬طبيعة‭ ‬الإجراء‭ ‬ومنافعه‭ ‬والمضاعفات‭ ‬الناجمة‭ ‬عنه‭ ‬ووسائل‭ ‬العلاج‭ ‬البديلة‭ ‬إن‭ ‬وجدت‭. ‬

نعم،‭ ‬أدرك‭ ‬تماما‭ ‬أن‭ ‬الطب‭ ‬ومصطلحاته‭ ‬قد‭ ‬تصعب‭ ‬على‭ ‬العوام‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬دارسيه،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بأخذ‭ ‬الدواء‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬معرفة‭ ‬سبب‭ ‬أخذه‭ ‬وآثاره‭ ‬الجانبية‭ ‬المحتملة،‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بتوقيع‭ ‬ورقة‭ ‬الموافقة‭ ‬لإجراء‭ ‬معين‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬كافة‭ ‬تبعاته‭ ‬والاستفسار‭ ‬عما‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬خاطرك‭ ‬من‭ ‬طبيبك‭ ‬المعالج‭. ‬لم‭ ‬أكتب‭ ‬كلماتي‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬نفسي‭ ‬وعن‭ ‬الأطباء،‭ ‬ولكن‭ ‬أختم‭ ‬بما‭ ‬بدأت‭ ‬به‭: ‬معرفتك‭ ‬حقك‭. ‬وأقول‭ ‬تذكرةً‭ ‬لنفسي‭ ‬ولزملائي‭ ‬الأطباء،‭ ‬اسبغوا‭ ‬على‭ ‬مرضاكم‭ ‬بالمعلومات‭ ‬الطبية،‭ ‬ولا‭ ‬تبخلوا‭ ‬في‭ ‬تبسيطها؛‭ ‬حتى‭ ‬تُعلم‭ ‬وتُفهم‭.‬

روان‭ ‬الهرمي