شكل أدبي مستقل أم هجين بلا هوية؟

السيناريو السينمائي .. أصله وفصله

| أسامة الماجد

مازالت‭ ‬تعتمد‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬وبالأحرى‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالأدباء‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬السيناريو،‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬مازال‭ ‬أمين‭ ‬صالح‭ ‬وفريد‭ ‬رمضان‭ ‬وحمد‭ ‬الشهابي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬روافد‭ ‬النتاج‭ ‬السينمائي،‭ ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬كتاب‭ ‬السيناريو،‭ ‬حيث‭ ‬قدموا‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الروائية‭ ‬والقصيرة،‭ ‬واجتهد‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬بعض‭ ‬الكتاب‭ ‬والفنانين‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬السيناريو‭.‬

نعرف‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬السينما‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الفنون‭ ‬جماعية،‭ ‬والفيلم‭ ‬تبذل‭ ‬فيه‭ ‬جهود‭ ‬عشرات،‭ ‬بل‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬والفنيين‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬صالحا‭ ‬للعرض،‭ ‬وقد‭ ‬يفسد‭ ‬الواحد‭ ‬منها‭ ‬عمل‭ ‬المجموعة‭ ‬بأكملها،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬انسجام‭ ‬وتفاهم‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬خطوات‭ ‬ومراحل‭ ‬العمل،‭ ‬والمخرج‭ ‬عادة‭ ‬هو‭ ‬سيد‭ ‬الفيلم،‭ ‬وهو‭ ‬واضع‭ ‬الخطة،‭ ‬وهو‭ ‬الموجه‭ ‬وهو‭ ‬المنفذ،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬قلما‭ ‬يستطيع‭ ‬السيطرة‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مراحل‭ ‬وخطوات‭ ‬العمل‭ ‬الفنية‭. ‬وأحيانا‭ ‬قد‭ ‬يضطر‭ ‬مرغما‭ ‬للرضوخ‭ ‬تحت‭ ‬رغبة‭ ‬المنتج‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالفن‭ ‬سوى‭ ‬المادة‭ ‬وضمان‭ ‬انتشار‭ ‬الفيلم‭ ‬والإقبال‭ ‬عليه‭.‬

أما‭ ‬الأدب،‭ ‬فهو‭ ‬فن‭ ‬فردي‭ ‬يتحمل‭ ‬فيه‭ ‬الأديب‭ ‬المسؤولية‭ ‬الكاملة‭ ‬تجاه‭ ‬عمله‭ ‬الفني‭. ‬وعملية‭ ‬خلق‭ ‬لا‭ ‬ينازعه‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬سواء،‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬لجوئه‭ ‬إلى‭ ‬السينما‭ ‬يصبح‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬عناصره‭ ‬الكثيرة،‭ ‬وعليه‭ ‬بالتالي‭ ‬أن‭ ‬يخضع‭ ‬لرغبات‭ ‬المنتج‭ ‬والمخرج،‭ ‬ولكاتب‭ ‬السيناريو‭ ‬الذي‭ ‬يتصرف‭ ‬وفق‭ ‬رؤيته‭ ‬الفنية‭ ‬وتكنيك‭ ‬كتابة‭ ‬السيناريو،‭ ‬وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والأدباء‭ ‬المشهورين‭ ‬ممن‭ ‬أعرضوا‭ ‬عن‭ ‬السينما‭ ‬ونفروا‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬إنتاجهم‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬وابتعدوا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التجربة،‭ ‬ولهم‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬

“‭ ‬سؤال‭ ‬محير‭ ‬ومربك‭ ‬ومخادع

‭ ‬يقول‭ ‬فريد‭ ‬رمضان‭: ‬أعتقد،‭ ‬بل‭ ‬وأنحاز‭ ‬لأن‭ ‬أدفع‭ ‬بالسيناريو‭ ‬إلى‭ ‬خانة‭ ‬التصنيف‭ ‬الأدبي،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬وسطى‭ ‬بين‭ ‬النص‭ ‬الأدبي‭ ‬والروائي‭ ‬خصوصا،‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬تقدمه‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬حالتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭. ‬وأنحاز‭ ‬لأنني‭ ‬أميل‭ ‬نحو‭ ‬المواءمة‭ ‬بين‭ ‬عناصر‭ ‬ومكونات‭ ‬السرد‭ ‬الأدبي،‭ ‬فكتاب‭ ‬السيناريو‭ ‬وكتاب‭ ‬السرد‭ ‬الأدبي‭ ‬يخلقون‭ ‬ويتخلقون‭ ‬في‭ ‬كثافة‭ ‬المكونات‭ ‬والعناصر‭ ‬السردية‭ ‬الأدبية،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يمتص‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬خصوصية‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬عليها‭ ‬النصوص‭ ‬الأدبية‭. ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬السيناريو‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬عنصر‭ ‬السرد‭ ‬والتخيل‭ ‬النابع‭ ‬من‭ ‬القراءة،‭ ‬ويحولها‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬حيّة‭ ‬عبر‭ ‬إبعاد‭ ‬ثلاثية‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬يتوفر‭ ‬عليها‭ ‬الجنس‭ ‬الأدبي،‭ ‬وهي‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬صفة‭ ‬“سحر‭ ‬السينما”،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬ينسج‭ ‬نسقا‭ ‬جديدا‭ ‬تكون‭ ‬فيه‭ ‬الصورة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬ديمومة‭ ‬الصورة‭ ‬المرئية‭ ‬والمسموعة‭ ‬والمتحركة‭.‬

‭ ‬يقول‭ ‬“روبرت‭ ‬مكي”‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬عن‭ ‬فن‭ ‬كتابة‭ ‬السيناريو‭ ‬“القصة‭.. ‬مبادئ‭ ‬الكتابة‭ ‬للسينما”‭ ‬إن‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يحتاجه‭ ‬كاتب‭ ‬السيناريو‭ ‬يماثل‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يحتاجه‭ ‬كاتب‭ ‬الرواية،‭ ‬ويغطي‭ ‬فيها‭ ‬النوعان‭ ‬نفس‭ ‬مبادئ‭ ‬التخطيط‭ ‬والمعالجة،‭ ‬انتهاء‭ ‬باختلاف‭ ‬شكل‭ ‬الجنسين‭. ‬وبذلك،‭ ‬يعتبر‭ ‬السيناريو‭ ‬كنص‭ ‬ذي‭ ‬هوية‭ ‬وشكل‭ ‬جديدين،‭ ‬لسبب‭ ‬بسيط،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬تاريخا‭ ‬عريقا‭ ‬مثلما‭ ‬تمتلك‭ ‬الرواية‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أسس‭ ‬لها‭ ‬أرسطو‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬“فن‭ ‬الشعر”‭ ‬ووضع‭ ‬أسرار‭ ‬القصة‭ ‬على‭ ‬المحك‭ ‬الإنساني‭ ‬والإبداعي،‭ ‬لذلك‭ ‬فالسيناريو‭ ‬يستمد‭ ‬عناصره‭ ‬السردية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النسق‭ ‬الضارب‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬مسرح‭ ‬وشعر‭ ‬وسرد،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬الرواية‭ ‬كسرد‭ ‬أدبي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ينتقص‭ ‬من‭ ‬السيناريو‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭! ‬

هل‭ ‬في‭ ‬كلامي‭ ‬إنصاف‭ ‬للسيناريو‭ ‬كجنس‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬الجنس‭ ‬الأدبي،‭ ‬ربما‭! ‬والمسألة‭ ‬تحتاج‭ ‬لإعادة‭ ‬نظر‭ ‬في‭ ‬جنس‭ ‬السيناريو،‭ ‬فإلى‭ ‬متى‭ ‬سيظل‭ ‬نصا‭ ‬هجينا‭ ‬دون‭ ‬هوية‭!‬

“‭ ‬وسيط‭ ‬بين‭ ‬الرواية‭ ‬والفيلم”

بينما‭ ‬يقول‭ ‬الروائي‭ ‬أمين‭ ‬صالح‭: ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬اعتبار‭ ‬السيناريو‭ ‬شكلا‭ ‬أدبيا‭ ‬مستقلا؛‭ ‬لأن‭ ‬السيناريو‭ ‬بالأساس‭ ‬شكل‭ ‬هجين‭ ‬بين‭ ‬الفن‭ ‬والأدب‭..‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة،‭ ‬فالسيناريو‭ ‬لا‭ ‬يعتنى‭ ‬باللغة‭. ‬إنه‭ ‬مجرد‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬لفيلم‭ ‬معين‭. ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬كأدب‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬السيناريو‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الاختزال؛‭ ‬لأنه‭ ‬مكتوب‭ ‬لكي‭ ‬ينفذ،‭ ‬وليس‭ ‬لكي‭ ‬يقرأ‭. ‬

السيناريو‭ ‬السينمائي‭ ‬عكس‭ ‬المسرحية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬شكلا‭ ‬أدبيا‭. ‬فالمسرحية‭ ‬كاملة‭ ‬بذاتها،‭ ‬وذات‭ ‬بناء‭ ‬متكامل‭. ‬أما‭ ‬السيناريو‭ ‬فلا‭. ‬ومن‭ ‬النادر‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬نشاهد‭ ‬السيناريو‭ ‬ينشر‭ ‬قبل‭ ‬تنفيذه‭!! ‬السيناريو‭ ‬وسيط‭ ‬بين‭ ‬الرواية‭ ‬والفيلم‭. ‬وترتكز‭ ‬علاقته‭ ‬بالأدب‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الحوار‭. ‬والدليل‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬لا‭ ‬يجيدون‭ ‬كتابة‭ ‬السيناريو‭.‬

“‭ ‬أصعب‭ ‬أنواع‭ ‬الادب”

وللأديب‭ ‬حمد‭ ‬الشهابي‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭: ‬السيناريو‭ ‬السينمائي‭ ‬شكل‭ ‬أدبي‭ ‬له‭ ‬طريقته‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أصعب‭ ‬أنواع‭ ‬الأدب،‭ ‬فالرواية‭ ‬السردية‭ ‬عادية،‭ ‬ولكن‭ ‬السيناريو‭ ‬صعب‭ ‬جدا‭. ‬وأدب‭ ‬السينما‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬مقدور‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬أن‭ ‬يكتبه‭. ‬السينما‭ ‬رؤية‭ ‬لدى‭ ‬المؤلف‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يمد‭ ‬يديه‭ ‬إلى‭ ‬الظلام؛‭ ‬لكي‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يريد‭!‬