من المعتقدات الهندية بتقديم القرابين والهدايا إلى آلهتهم

“الحية بية” تزين عيد الأضحى في البحرين

| طارق البحار

من‭ ‬اجمل‭ ‬العادات‭ ‬البحرينية‭ ‬التي‭ ‬تقاوم‭ ‬الحداثة‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬الاحتفال‭ ‬بـ”الحية‭ ‬بية”‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وتعتبر‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬الجميلة‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬قديمة‭ ‬جدا‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬زرع‭ ‬الأطفال‭ ‬لسنابل‭ ‬أو‭ ‬نباتات‭ ‬ثم‭ ‬الإلقاء‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬يوم‭ ‬عرفة‭ ‬مع‭ ‬أناشيد‭ ‬شعبية‭ ‬بسيطة‭ ‬كعادة‭ ‬شعبية‭ ‬توارثها‭ ‬الخليجيون‭ ‬من‭ ‬أجدادهم‭ ‬واستمرت‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬

وتشهد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬معظم‭ ‬شواطئ‭ ‬المملكة‭ ‬احتفالات‭ ‬“الحية‭ ‬بية”‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬قفة‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم،‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬سعف‭ ‬النخيل،‭ ‬ويتم‭ ‬زرعها‭ ‬بالحبوب‭ ‬مثل‭ ‬القمح‭ ‬والشعير،‭ ‬وتعلق‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬حتى‭ ‬تكبر‭ ‬وتنمو‭. ‬ويقوم‭ ‬الأطفال‭ ‬بإلقائها‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬يوم‭ ‬وقفة‭ ‬عرفات،‭ ‬وهم‭ ‬يدعون‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬عيدهم‭ ‬سرورا‭ ‬ويعيد‭ ‬حجاجهم‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ ‬سالمين‭ ‬ومحمّلين‭ ‬لهم‭ ‬بالهدايا‭ ‬اما‭ ‬عن‭ ‬اصل‭ ‬الكلمة‭ ‬فهي‭ ‬“الحجي‭ ‬بيجي”‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬اللهجة‭ ‬العامية‭ ‬لأهل‭ ‬البحرين‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬وتعني‭ ‬الحاج‭ ‬سيعود‭ ‬أو‭ ‬إنها‭ ‬تعني‭ ‬الحجة‭ ‬والمقصود‭ ‬القفة‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬الأطفال‭ ‬بزرع‭ ‬البذور‭ ‬فيها‭.‬

وبالعودة‭ ‬الى‭ ‬تاريخ‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬الشعبية‭ ‬الجميلة‭ ‬يقول‭ ‬الباحثون‭ ‬المختصون‭ ‬في‭ ‬التراث،‭ ‬لمعرفة‭ ‬أصلها‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الأساطير‭ ‬والخرافات‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬في‭ ‬الحضارات‭ ‬القديمة‭ ‬كحضارة‭ ‬مصر‭ ‬والهند‭ ‬وغيرهما،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬وفق‭ ‬معتقداتها‭ ‬السائدة‭ ‬آنذاك‭ ‬تخاف‭ ‬من‭ ‬آلهتهم‭ ‬التي‭ ‬تنزل‭ ‬عليها‭ ‬العذاب‭ ‬والدمار‭ ‬كالرياح‭ ‬والبرق‭ ‬والخوف‭ ‬والهلع،‭ ‬وفكر‭ ‬أناس‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬إرضاء‭ ‬آلهتهم‭ ‬والتقرب‭ ‬إليها‭ ‬فكانوا‭ ‬يقدّمون‭ ‬القرابين‭ ‬والهدايا‭ ‬إليها‭ ‬حتى‭ ‬ينالوا‭ ‬رضاها‭ ‬ومحبتها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تغضب‭ ‬عليهم‭ ‬وتدمر‭ ‬قراهم‭ ‬ومساكنهم‭ ‬وتقتل‭ ‬أبناءهم،‭ ‬فاعتادوا‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬بجلب‭ ‬أجمل‭ ‬فتاه‭ ‬شابة‭ ‬في‭ ‬القرية‭ ‬ويقومون‭ ‬بتجميلها‭ ‬وتزينها‭ ‬ويلبسونها‭ ‬أحلى‭ ‬الملابس‭ ‬والحلي‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬كالعروس‭ ‬ليلة‭ ‬زفافها،‭ ‬ثم‭ ‬يضعونها‭ ‬في‭ ‬قارب‭ ‬لوحدها‭ ‬ويرسلونها‭ ‬إلي‭ ‬البحر‭ ‬أو‭ ‬النهر‭ ‬لتذهب‭ ‬مع‭ ‬الأمواج‭ ‬إلى‭ ‬البعيد‭ ‬وتختفي‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الآلهة‭ ‬وبذلك‭ ‬ينالوا‭ ‬رضى‭ ‬آلهتهم‭.‬

وقد‭ ‬وصلت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬والأساطير‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬الهند‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬نشطة،‭ ‬وكانت‭ ‬الشعوب‭ ‬تتبادل‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬العادات،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬ابتكر‭ ‬أهالي‭ ‬الخليج‭ ‬عادة‭ ‬“الحية‭ ‬بية”‭ ‬والتي‭ ‬تشابهت‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬القصص،‭ ‬لكنهم‭ ‬استبدلوا‭ ‬رمي‭ ‬الفتاة‭ ‬في‭ ‬النهر‭ ‬أو‭ ‬البحر‭ ‬بالحية‭ (‬الحشائش‭ ‬الخضراء‭) ‬إرضاء‭ ‬للبحر،‭ ‬وتبقى‭ ‬العروس‭ ‬بملابسها‭ ‬الجميلة‭ ‬على‭ ‬الشاطئ،‭ ‬وهكذا‭ ‬انتشرت‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬التراثية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والخليج‭.‬

ويذكر‭ ‬الباحث‭ ‬البحريني‭ ‬محمد‭ ‬جمال،‭ ‬“إن‭ ‬معظم‭ ‬أهل‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬أخذوا‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬المحببة‭ ‬منذ‭ ‬قديم‭ ‬الزمان،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬الهند‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬نشطة‭ ‬وأدى‭ ‬هذا‭ ‬التقارب‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬إلى‭ ‬تشابه‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد”‭.‬

ويضيف،‭ ‬“أن‭ ‬سكان‭ ‬الخليج‭ ‬ابتكروا‭ ‬عادة‭ ‬الحية‭ ‬بية‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬معتقدات‭ ‬الحضارة‭ ‬الهندية‭ ‬السائدة‭ ‬بتقديم‭ ‬القرابين‭ ‬والهدايا‭ ‬إلى‭ ‬آلهتهم‭ ‬لينالوا‭ ‬رضاها‭ ‬ومحبتها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تغضب‭ ‬عليهم‭ ‬وتدمر‭ ‬قراهم‭ ‬ومساكنهم‭ ‬وتقتل‭ ‬أبناءهم”‭. ‬تطورت‭ ‬الحية‭ ‬بية‭ ‬مع‭ ‬السنين،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدخال‭ ‬إضافات‭ ‬والبعض‭ ‬من‭ ‬اللمسات‭ ‬عليها،‭ ‬فأصبح‭ ‬الناس‭ ‬يتنافسون‭ ‬من‭ ‬تكون‭ ‬حيته‭ ‬الأجمل‭.‬