فجر جديد

تائه في سوق المنامة

| إبراهيم النهام

في‭ ‬حنين‭ ‬لأيام‭ ‬الصبا،‭ ‬قمت‭ ‬أخيرًا‭ ‬بأخذ‭ ‬جولة‭ ‬بسوق‭ ‬المنامة‭ ‬القديم،‭ ‬سيرًا‭ ‬على‭ ‬الأقدام،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬البحرين‭ ‬وصولاً‭ ‬لمأتم‭ ‬المعجم‭ ‬الكبير،‭ ‬وحتى‭ ‬فندق‭ ‬صحاري،‭ ‬فدهاليز‭ (‬القراشية‭) ‬ومحلات‭ ‬بيع‭ ‬الحلوى‭ ‬البحرينية‭ ‬والأقمشة‭ ‬والملابس‭.‬

السوق‭ ‬والذي‭ ‬يمثل‭ ‬جزءًا‭ ‬مهمًّا‭ ‬من‭ ‬يوميات‭ ‬أجيال‭ ‬السبعينات‭ ‬والثمانينات‭ ‬وجزءًا‭ ‬يسيرًا‭ ‬من‭ ‬التسعينات،‭ ‬كان‭ ‬محطة‭ ‬خلابة‭ ‬ومهمة‭ ‬لطلعات‭ (‬الويكند‭)‬،‭ ‬وللفسحة،‭ ‬ولجولات‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬وللزوار،‭ ‬ومتنفسًا‭ ‬رئيسيًّا‭ ‬للهرب‭ ‬من‭ ‬ضغوطات‭ ‬الأسبوع،‭ ‬والدراسة‭ ‬والمذاكرة‭ ‬اليومية‭.‬

‭ ‬حين‭ ‬زرته‭ ‬أخيرًا،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأمور‭ ‬كسابق‭ ‬عهدها،‭ ‬فالحال‭ ‬تغيّر‭ ‬–كغيره‭- ‬أولها‭ ‬محلات‭ ‬بيع‭ ‬الذهب‭ ‬البحريني،‭ ‬حيثُ‭ ‬استبدلت‭ ‬بمحال‭ ‬أخرى‭ ‬لإكسسوارات‭ ‬التليفونات،‭ ‬والأحذية،‭ ‬والساعات‭ ‬الرخيصة،‭ ‬والألعاب،‭ ‬مع‭ ‬انقراض‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬لأسماء‭ ‬العوائل‭ ‬البحرينية‭ ‬المشهورة‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬وصقل‭ ‬المعدن‭ ‬الأصفر‭.‬

‭ ‬زرتُ‭ ‬أيضًا‭ ‬سوق‭ ‬الذهب‭ ‬القديم،‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬بناية‭ ‬عريضة‭ ‬بشارع‭ ‬متفرع‭ ‬من‭ ‬شارع‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حالها‭ ‬بأفضل‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬السوق‭ ‬نفسه،‭ ‬فمحالها‭ ‬كانت‭ ‬خاوية‭ ‬على‭ ‬عروشها‭ ‬من‭ ‬ابن‭ ‬البلد،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تجمع‭ ‬المتبقي‭ ‬منهم‭ ‬بمقهى‭ ‬بسيط‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬السفلي،‭ ‬وهم‭ ‬يحتسون‭ ‬الشاي‭ ‬بملل،‭ ‬ويتحدثون‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬لا‭ ‬ينصت‭ ‬إليها‭ ‬أحد‭.‬

‭ ‬في‭ ‬المطاعم‭ ‬المتناثرة،‭ ‬وعلى‭ ‬الأرصفة،‭ ‬وفي‭ ‬الشوارع‭ ‬الضيّقة‭ ‬للسوق،‭ ‬وفي‭ ‬ساحات‭ ‬البيع‭ ‬الخارجية،‭ ‬لم‭ ‬أر‭ ‬أحدًا‭ ‬أعرفه،‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ ‬رأيتُ‭ ‬مئات‭ ‬الملصقات،‭ ‬لبضائع،‭ ‬ومنتوجات،‭ ‬وعروض‭ ‬مسرحية‭ ‬وتجارية،‭ ‬باللغات‭ ‬الهندية،‭ ‬والبنغالية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬منها‭ ‬حرفًا‭ ‬واحدًا‭.‬

أجانب‭ ‬أجانب‭ ‬أجانب،‭ ‬أينما‭ ‬ذهبت‭ ‬أجد‭ ‬الأجانب،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يحدث؟

بعد‭ ‬مرور‭ ‬45‭ ‬دقيقة،‭ ‬تحول‭ ‬حماسي‭ ‬إلى‭ ‬كابوس‭ ‬حقيقي،‭ ‬كيف‭ ‬استطاع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الآسيويون‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مفاصل‭ ‬سوق‭ ‬المنامة‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل؟‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬مكّنهم؟‭ ‬ولأجل‭ ‬ماذا؟‭ ‬وكيف؟‭ ‬وتظل‭ ‬أسئلة‭ ‬بلا‭ ‬أجوبة‭.‬