غباء الملالي... من يدفع الثمن؟ (1)

| سالم الكتبي

تستفيض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الموالية‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وأذرعه‭ ‬الطائفية‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬مكاسب‭ ‬الملالي‭ ‬من‭ ‬إسقاط‭ ‬الطائرة‭ ‬الأميركية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طيار،‭ ‬وتشعر‭ ‬وأنت‭ ‬تقرأ‭ ‬بعض‭ ‬التحليلات‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬يفتقرون‭ ‬إلى‭ ‬أبسط‭ ‬إدراك‭ ‬ووعي‭ ‬بالفوارق‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬مكونات‭ ‬وعناصر‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولا‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معالجات‭ ‬سياسية‭ ‬تحقق‭ ‬لها‭ ‬أقصى‭ ‬مكاسب‭ ‬استراتيجية‭ ‬ممكنة،‭ ‬بل‭ ‬تعتبرها‭ ‬أحياناً‭ ‬فرصة‭ ‬أو‭ ‬منحة‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬كي‭ ‬توظفها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬بعض‭ ‬الأهداف‭ ‬الحيوية،‭ ‬ونتذكر‭ ‬جميعاً‭ ‬كيف‭ ‬استغل‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬حادث‭ ‬إسقاط‭ ‬تركيا‭ ‬طائرة‭ ‬“سوخوي”‭ ‬روسية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مجمل‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬مستغلاً‭ ‬رغبة‭ ‬الأتراك‭ ‬في‭ ‬إرضاء‭ ‬روسيا‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬كي‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬رد‭ ‬عسكري‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحادثة،‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الكثيرين‭ ‬وقتذاك‭ ‬إلى‭ ‬توقع‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬روسي‭ ‬عسكري‭ ‬عنيف،‭ ‬لكن‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬مكاسب‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬انتصار‭ ‬عسكري‭ ‬سريع،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬الحادث‭ ‬لم‭ ‬يسفر‭ ‬عن‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬حيث‭ ‬نجح‭ ‬الطياران‭ ‬الروسيان‭ ‬في‭ ‬الهبوط‭ ‬من‭ ‬الطائرة‭ ‬المحترقة،‭ ‬وبموازاة‭ ‬ذلك‭ ‬هبط‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬الحادث‭ ‬بأنه‭ ‬“طعنة‭ ‬في‭ ‬الظهر‭ ‬من‭ ‬شركاء‭ ‬الإرهابيين”‭ ‬من‭ ‬التلويح‭ ‬بعواقب‭ ‬وخيمة‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وأنقرة،‭ ‬لينتزع‭ ‬من‭ ‬أردوغان‭ ‬ما‭ ‬يريده،‭ ‬بل‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬الوقيعة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬حلف‭ ‬الأطلسي،‭ ‬الذي‭ ‬استغاث‭ ‬به‭ ‬الأتراك‭ ‬عقب‭ ‬حادث‭ ‬إسقاط‭ ‬الطائرة‭ ‬الروسية‭!‬

وبخلاف‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬والنماذج‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬أزمات‭ ‬مشابهة‭ ‬بالطريقة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬ينتهجها‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬حالياً،‭ ‬والتي‭ ‬يعتبرها‭ ‬البعض‭ ‬تردداً،‭ ‬بينما‭ ‬يراها‭ ‬آخرون‭ ‬ضعفا‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬الحرب،‭ ‬علماً‭ ‬أنه‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬محدودة‭ ‬فجر‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضية‭ ‬ثم‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تراجع‭ ‬عن‭ ‬القرار‭ ‬بنفسه‭ ‬عقب‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تتطلب‭ ‬تأجيل‭ ‬الضربة‭ ‬أو‭ ‬إلغاءها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

يدرك‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬والاستراتيجيون‭ ‬الأميركيون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الضربة‭ ‬قد‭ ‬تضع‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬ملالي‭ ‬إيران،‭ ‬وتترك‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬أيديهم‭ ‬وتخرج‭ ‬بقية‭ ‬السيناريوهات‭ ‬من‭ ‬مربع‭ ‬السيطرة‭ ‬الأميركية،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هناك،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬ترامب،‭ ‬فرصة‭ ‬لإخضاع‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬عبر‭ ‬تشديد‭ ‬العقوبات‭ ‬والتريث‭ ‬قليلاً‭ ‬حتى‭ ‬تؤتي‭ ‬أُكلها،‭ ‬وهناك‭ ‬فرصة‭ ‬لاستخدام‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬السرية‭ ‬وخيارات‭ ‬عسكرية‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬الحصار‭ ‬البحري‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬البدائل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتقوض‭ ‬جراء‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬محدودة‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تتوسع‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬اتجاه‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬لتوجيه‭ ‬ضربات‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬جغرافي‭ ‬واسع‭ ‬ضد‭ ‬مصالح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭ ‬الإقليميين‭

 

“لا‭ ‬يدرك‭ ‬أتباع‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬تتعامل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معالجات‭ ‬تحقق‭ ‬لها‭ ‬أقصى‭ ‬مكاسب‭ ‬ممكنة”‭.‬

 

. ‬“إيلاف”‭.‬