موقع البحرين في تقرير الاستثمار العالمي 2019

| د.علي المولاني

أصدر‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتجارة‭ ‬والتنمية‭ (‬الأونكتاد‭) ‬أخيرا‭ ‬تقرير‭ ‬الاستثمار‭ ‬العالمي‭ ‬2019‭ ‬الذي‭ ‬دأب‭ ‬على‭ ‬إصداره‭ ‬ونشره‭ ‬بصورة‭ ‬سنوية‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1991؛‭ ‬ليرصد‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أحدث‭ ‬الاتجاهات‭ ‬العالمية‭ ‬لتدفقات‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬مع‭ ‬إثراء‭ ‬التقرير‭ ‬بتحليلات‭ ‬معمقة‭ ‬تتناول‭ ‬جميع‭ ‬الموضوعات‭ ‬والمسائل‭ ‬المرتبطة‭ ‬بحركة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬وتطورها‭.‬

وحظيت‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬“المينا”‭ ‬بنصيب‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬التقارير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الموضوعية‭ ‬والشمولية،‭ ‬وهو‭ ‬يعكس‭ ‬بجلاء‭ ‬المساعي‭ ‬والجهود‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬“الأونكتاد”‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬البيئة‭ ‬المواتية‭ ‬لزيادة‭ ‬إدماج‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬ونمو‭ ‬دور‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭ ‬في‭ ‬1964؛‭ ‬لتكون‭ ‬منبرًا‭ ‬معرفيًا‭ ‬مفتوحًا‭ ‬لصياغة‭ ‬أبرز‭ ‬الأفكار‭ ‬لتجارب‭ ‬التنمية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنظيم‭ ‬المنتديات‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬الحكومات‭ ‬والخبراء،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إعداد‭ ‬الأبحاث‭ ‬وتحليل‭ ‬السياسات‭ ‬وجمع‭ ‬البيانات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬الفنية‭ ‬للدول‭ ‬النامية‭ ‬والدول‭ ‬الأقل‭ ‬نموًا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬ترتبط‭ ‬بالاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة،‭ ‬والسلع‭ ‬والملاحة‭ ‬والنقل‭ ‬والمنافسة‭ ‬والتقنية‭ ‬والتجارة‭.‬

وفي‭ ‬اعتقادي‭ ‬فإن‭ ‬أهم‭ ‬نقطة‭ ‬تناولها‭ ‬التقرير‭ ‬بخصوص‭ ‬البحرين‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬هي‭ ‬تحقيق‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬تدفق‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬الناتج‭ ‬الإجمالي‭ ‬المحلي‭ ‬الاسمي‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬4‭ %. ‬والجدير‭ ‬بالملاحظة‭ ‬والانتباه‭ ‬أن‭ ‬التقرير‭ ‬رأى‭ ‬بأن‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬هبوطها‭ ‬في‭ ‬2018‭ ‬وذلك‭ ‬بنسبة‭ ‬13‭ % ‬ليبلغ‭ ‬حجمها‭ ‬1‭.‬3‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الهبوط‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬والذي‭ ‬بلغ‭ ‬آنذاك‭ ‬23‭ %‬،‭ ‬إذ‭ ‬يفسر‭ ‬ذلك‭ ‬الهبوط‭ ‬ما‭ ‬تواجهه‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬من‭ ‬منازعات‭ ‬تجارية‭ ‬عالمية‭ ‬وتوجه‭ ‬نحو‭ ‬تبني‭ ‬السياسات‭ ‬الحمائية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬عرقلة‭ ‬تدفقات‭ ‬الاستثمارات‭ ‬العالمية‭ ‬وتشكل‭ ‬تحديًا‭ ‬ملموسًا‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نرى‭ ‬بأنها‭ ‬شكلت‭ ‬فرصة‭ ‬كبيرة‭ ‬للبحرين‭ ‬خصوصًا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬المملكة‭ ‬من‭ ‬انفتاح‭ ‬اقتصادي‭ ‬وبيئة‭ ‬أعمال‭ ‬مواتية‭ ‬مدعومة‭ ‬بمبادرات‭ ‬أطلقها‭ ‬مجلس‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬شركائه‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬تنافسية‭ ‬المملكة‭ ‬وزيادة‭ ‬استقطاب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭.‬

كما‭ ‬شهدت‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬تحسنًا‭ ‬طفيفًا‭ ‬في‭ ‬تدفقات‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬بلغ‭ ‬2‭ % ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬ثباتها‭ ‬دون‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬قبله‭. ‬وشكل‭ ‬هذا‭ ‬الارتفاع‭ ‬ما‭ ‬نسبته‭ ‬54‭ % ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ - ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اعتبره‭ ‬التقرير‭ ‬رقما‭ ‬قياسيا‭.‬

وفيما‭ ‬يخص‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬آسيا‭ ‬لوحدها‭ ‬فقد‭ ‬ارتفع‭ ‬فيها‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬بنسبة‭ ‬3‭ % ‬ليبلغ‭ ‬29‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2018‭ ‬ليضع‭ ‬حدا‭ ‬لهبوط‭ ‬متواصل‭ ‬استمر‭ ‬لقرابة‭ ‬10‭ ‬سنوات،‭ ‬إذ‭ ‬بلغت‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬آسيا‭ ‬قرابة‭ ‬49‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2018‭ - ‬أي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المسجلة‭ ‬في‭ ‬2017‭ ‬والبالغة‭ ‬39‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعطي‭ ‬مؤشرات‭ ‬عديدة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬بؤرة‭ ‬الاهتمام‭ ‬والتركيز‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يعطي‭ ‬دلالة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬صحي‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إشارته‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬قد‭ ‬زادت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬وكانت‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬إحدى‭ ‬أكبر‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬استقطبت‭ ‬الاستثمار،‭ ‬فقد‭ ‬زادت‭ ‬الاستثمارات‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬1‭.‬4‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2017‭ ‬إلى‭ ‬3‭.‬2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2018‭. ‬

وبالعودة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬فقد‭ ‬أكد‭ ‬التقرير‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬شهدت‭ ‬زيادة‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭ ‬إليها‭ ‬إلى‭ ‬1‭.‬515‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2018‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬1‭.‬426‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬قبله‭ - ‬أي‭ ‬بزيادة‭ ‬تبلغ‭ ‬نحو‭ ‬6‭ %‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬الجاذبية‭ ‬والتنافسية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬بيئة‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تتأثر‭ ‬كثيرًا‭ ‬بالمتغيرات‭ ‬الدولية‭.‬

ولعل‭ ‬ما‭ ‬عزز‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬القراءة‭ ‬التحليلية‭ ‬للتقرير‭ ‬هو‭ ‬كونه‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬راهنة‭ ‬لعبت‭ ‬فيها‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬كأداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬التنمية‭ ‬والانتقال‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتسريع‭ ‬النمو‭ ‬للاقتصاديات‭ ‬النامية‭ ‬والصاعدة‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مساهمتها‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الفرص‭ ‬الوظيفية‭ ‬النوعية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتسريع‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتداول‭ ‬المعارف‭ ‬والمهارات‭ ‬والخبرات،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬مساهماتها‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إتاحة‭ ‬رصيد‭ ‬إضافي‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬الصعبة‭ ‬وتعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬وتشجيع‭ ‬المنافسة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬ماثلًا‭ ‬أمامنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سعي‭ ‬المملكة‭ ‬إلى‭ ‬استقطاب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المباشرة‭ ‬لخلق‭ ‬الفرص‭ ‬الوظيفية‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬المحلية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬مجلس‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬شركائه‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬“فريق‭ ‬البحرين”‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬مردود‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬على‭ ‬رفاهية‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطنين‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عكسه‭ ‬تقرير‭ ‬الاستثمار‭ ‬العالمي‭ ‬2019‭.‬

وساهمت‭ ‬الخطة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تبناها‭ ‬مجلس‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ذات‭ ‬الميزة‭ ‬التنافسية‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬قطاع‭ ‬التصنيع‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬ثقة‭ ‬المستثمرين‭ ‬ببيئة‭ ‬الأعمال‭ ‬بالمملكة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توجه‭ ‬مستثمرين‭ ‬كبار‭ ‬مثل‭ ‬“موندليز”‭ ‬و‭ ‬”أريستون‭ ‬ثيرمو”‭ ‬في‭ ‬2018‭ ‬إلى‭ ‬توسعة‭ ‬أعمالهم‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

وأرى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬هو‭ ‬نشر‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مواصلة‭ ‬التنسيق‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬الشركاء‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬تأسيًا‭ ‬بمبادئ‭ ‬“فريق‭ ‬البحرين”‭ ‬حتى‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬إنجاز‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬استقطاب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬وحتى‭ ‬نضمن‭ ‬ألا‭ ‬تذهب‭ ‬الجهود‭ ‬الكبرى‭ ‬المبذولة‭ ‬هباءً‭.‬

 

‭ ‬

‭* ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬البحرينية