لفلسفة الوضعية ومقارنتها بأفكار بعض العلماء المسلمين

طاعة السلطة وأساليب الاعتراض في الفكر الاجتماعي

لابد‭ ‬للبدء‭ ‬في‭ ‬بحث‭ ‬المصطلحات‭ ‬التي‭ ‬سلف‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬مفهوم‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬العدل‭ ‬والظلم‭ ‬والاستبداد‭ ‬والمعارضة‭ ‬ترتبط‭ ‬ارتباطا‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬التجزئة‭ ‬بالسلطة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة،‭ ‬وقد‭ ‬بدأنا‭ ‬بدارسة‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬ومقارنتها‭ ‬بالمدارس‭ ‬الإسلامية‭ ‬لكونها‭ ‬بحثت‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتعرض‭ ‬لمفاهيم‭ ‬أخرى‭ ‬كالعدل‭ ‬والظلم‭ ‬وغيره،‭ ‬وهذه‭ ‬المصطلحات‭ ‬سنقوم‭ ‬ببحثها‭ ‬لاحقا‭ ‬وذلك‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬نتوصل‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭.‬

يرى‭ ‬أصحاب‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬أن‭ ‬القوي‭ ‬على‭ ‬حق،‭ ‬فلا‭ ‬تعترف‭ ‬بشيء‭ ‬اسمه‭ ‬العدل‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬العدل،‭ ‬بل‭ ‬تؤمن‭ ‬بأن‭ ‬القانون‭ ‬الوضعي‭ ‬هو‭ ‬قانون‭ ‬عادل‭ ‬طالما‭ ‬أقرته‭ ‬الدولة،‭ ‬ويصبح‭ ‬غير‭ ‬عادل‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬أراء‭ ‬الدولة‭ ‬وأهدافها‭.‬

فيرى‭ ‬هوبز‭ ‬أن‭ ‬الظلم‭ ‬هو‭ ‬خرق‭ ‬القواعد‭ ‬العامة‭. ‬فالعدالة‭ ‬هي‭ ‬الطاعة‭ ‬للقوي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬نفسه‭ ‬مطاعا‭.‬

ف‭ (‬هوبز‭) ‬باعتباره‭ ‬من‭ ‬منظري‭ ‬فكرة‭ ‬العقد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬تكون‭ ‬الدولة‭ (‬يتخيل‭ ‬هوبز‭ ‬حالة‭ ‬البشر‭ ‬قبل‭ ‬نشوء‭ ‬الدولة‭)‬،‭ ‬ووفقا‭ ‬لتخيله‭ ‬فإن‭ ‬البشر‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬البقاء‭ ‬وإشباع‭ ‬الرغبات‭ ‬الخاصة‭ ‬بلذات‭ ‬أنانية،‭ ‬مثل‭ (‬المغنم‭ ‬والمجد‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬عنده‭ ‬للأخلاق‭ ‬كما‭ ‬نعرفها‭ ‬اليوم،‭ ‬ولكل‭ ‬واحد‭ ‬الحق‭ ‬الكامل‭ ‬فيما‭ ‬يستطيع‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬والمحافظة‭ ‬عليه،‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لشيء‭ ‬مثل‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬الظلم،‭ ‬والنتيجة‭ ‬الحتمية‭ ‬لذلك‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬فعلية‭ ‬مستمرة،‭ ‬أو‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬خوف‭ ‬دائم‭ ‬من‭ ‬يهاجم‭ ‬“‭ ‬الكل‭ ‬ضد‭ ‬الكل”‭.‬

لأن‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬القتال،‭ ‬بل‭ ‬تكمن‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬الخوف‭ ‬الدائم‭ ‬والاستعداد‭ ‬للصراع‭ ‬فالحرب‭ ‬لا‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬الفعلي‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الميل‭ ‬للقتال‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأوقات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬العكس‭ ‬فيها‭ ‬مضمونا‭.‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬معنى‭ ‬للأمان،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬حافز‭ ‬على‭ ‬الصناعة‭. ‬الكل‭ ‬في‭ ‬خوف‭ ‬وفقر‭ ‬دائمين‭. ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الحياة‭ ‬البشرية‭ ‬“منعزلة،‭ ‬فقيرة،‭ ‬بدائية،‭ ‬وحشية،‭ ‬وقصيرة‭ ‬الأمد”‭.‬

عليه‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬تجعل‭ ‬الناس‭ ‬يرغبون‭ ‬بصورة‭ ‬طبيعية‭ ‬في‭ ‬السلام‭ ‬والأمن،‭ ‬والهروب‭ ‬من‭ ‬البؤس‭ ‬والفزع‭ ‬من‭ ‬حالتهم‭ ‬الطبيعية‭.‬

وذلك‭ ‬يدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬دولة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬رضى‭ ‬متبادل،‭ ‬يوافق‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬على‭ ‬طاعة‭ ‬أوامر‭ ‬صاحب‭ ‬السيادة،‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬رجلا‭ ‬واحدا‭ ‬وخلفاؤه‭ (‬النظام‭ ‬الملكي‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ((‬الارستقراطية‭ ‬أو‭ ‬الديموقراطية،‭ ‬وفقًا‭ ‬لحجم‭ ‬المجموعة‭).‬

وكان‭ ‬صاحب‭ ‬السيادة‭ ‬في‭ ‬إنجلترا‭ ‬شخصًا‭ ‬واحدًا‭. ‬وسلطة‭ ‬صاحب‭ ‬السيادة‭ ‬مطلقة،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يرتكب‭ ‬خطأ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخضع‭ ‬بسببه‭ ‬للمساءلة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬القانونية،‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬مسؤولًا‭ ‬إلا‭ ‬أمام‭ ‬الله‭ ‬وضميره‭.‬

ويتعهد‭ ‬الآخرون‭ ‬بطاعته،‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يتعهد‭ ‬لهم‭ ‬بشيء‭. ‬بل‭ ‬له‭ ‬سلطة‭ ‬سن‭ ‬القوانين،‭ ‬وتعيين‭ ‬القضاة،‭ ‬وإعلان‭ ‬الحرب‭ ‬والسلم،‭ ‬وتوقيع‭ ‬العقوبات،‭ ‬وتحديد‭ ‬دين‭ ‬الدولة‭.‬

وجميع‭ ‬رعاياه‭ ‬تطيعه،‭ ‬وإلا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬صراع،‭ ‬وحرب،‭ ‬وعودة‭ ‬إلى‭ ‬بؤس‭ ‬الحالة‭ ‬الطبيعية‭. ‬ولما‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬قد‭ ‬تكونت‭ ‬بوصفها‭ ‬مصلحة‭ ‬أنانية‭ ‬فردية،‭ ‬فإن‭ ‬“خضوع‭ ‬الرعايا‭ ‬لصاحب‭ ‬السيادة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يدوم‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬يملك‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬المستمرة‭ ‬ما‭ ‬يمكنه‭ ‬من‭ ‬حمايتهم‭ ‬وليس‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬ذلك”،‭ ‬فإذا‭ ‬فقد‭ ‬قوته‭ ‬وهزمه‭ ‬صاحب‭ ‬سيادة‭ ‬آخر،‭ ‬وخضع‭ ‬له،‭ ‬فإن‭ ‬خضوع‭ ‬رعاياه‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬المنتصر‭.‬

والتوصيف‭ ‬النظري‭ ‬لما‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬هو‭ ‬القانون‭. ‬وهو‭ ‬يوجد‭ ‬كي‭ ‬يطاع،‭ ‬والتوصيف‭ ‬النظري‭ ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الالتزام‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬فكرة‭ ‬شرعية‭ ‬السلطة‭. ‬فالقول‭ ‬أن‭ ‬س‭ ‬هو‭ ‬القانون‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬س‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يطاع‭. ‬وأن‭ ‬عدم‭ ‬طاعة‭ ‬القانون‭ ‬هو‭ ‬خطأ‭ ‬وان‭ ‬العقوبة‭ ‬التي‭ ‬يفرضها‭ ‬القانون‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تبرير‭. ‬ويجب‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الالتزام‭ ‬يستمد‭ ‬من‭ ‬الشرعية‭ ‬القانونية‭ ‬فقط‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬مضمون‭ ‬القانون‭ ‬وللموضوع‭ ‬تتمة‭.‬

بحثنا‭ ‬سابقا‭ ‬ما‭ ‬فكرة‭ ‬العقد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لدى‭ ‬الفيلسوف‭ ‬هوبز،‭ ‬والناظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬فيها،‭ ‬نجدها‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬أتت‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬المدارس‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فنكاد‭ ‬نجد‭ ‬نفس‭ ‬الموقف‭ ‬لدى‭ ‬إمام‭ ‬الحرمين‭ ‬عبدالملك‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ ‬الجويني‭ (‬478-417‭) ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أن‭ ‬الإمام‭ ‬نائب‭ ‬عن‭ ‬المسلمين‭ ‬أجمعين‭.‬

أو‭ ‬انه‭ ‬نائب‭ ‬عن‭ ‬كافة‭ ‬أهل‭ ‬الإسلام،‭ ‬ويقول‭ ‬ان‭ ‬الاختيار‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الحل‭ ‬والعقد،‭ ‬هو‭ ‬المستند‭ ‬المعتقد،‭ ‬والمعمول‭ ‬المعتضد،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يشترط‭ ‬رضاهم‭ ‬في‭ ‬انتخاب‭ ‬الإمام‭.‬

وقال‭: ‬“‭ ‬إن‭ ‬بايع‭ ‬رجل‭ ‬واحد‭ ‬مرموق‭ ‬كثير‭ ‬الأتباع‭ ‬والأشياع‭ ‬مطاع‭ ‬في‭ ‬قوم،‭ ‬وكانت‭ ‬بيعته‭ ‬تفيد‭ ‬ما‭ ‬أشرنا‭ ‬إليه‭ ((‬من‭ ‬الشوكة‭)) ‬انعقدت‭ ‬الإمامة‭ ‬وصحت‭ ‬إمامة‭ ‬من‭ ‬يستولي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بشوكته‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬منتخبا‭ ‬من‭ ‬أحد،‭ ‬فقال‭: ‬“‭ ‬من‭ ‬يستبد‭ ‬بالاستيلاء‭ ‬والاستعلاء‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬نصب‭ ‬ممن‭ ‬يصح‭ ‬نصبه،‭ ‬فإذا‭ ‬استظهر‭ ‬المرء‭ ‬بالعدد‭ ‬والعدد،‭ ‬ودعا‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬الطاعة‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬من‭ ‬يستجمع‭ ‬صفات‭ ‬أهل‭ ‬الاختيار‭ ‬وكان‭ ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬إتباعه‭ ‬على‭ ‬الكمال‭ ‬المرعي،‭ ‬فإذا‭ ‬استظهر‭ ‬بالقوة‭ ‬وتصدى‭ ‬للإمامة،‭ ‬كان‭ ‬إمام‭ ‬حقا،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬العاقد‭ ‬والمعقود‭ ‬له‭.‬

وقام‭ ‬الجويني‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بحكومة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬فقال‭: ‬“‭ ‬إذا‭ ‬استقل‭ ‬فرد‭ ‬الزمان‭ ‬بعدة‭ ‬لا‭ ‬تصادم،‭ ‬واستطالت‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬الممالك‭ ‬عرضا‭ ‬وطولا،‭ ‬واستتبت‭ ‬الطاعة،‭ ‬وأمكنت‭ ‬الاستطاعة،‭ ‬فقيامه‭ ‬بمصالح‭ ‬أهل‭ ‬الإيمان‭ ‬بالسيف‭ ‬واللسان،‭ ‬كقيام‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الزمان‭ ‬بالموعظة‭ ‬الحسنة‭ ‬باللسان‭.‬

وهذا‭ ‬ذات‭ ‬موقف‭ ‬أبي‭ ‬حامد‭ ‬الغزالي‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نظرية‭ (‬الاختيار‭) ‬ولكنه‭ ‬يعود‭ ‬ليفسرها‭ ‬ويقول‭ ‬بأن‭ ‬المقصود‭ ‬ب‭: (‬الاختيار‭) ‬ليس‭ ‬“‭ ‬اعتبار‭ ‬كافة‭ ‬الخلق”‭ ‬إنما‭ ‬الغرض‭ ‬قيام‭ ‬شوكة‭ ‬الإمام‭ ‬بالأتباع‭ ‬والأشياع”‭. ‬ويبرر‭ ‬ذلك‭ ‬بمراعاة‭ ‬الصفات‭ ‬والشروط‭ ‬في‭ ‬السلاطين‭ ‬تسوفا‭ ‬إلى‭ ‬مزايا‭ ‬المصالح،‭ ‬وتجنب‭ ‬القطع‭ ‬ببطلان‭ ‬الولايات‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬بطلان‭ ‬المصالح‭ ‬رأسا،‭ ‬والنظر‭ ‬إلى‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭:‬”‭ ‬بأن‭ ‬الولاية‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬تتبع‭ ‬إلا‭ ‬الشوكة،‭ ‬فمن‭ ‬بايعه‭ ‬صاحب‭ ‬الشوكة‭ ‬فهو‭ ‬الإمام‭.‬”

واكتفى‭ ‬الغزالي‭ ‬بتعيين‭ ‬الإمام‭ ‬بواسطة‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬إذا‭ ‬حصلت‭ ‬له‭ ‬الشوكة،‭ ‬واعتبر‭ ‬نجاحه‭ ‬نصبا‭ ‬غيبيا‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ورزقا‭ ‬إلهيا‭ ‬يؤتيه‭ ‬من‭ ‬يشاء‭. ‬وقال‭ ‬“‭ ‬إن‭ ‬الإمامة‭ ‬عندنا‭ ‬تنعقد‭ ‬بالشوكة،‭ ‬والشوكة‭ ‬تقوم‭ ‬بالمبايعة،‭ ‬والمبايعة‭ ‬لا‭ ‬تحصل‭ ‬إلا‭ ‬بصرف‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬القلوب‭ ‬قهرا‭ ‬إلى‭ ‬الطاعة‭ ‬والموالاة‭.‬‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬عليه‭ ‬البشر‭.‬”

واعتبر‭ ‬الغزالي‭ ‬السلطة‭ ‬القهرية،‭ ‬إحدى‭ ‬طرق‭ ‬الحكم‭ ‬الثلاثة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬والتفويض‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬ذي‭ ‬شوكة‭. ‬وقال‭: ‬“‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬الإمام‭ ‬إلا‭ ‬قرشي‭ ‬واحد‭ ‬مطاع‭ ‬متبع‭ ‬فنهض‭ ‬بالإمامة‭ ‬وتولاها‭ ‬بنفسه‭ ‬ونشأ‭ ‬بشوكته‭ ‬وتشاغل‭ ‬بها‭ ‬واستتبع‭ ‬كافة‭ ‬الخلق‭ ‬لشوكته‭ ‬وكفايته‭ ‬وكان‭ ‬موصوفا‭ ‬بصفات،‭ ‬قد‭ ‬انعقدت‭ ‬إمامته‭ ‬ووجبت‭ ‬طاعته‭ ‬فإنه‭ ‬تعين‭ ‬بحكم‭ ‬شوكته‭ ‬وكفايته‭ ‬وفي‭ ‬منازعته‭ ‬إثارة‭ ‬الفتن‭.‬

وأضاف‭:‬”‭ ‬إن‭ ‬السلطان‭ ‬الظالم‭ ‬الجاهل‭ ‬مهما‭ ‬ساعدته‭ ‬شوكته‭ ‬وعسر‭ ‬خلعه‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬الاستبدال‭ ‬به‭ ‬فتنة‭ ‬ثائرة‭ ‬لا‭ ‬تطاق‭ ‬وجب‭ ‬تركه‭ ‬ووجبت‭ ‬الطاعة‭ ‬له‭.‬

وهكذا‭ ‬قسم‭ ‬إبن‭ ‬جماعة‭ ‬طرق‭ ‬الإمامة‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬طرق‭ ‬إثنين‭ ‬منها‭ ‬اختياريان‭ ‬وهما‭ ‬بيعة‭ ‬أهل‭ ‬الحل‭ ‬والعقد‭ ‬واستخلاف‭ ‬الامام‭ ‬السابق‭ ‬للاحق،‭ ‬وأضاف‭:‬‭ ‬“‭ ‬وأما‭ ‬الطريق‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬تنعقد‭ ‬به‭ ‬البيعة‭ ‬القهرية‭ ‬فهو‭ ‬قهر‭ ‬صاحب‭ ‬الشوكة،‭ ‬فإن‭ ‬خلا‭ ‬الوقت‭ ‬عن‭ ‬إمام‭ ‬فتصدى‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬أهلها‭ ‬وقهر‭ ‬الناس‭ ‬بشوكته‭ ‬وجنوده‭ ‬بغير‭ ‬بيعة‭ ‬أو‭ ‬استخلاف‭ ‬انعقدت‭ ‬بيعته،‭ ‬ولزمت‭ ‬طاعته،‭ ‬لينظم‭ ‬شمل‭ ‬المسلمين‭ ‬ويجمع‭ ‬كلمتهم،‭ ‬ولا‭ ‬يقدح‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كونه‭ ‬جاهلا‭ ‬أو‭ ‬فاسقا‭ ‬في‭ ‬الاصح،‭ ‬وإذا‭ ‬انعقدت‭ ‬الإمامة‭ ‬بالشوكة‭ ‬والغلبة‭ ‬لواحد‭ ‬ثم‭ ‬قام‭ ‬أخر‭ ‬فقهر‭ ‬الأول‭ ‬بشوكته‭ ‬وجنوده‭ ‬انعزل‭ ‬الأول‭ ‬وصار‭ ‬الثاني‭ ‬إماما‭ ‬لما‭ ‬قدمناه‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬المسلمين‭ ‬وجمع‭ ‬كلمتهم،‭ ‬ولذلك‭ ‬قال‭ ‬ابن‭ ‬عمر‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الحرة‭: ‬نحن‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬غلب‭.‬”

ومن‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الآراء‭ ‬سواء‭ ‬فكرة‭ (‬هوبز‭) ‬وأصحاب‭ ‬مدرسة‭ ‬المنظور‭ ‬الوضعي،‭ ‬وأفكار‭ ‬علماء‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬سلف‭ ‬وأشرنا‭ ‬إليهم‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬معينة‭ ‬وهي‭ ‬أنها‭ ‬كلها‭ ‬أجمعت‭ ‬في‭ ‬أهمية‭ ‬القوة‭ (‬قوة‭ ‬الحاكم‭) - (‬قوة‭ ‬السلطة‭))‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬القهر‭) ‬وفي‭ ‬إهمالها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬للجوانب‭ ‬الأخرى‭ ‬فالعدالة‭ ‬عندها‭ ‬هي‭ ‬الطاعة‭ ‬للقوي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬نفسه‭ ‬مطاعا‭ ‬هذا‭ ‬بتعبير‭ ‬هوبز،‭ ‬وهي‭ ‬تعتبر‭ ‬علماء‭ ‬المسلمين‭ ‬اللذين‭ ‬سلف‭ ‬الإشارة‭ ‬إليهم‭ ‬الطاعة‭ ‬لصاحب‭ ‬الشوكة‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬قهر‭ ‬الناس‭ ‬بشوكته‭ ‬وجنوده‭.‬

ونحن‭ ‬إذ‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬هذه‭ ‬الآراء،‭ ‬وهل‭ ‬كانت‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬نفاقا‭ ‬لحاكم‭ ‬أو‭ ‬سلطان‭ ‬معين،‭ ‬أو‭ ‬تبريرا‭ ‬لسلطة‭ ‬جائرة،‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬مخالفة‭ ‬جدا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬الموضوعية‭ ‬لهذه‭ ‬الأفكار‭.‬

فالأفكار‭ ‬لا‭ ‬تنتج‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬مجرد،‭ ‬فهي‭ ‬نتاج‭ ‬واقع‭ ‬موضوعي‭ ‬ومادي‭ ‬للمجتمع‭ ‬لذلك‭ ‬قد‭ ‬نجد‭ ‬فكرة‭ ‬معينة‭ ‬موجودة‭ ‬حاليا‭ ‬ولم‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق،‭ ‬أو‭ ‬نجدها‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬وتلاشت‭ ‬أو‭ ‬انتهت‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الماثل،‭ ‬فالظروف‭ ‬الموضوعية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬المفكر‭ ‬أو‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬معين‭ ‬وفي‭ ‬بيئة‭ ‬معينة‭ ‬تنعكس‭ ‬لابد‭ ‬على‭ ‬تفكيره‭ ‬فتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة،‭ ‬فالواقع‭ ‬الموضوعي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬جراء‭ ‬تراكمات‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬لذلك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬بهؤلاء‭ ‬العلماء‭ ‬والمفكرين‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬الحاد‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سنبحثه‭ ‬في‭ ‬الحلقة‭ ‬القادمة‭ ‬وللموضوع‭ ‬تتمة‭.‬

بيَّنا‭ ‬سابقا‭ ‬اتجاه‭ ‬الفلسفة‭ ‬الوضعية‭ (‬هوبز‭) ‬وآراء‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬المسلمين‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬للواضع‭ ‬الموضوعي‭ ‬الذي‭ ‬عاشه‭ ‬هؤلاء‭ ‬العلماء‭ ‬ذلك‭ ‬أننا‭ ‬إذ‭ ‬نبحث‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬سلف‭ ‬وأشرنا‭ ‬لها،‭ ‬نجد‭ ‬أنها‭ ‬نتاج‭ ‬واقع‭ ‬موضوعي‭ ‬عاش‭ ‬فيه‭ ‬المفكرون‭ ‬والعلماء،‭ ‬فانعكس‭ ‬على‭ ‬تفكيرهم‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬أنتجه‭ ‬من‭ ‬آراء،‭ ‬لذا‭ ‬لابد‭ ‬وقبل‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬فكرة‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬كيل‭ ‬الاتهامات‭ ‬إليها‭ ‬وإلى‭ ‬من‭ ‬نادى‭ ‬بها‭ ‬ان‭ ‬نبحث‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬الموضوعية‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬المفكر‭ ‬أو‭ ‬العالم،‭ ‬لنرى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هنالك‭ ‬مبررات‭ ‬فكرية‭ (‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬موافقتنا‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬القول‭ ‬بصحتها‭) ‬وواقعية‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أنتجه‭ ‬هذا‭ ‬المفكر‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬نادى‭ ‬بها‭ ‬هوبز‭ ‬أو‭ ‬العلماء‭ ‬اللذين‭ ‬عرضنا‭ ‬أفكارهم‭ (‬كأبي‭ ‬حامد‭ ‬الغزالي‭ - ‬عبدالملك‭ ‬الجويني‭ - ‬إبن‭ ‬جماعة‭) ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬الموضوعية‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬مفكر‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬المفكرين‭ ‬كانت‭ ‬متقاربة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭.‬

فمثلا‭ ‬هوبز،‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬إنجلترا‭ ‬عام‭ ‬1588‭ ‬وتوفي‭ ‬عام‭ ‬1679،‭ ‬وكان‭ ‬يقول‭ ‬دائما‭ (‬أنا‭ ‬والخوف‭ ‬توأمان‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬الخوف‭ ‬الدائم‭ ‬يسيطر‭ ‬عليه‭ ‬أنه‭ ‬عاش‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬عانت‭ ‬فيها‭ ‬إنجلترا‭ ‬من‭ ‬صراعات‭ ‬هائلة‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ديني‭ (‬يتصل‭ ‬بالدين‭ ‬والكنيسة‭) ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سياسي‭ ‬بين‭ ‬البرلمان‭ ‬والملك،‭ ‬وعلى‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬غاية‭ ‬فكره‭ ‬هي‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭.‬

وبالبحث‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإمام‭ ‬الغزالي‭ ‬وموقفه‭ ‬اتجاه‭ ‬السلطة‭ ‬فإن‭ ‬خير‭ ‬كتاب‭ ‬يعطينا‭ ‬صورة‭ ‬لموقف‭ ‬الإمام‭ ‬الغزالي‭ ‬من‭ ‬عصره‭ ‬ومن‭ ‬الحاكم‭ (‬السلطة‭) ‬الذي‭ ‬عاصره‭ ‬وهو‭ ‬الخليفة‭ ‬المستظهر‭ ‬بالله‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬“فضائح‭ ‬الباطنية‭ ‬وفضائل‭ ‬المستظهرية”،‭ ‬والباب‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬خصصه‭ ‬الغزالي‭ ‬بأكمله‭ ‬لإقامة‭ ‬البراهين‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الإمام‭ ‬الحق‭ ‬القائم‭ ‬بالحق‭ ‬الواجب‭ ‬على‭ ‬الخلق‭ ‬طاعته‭ ‬هو‭ ‬الإمام‭ ‬المستظهر،‭ ‬كما‭ ‬بيَّن‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬علماء‭ ‬الدهر‭ ‬الفتوى‭ ‬على‭ ‬البت‭ ‬والقطع‭ ‬بوجوب‭ ‬طاعته‭ ‬على‭ ‬الخلق‭ ‬ونفوذ‭ ‬أقضيته‭ ‬بمنهج‭ ‬الحق‭ ‬وصحة‭ ‬توليته‭ ‬للولاة‭ ‬وتقليده‭ ‬للقضاة‭ ‬وأنه‭ ‬خليفة‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الخلق‭ ‬وأن‭ ‬طاعته‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الخلق‭ ‬فرض،‭ ‬وهذا‭ ‬الباب‭ ‬يمتد‭ ‬من‭ ‬الصفحة‭ ‬169‭ ‬إلى‭ ‬الصفحة‭ ‬225،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أوله‭ ‬إلى‭ ‬آخره‭ ‬دعوة‭ ‬لطاعة‭ ‬المستظهر‭ ‬وللالتفاف‭ ‬حول‭ ‬منصب‭ ‬الخلافة،‭ ‬وقد‭ ‬أورد‭ ‬صفات‭ ‬الإمام‭ ‬وواجباته‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية‭.‬

ونلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الإمام‭ ‬الغزالي‭ ‬رمى‭ ‬بثقله‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬والعقائدي‭ ‬لدعم‭ ‬مشروعية‭ ‬الخلافة‭ ‬العباسية‭ ‬والخليفة‭ ‬المستظهر‭ ‬وذلك‭ ‬لخشيته‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬الفاطميين‭ ‬الذين‭ ‬أرادوا‭ ‬إسقاط‭ ‬المرجعية‭ ‬العباسية‭ ‬وتثبيت‭ ‬الشرعية‭ ‬الفاطمية‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬الانتساب‭ ‬لأهل‭ ‬البيت‭ ‬فكرًا‭ ‬ونسبًا‭.‬

وعلم‭ ‬الغزالي‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬تمَّ‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬فإن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ضياع‭ ‬الدولة‭ ‬السنية،‭ ‬لذلك‭ ‬رمى‭ ‬بثقله‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الشرعية‭ ‬السنية‭ ‬العباسية‭ ‬أمام‭ ‬المد‭ ‬الباطني‭.‬

لذا‭ ‬كان‭ ‬موقفه‭ ‬هو‭ ‬كرده‭ ‬فعل‭ ‬لظروف‭ ‬موضوعية‭ ‬نشأت‭ ‬وتبلورت‭ ‬وتطورت‭ ‬خلال‭ ‬مراحل‭ ‬حياته‭.‬

أما‭ ‬ابن‭ ‬جماعة‭ ‬فحياته‭ ‬المديدة‭ ‬جعلته‭ ‬معاصراً‭ ‬لأحداث‭ ‬عديدة،‭ ‬فقد‭ ‬شهد‭ ‬سقوط‭ ‬دولة‭ ‬بني‭ ‬العباس‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المغول،‭ ‬ومرحلة‭ ‬التراجع‭ ‬الصليبي،‭ ‬وغروب‭ ‬شمس‭ ‬بني‭ ‬أيوب‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬والشام،‭ ‬وقيام‭ ‬حكم‭ ‬المماليك‭ ‬فيهما‭.. ‬وما‭ ‬تبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬اصطراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭.‬