تجربة استثنائية تستعيد أجمل ملامح الحياة الشعبية واليومية

سوق المنامة... أقدم العواصم الزاخرة بالتقاليد العريقة

شوارع‭ ‬ضيقة،‭ ‬وجدران‭ ‬بيوت‭ ‬أخذ‭ ‬منها‭ ‬الزمن‭ ‬مأخذه،‭ ‬الباعة‭ ‬يخرجون‭ ‬بضاعتهم‭ ‬خارج‭ ‬محلاتهم‭ ‬ليجذبوا‭ ‬الزوار‭. ‬تكتظ‭ ‬المقاهي‭ ‬بالمسنين‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬طلوع‭ ‬الشمس،‭ ‬فهم‭ ‬ينتظرون‭ ‬مشهد‭ ‬انعكاس‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬على‭ ‬كأس‭ ‬الشاي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭.‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الشوارع‭ ‬الضيقة،‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الألعاب،‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬الزينة‭ ‬التقليدية‭ ‬للبيوت،‭ ‬وتراث‭ ‬شعبي‭ ‬أصيل،‭ ‬وبالطبع‭ ‬الذهب‭. ‬يقول‭ ‬الحاج‭ ‬حسين‭ ‬العريبي‭: ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬تبحث‭ ‬عنه‭ ‬ولا‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬المنامة،‭ ‬فهذه‭ ‬السوق‭ ‬تعرف‭ ‬ضالتك‭!‬

‭ ‬يقع‭ ‬السوق‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬المنامة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الفاصلة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الأجزاء‭ ‬القديمة‭ ‬من‭ ‬المدينة‭ ‬والمنطقة‭ ‬التجارية‭ ‬المركزية‭ ‬وإلى‭ ‬الشرق‭ ‬من‭ ‬النعيم‭ ‬وإلى‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬الرمان‭.. ‬يبدو‭ ‬مشهد‭ ‬مدينة‭ ‬المنامة‭ ‬حيًّا‭ ‬جدًّا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سوق‭ ‬المنامة‭ ‬القديم‭ ‬الذي‭ ‬يُعتَبر‭ ‬أحد‭ ‬أقدم‭ ‬الأسواق‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬حيث‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدّكاكين‭ ‬والمنتوجات‭ ‬التي‭ ‬تبيع‭ ‬سلعًا‭ ‬شعبيّة‭ ‬وحديثة،‭ ‬والتي‭ ‬تقدّم‭ ‬تجربة‭ ‬مغايرة‭ ‬للتّسوق‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المنسوجات،‭ ‬البهارات،‭ ‬البخور‭ ‬والعطور،‭ ‬التّذكارات،‭ ‬المصنوعات‭ ‬الشّعبيّة‭ ‬واليدويّة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المقاهي‭ ‬الشّعبيّة‭.‬

‭ ‬لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬دكان‭ ‬صغير‭ ‬يبعد‭ ‬عن‭ ‬باب‭ ‬البحرين‭ ‬خطوات‭ ‬فقط،‭ ‬دخلت‭ ‬الدكان‭ ‬وقد‭ ‬رحب‭ ‬بي‭ ‬البائع‭ ‬بابتسامة‭ ‬عريضة‭ ‬قد‭ ‬أبانت‭ ‬أسنانه‭ ‬المفقودة‭ ‬من‭ ‬فمه‭. ‬كانت‭ ‬الشهادات‭ ‬والمقالات‭ ‬المكتوبة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الدكان‭ ‬قد‭ ‬حجبت‭ ‬لون‭ ‬الحائط‭ ‬من‭ ‬كثرتها،‭ ‬الحاج‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الرومي‭ ‬صائغ‭ ‬فضة‭ ‬وذهب‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬حوالي‭ ‬90‭ ‬عامًا،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬الفضيات‭ ‬والذهب‭.‬

يقول‭ ‬الحاج‭ ‬الرومي‭: ‬منذ‭ ‬56‭ ‬عاما‭ ‬وأنا‭ ‬أعمل‭ ‬هذا‭ ‬الدكان،‭ ‬حتى‭ ‬سكان‭ ‬المنامة‭ ‬يدعونني‭ ‬بأب‭ ‬هذا‭ ‬الشارع،‭ ‬فأنا‭ ‬لم‭ ‬أخرج‭ ‬ولا‭ ‬أفكر‭ ‬بأن‭ ‬أخرج‭ ‬من‭ ‬المنامة،‭ ‬فهي‭ ‬أصلي‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬تغيّرت‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬السنين‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬ولكن‭ ‬عندي‭ ‬أمل‭ ‬بأن‭ ‬ترجع‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للمنامة‭. ‬

‭ ‬التقيت‭ ‬بالحاج‭ ‬عبد‭ ‬الغني‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬حاجي،‭ ‬رجل‭ ‬ستيني‭ ‬يجلس‭ ‬وحيدًا‭ ‬ويتناول‭ ‬فطوره‭. ‬سألته‭ ‬عن‭ ‬المنامة‭ ‬وعما‭ ‬يراه‭ ‬وما‭ ‬يتمناه‭ ‬فيها‭ ‬فقال‭: ‬المنامة‭ ‬كعاصمة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬العواصم‭ ‬الزاخرة‭ ‬بالتقاليد‭ ‬والأشياء‭ ‬العريقة،‭ ‬ولكنها‭ ‬تفتقر‭ ‬لبعض‭ ‬التغيرات‭ ‬لكي‭ ‬تواكب‭ ‬تطور‭ ‬الزمن‭ ‬ولتناسب‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬مثلاً‭ ‬تغيير‭ ‬الشوارع،‭ ‬زيادة‭ ‬مواقف‭ ‬السيارات،‭ ‬زيادة‭ ‬الترابط‭ ‬المجتمعي‭ ‬بين‭ ‬سكان‭ ‬أهل‭ ‬المنامة،‭ ‬لأن‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬أن‭ ‬المنامة‭ ‬هي‭ ‬عاصمة‭ ‬البحرين‭ ‬فالكثيرون‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬الأعمال‭ ‬والسائحين‭ ‬والعمال‭ ‬يقيمون‭ ‬في‭ ‬المنامة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬بدأ‭ ‬أهل‭ ‬المنامة‭ ‬بترك‭ ‬بيوتهم‭ ‬ومحلاتهم‭ ‬للابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الازدحام‭ ‬والضجيج،‭ ‬وانتقالهم‭ ‬لمناطق‭ ‬أكثر‭ ‬هدوءًا‭. ‬

التّسوّق‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬المنامة‭ ‬القديم،‭ ‬تجربة‭ ‬استثنائيّة‭ ‬تستعيد‭ ‬أجمل‭ ‬ملامح‭ ‬الحياة‭ ‬الشّعبيّة‭ ‬واليوميّة،‭ ‬وتضيف‭ ‬إلى‭ ‬زيارتكَ‭ ‬ذاكرة‭ ‬لا‭ ‬تتكرّر‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭.‬

ريبورتاج‭ ‬الطالبة‭: ‬بتول‭ ‬سيد‭ ‬يوسف‭ ‬المحافظة‭ ‬

جامعة‭ ‬البحرين