هل تتراجع أميركا عن نهجها الذي أعلنته منذ التسعينات؟

ترامب والدولار.. هل نعيش نهاية سياسة “العملة القوية أولاً”؟

| دبي - مباشر

منذ‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أعلنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬الدولار‭ ‬القوي‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الدولة‭. ‬واعتبر‭ ‬المستثمرون‭ ‬العالميون‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬كأمر‭ ‬مسلم‭ ‬به،‭ ‬ما‭ ‬منحهم‭ ‬الثقة‭ ‬بأن‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأميركيين‭ ‬لن‭ ‬يخفضوا‭ ‬قيمة‭ ‬العملة‭ ‬الأميركية‭.‬

لكن‭ ‬الرسائل‭ ‬الفوضوية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬تلك‭ ‬الافتراضيات‭.‬

وفي‭ ‬26‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي،‭ ‬قال‭ ‬ترامب‭ ‬إن‭ ‬الدولار‭ ‬القوي‭ ‬شيء‭ ‬جميل،‭ ‬لكنه‭ ‬يجعل‭ ‬المنافسة‭ ‬أمرا‭ ‬صعبا،‭ ‬مضيفا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يستبعد‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إضعاف‭ ‬العملة‭ ‬الأميركية‭.‬

وتتناقض‭ ‬تعليقات‭ ‬ترامب‭ ‬تلك‭ ‬مع‭ ‬تصريحات‭ ‬المستشار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للبيت‭ ‬الأبيض‭ ‬لاري‭ ‬كودلو،‭ ‬والذي‭ ‬صرح‭ ‬بأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لن‭ ‬تتدخل‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬العملات‭.‬

وتزايدات‭ ‬تساؤلات‭ ‬العامة‭ ‬حول‭ ‬سياسة‭ ‬العملة‭ ‬الأميركية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬عقيدة‭ ‬الدولار‭ ‬القوي‭ ‬تم‭ ‬إدخالها‭ ‬بواسطة‭ ‬وزيرة‭ ‬الخزانة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1955‭ ‬“روبرت‭ ‬روبن”‭ ‬كوسيلة‭ ‬لدعم‭ ‬الطلب‭ ‬الأجنبي‭ ‬على‭ ‬سندات‭ ‬الخزانة‭ ‬الأميركية‭.‬

وساعدت‭ ‬هذه‭ ‬العقيدة‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬مكانة‭ ‬الدولار‭ ‬كعملة‭ ‬الاحتياطي‭ ‬العالمي‭ ‬المفضلة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬التعهد‭ ‬بعدم‭ ‬تخفيض‭ ‬قيمة‭ ‬الورقة‭ ‬الخضراء‭ ‬شجع‭ ‬المستثمرين‭ ‬الدوليين‭ ‬والشركاء‭ ‬التجاريين‭ ‬الأميركيين‭ ‬على‭ ‬استثمار‭ ‬أموالهم‭ (‬الكاش‭) ‬في‭ ‬الأصول‭ ‬الأميركية‭.‬

ومن‭ ‬شأن‭ ‬الدولار‭ ‬الضعيف‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬بعض‭ ‬المزايا،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬المصنعين‭ ‬الأميركيين‭ ‬قد‭ ‬يزيدون‭ ‬مبيعات‭ ‬منتجاتهم‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬كون‭ ‬بضائعهم‭ ‬ستصبح‭ ‬أرخص‭ ‬بالنسبة‭ ‬للعملاء‭ ‬الأجانب‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬فإن‭ ‬الشركات‭ ‬الأميركية‭ ‬والأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يشترون‭ ‬السلع‭ ‬المستوردة‭ ‬سوف‭ ‬يواجهون‭ ‬ارتفاعا‭ ‬في‭ ‬الأسعار‭.‬

ومن‭ ‬شأن‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬السياسة‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذا‭ ‬تداعيات‭ ‬على‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬وعلى‭ ‬التمويل‭ ‬الحكومي‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

وثقة‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬الدولار‭ ‬تجعلهم‭ ‬أكثر‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬حيازة‭ ‬الديون‭ ‬الأميركية،‭ ‬ما‭ ‬يقلل‭ ‬معدل‭ ‬الفائدة‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تدفعه‭ ‬وزارة‭ ‬الخزانة‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬جذب‭ ‬الأموال‭ ‬العالمية‭ ‬مشكلة‭: ‬حيازة‭ ‬الأجانب‭ ‬سندات‭ ‬الخزانة‭ ‬الأميركية‭ ‬كانت‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬مستوى‭ ‬قياسي‭ ‬مرتفع‭ ‬عند‭ ‬نحو‭ ‬6‭.‬5‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬الماضي‭.‬

ويوجد‭ ‬أمام‭ ‬المستثمرين‭ ‬بدائل‭ ‬قليلة‭ ‬مع‭ ‬تقديم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السندات‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬واليابان‭ ‬عوائد‭ ‬سالبة‭ ‬مقارنة‭ ‬بعائد‭ ‬نحو‭ ‬2‭ ‬بالمئة‭ ‬على‭ ‬حيازة‭ ‬ديون‭ ‬الحكومة‭ ‬الأميركية‭ ‬التي‭ ‬يحل‭ ‬موعد‭ ‬استحقاقها‭ ‬بعد‭ ‬10‭ ‬سنوات‭.‬

لكن‭ ‬ضغط‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إضعاف‭ ‬العملة‭ ‬قد‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬تقييد‭ ‬هذه‭ ‬التدفقات‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬الدولية،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬كبير‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬العالميين‭ ‬في‭ ‬سيتي‭ ‬جروب‭ ‬“كاثرين‭ ‬مان”‭.‬

ويرى‭ ‬نائب‭ ‬مساعد‭ ‬سابق‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬التحليل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الخزانة‭ ‬“براد‭ ‬سيتسر”‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬الدولار‭ ‬القوي‭ ‬انتهت‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬الورقة‭ ‬الخضراء‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬التعليق‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬العملة‭ ‬في‭ ‬الإدارات‭ ‬الأميركية‭ ‬السابقة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬وزارة‭ ‬الخزانة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬خرج‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭.‬

وقبل‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬منصبه‭ ‬رئيسا‭ ‬للبلاد،‭ ‬قال‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬العام‭ ‬2017‭ ‬إن‭ ‬الدولار‭ ‬القوي‭ ‬كان‭ ‬“يقضى‭ ‬علينا”‭.‬

وفي‭ ‬السنوات‭ ‬التالية،‭ ‬انتقل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬“تويتر”‭ ‬لانتقاد‭ ‬قوة‭ ‬الدولار‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬والصين‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬اعتبره‭ ‬بمثابة‭ ‬تلاعب‭ ‬في‭ ‬العملة‭.‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬التواصل‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬من‭ ‬المعتقد‭ ‬أن‭ ‬عصر‭ ‬سياسة‭ ‬الدولار‭ ‬القوي‭ ‬قد‭ ‬انتهت،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬كبير‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬في‭ ‬“بي‭.‬جي‭.‬آي‭.‬إم”‭ ‬للدخل‭ ‬الثابت‭ ‬ومسؤول‭ ‬سابق‭ ‬بوزارة‭ ‬الخزانة‭ ‬“ناثان‭ ‬شيتس”‭.‬