الفيلم لا يشوه صورة مصر بل يقدم قصصا حقيقية لأُناس يعيشون معنا

المخرج أبوبكر شوقي: فكرة “يوم الدين” مصدر أمل

| طارق البحّار

نجح‭ ‬المخرج‭ ‬المصري‭ ‬المبدع‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬شوقي‭ ‬في‭ ‬محاولته‭ ‬الإخراجية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ (‬يوم‭ ‬الدين‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يتناول‭ ‬قصة‭ ‬مريض‭ ‬سابق‭ ‬بالجذام‭ ‬يعمل‭ ‬بجمع‭ ‬القمامة‭ ‬التي‭ ‬يعاد‭ ‬تدويرها‭ ‬وبعد‭ ‬وفاة‭ ‬زوجته‭ ‬يقرر‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬جذوره‭ ‬والعودة‭ ‬لأسرته‭ ‬التي‭ ‬لفظته‭ ‬صغيرا‭ ‬وتركته‭ ‬داخل‭ ‬مستعمرة‭ ‬الجذام‭ ‬القديمة‭ ‬فيبدأ‭ ‬رحلة‭ ‬طويلة‭ ‬يصادف‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭ ‬الصعبة‭ ‬والمفارقات‭ ‬بسبب‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬تركها‭ ‬المرض‭ ‬على‭ ‬جسمه‭ ‬ويرافقه‭ ‬في‭ ‬الرحلة‭ ‬طفل‭ ‬يتيم‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬العالم‭ ‬ويخرج‭ ‬من‭ ‬دائرته‭ ‬المغلقة‭.‬

شوقي‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬فيلم‭ ‬لفت‭ ‬الأنظار‭ ‬إليه‭ ‬ووضعه‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المشهد‭ ‬السينمائي‭ ‬المصري‭ ‬والعربي‭ ‬اليوم،‭ ‬ومثل‭ ‬العديد‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬المهرجانات‭ ‬الدولية،‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬التنافس‭ ‬في‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬كان،‭ ‬وإطلاق‭ ‬ترشيحه‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬للاوسكار،‭ ‬وتسلم‭ ‬جائزة‭ (‬أفضل‭ ‬موهبة‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭) ‬من‭ ‬مهرجان‭ ‬الجونة‭ ‬السينمائي،‭ ‬وشارك‭ ‬أيضا‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬بالقاهرة‭ ‬السينمائي،‭ ‬وهناك‭ ‬التقيناه‭ ‬وكان‭ ‬معه‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬الشائق‭:‬

 

حدثنا‭ ‬عن‭ ‬الفيلم‭ ‬أولا؟

تعاملت‭ ‬مع‭ ‬المصابين‭ ‬بمرض‭ ‬الجذام‭ ‬وأنا‭ ‬أدرك‭ ‬تماما‭ ‬خطر‭ ‬اتهامي‭ ‬باستغلالهم‭ ‬في‭ ‬الفيلم،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بدأ‭ ‬معي‭ ‬منذ‭ ‬تقريبا‭ ‬10‭ ‬سنوات،‭ ‬وتحديدا‭ ‬عندما‭ ‬قدمت‭ ‬فيلم‭ ‬“المستعمرة”‭ ‬كمشروع‭ ‬تخرجي‭ ‬من‭ ‬معهد‭ ‬السينما،‭ ‬كان‭ ‬عملًا‭ ‬وثائقيًا‭ ‬قصيرًا‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬هؤلاء‭ ‬البشر‭ ‬المنبوذين،‭ ‬وعندما‭ ‬انتهيت‭ ‬من‭ ‬الفيلم‭ ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬روائي‭ ‬طويل،‭ ‬وطورت‭ ‬المشروع‭ ‬وبدأت‭ ‬كتابته،‭ ‬والحقيقة‭ ‬الثانية‭ ‬أني‭ ‬كنت‭ ‬خائفا‭ ‬نوعا‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬اختياري‭ ‬للممثل‭ ‬راضي‭ ‬جمال‭ ‬لتجسيد‭ ‬دور‭ ‬البطولة؛‭ ‬لأنه‭ ‬عاش‭ ‬تجربة‭ ‬مرض‭ ‬الجذام‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬وهو‭ ‬الأكثر‭ ‬دراية‭ ‬بمشكلاته‭ ‬وأبعاده‭ ‬النفسية‭ ‬الواقعة‭ ‬عليه،‭ ‬لكن‭ ‬بالطبع‭ ‬يخضع‭ ‬لورش‭ ‬في‭ ‬التمثيل‭ ‬والوقوف‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرا‭ ‬لمدة‭ ‬4‭ ‬أشهر،‭ ‬وكان‭ ‬راضيا‭ ‬سعيدا‭ ‬بالفكرة؛‭ ‬لأن‭ ‬عادةً‭ ‬يطلب‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬بلقاءات‭ ‬أو‭ ‬أفلام‭ ‬تسجيلية‭ ‬عنهم،‭ ‬ويتم‭ ‬تصويرهم‭ ‬كما‭ ‬هم،‭ ‬لكن‭ ‬نادرًا‭ ‬عندما‭ ‬يُطلب‭ ‬منهم‭ ‬التمثيل‭.‬

ما‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬واجهتك‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬واضحة‭ ‬عند‭ ‬مشاهدتنا‭ ‬الفيلم؟

كنت‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬صورة‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬فيلم‭ ‬فكرته‭ ‬إنسانية‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تجذب‭ ‬المشاهدة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فأنا‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬الأفلام‭ ‬المصرية‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العالم،‭ ‬ففي‭ ‬فيلم‭ ‬“يوم‭ ‬الدين”‭ ‬نجد‭ ‬بشاي‭ ‬وهو‭ ‬رجل‭ ‬شفي‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬الجذام،‭ ‬ولكنه‭ ‬مازال‭ ‬يحمل‭ ‬آثار‭ ‬المرض‭ ‬بجسده‭ ‬ويعيش‭ ‬في‭ ‬مستعمرة‭ ‬لم‭ ‬يغادرها‭ ‬يوما‭. ‬وبعد‭ ‬وفاة‭ ‬زوجته‭ ‬يقرر‭ ‬بشاي‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬مصر‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬جذوره،‭ ‬فيغادر‭ ‬على‭ ‬حماره‭ ‬بصحبة‭ ‬أوباما‭ ‬الصبي‭ ‬النوبي‭ ‬اليتيم‭ ‬الذي‭ ‬يرفض‭ ‬مفارقته‭ ‬أينما‭ ‬ذهب‭ ‬ويكتشفا‭ ‬سويا‭ ‬الحياة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬ويبحثان‭ ‬عن‭ ‬الانتماء‭ ‬والإنسانية‭.‬

وصدق‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تصدق‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬الاستقرار‭ ‬على‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭ ‬حاولت‭ ‬ضم‭ ‬ممثلين‭ ‬آخرين‭ ‬أكثر‭ ‬احترافا،‭ ‬لكنهم‭ ‬رفضوا‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬فكرة‭ ‬الفيلم‭ ‬غير‭ ‬التقليدية؛‭ ‬ولأنه‭ ‬الفيلم‭ ‬الروائي‭ ‬الأول‭ ‬لي،‭ ‬وأكبر‭ ‬صعوبة‭ ‬واجهتني‭ ‬هي‭ ‬الاستعانة‭ ‬بأشخاص‭ ‬طبيعين‭ ‬للتمثيل‭ ‬في‭ ‬الفيلم،‭ ‬الأمر‭ ‬احتاج‭ ‬تحضيرات‭ ‬أطول‭ ‬وتدريبات‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬خاصة‭ ‬وأنهم‭ ‬واجهوا‭ ‬مشكلات‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬السيناريو،‭ ‬صحيح‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬صعبا،‭ ‬ولكن‭ ‬لولا‭ ‬هذا‭ ‬الاختيار‭ ‬لما‭ ‬نجح‭ ‬الفيلم‭.‬

 

هل‭ ‬استخدمت‭ ‬التصوير‭ ‬في‭ ‬مشاهد‭ ‬حقيقية؟

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬التصوير‭ ‬تم‭ ‬خارج‭ ‬مستعمرة‭ ‬الجُذَام؛‭ ‬بسبب‭ ‬رفض‭ ‬الأهالي‭ ‬هناك‭ ‬وإني‭ ‬استغل‭ ‬مرضهم‭ ‬لنجاحي،‭ ‬رغم‭ ‬محاولاتي‭ ‬لشرح‭ ‬طبيعة‭ ‬الفيلم‭ ‬وحكايته،‭ ‬ربما‭ ‬مخاوفهم‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬قيام‭ ‬أحدًا‭ ‬بتصويرهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬لائقة،‭ ‬ولا‭ ‬تُحافظ‭ ‬على‭ ‬كرامتهم‭ ‬في‭ ‬السابق،فكان‭ ‬التصوير‭ ‬خارجي‭ ‬بين‭ ‬محافظات‭ ‬مختلفة‭ ‬مشابهة‭.‬

لماذا‭ ‬اخترت‭ ‬البطل‭ ‬مسيحي‭ ‬الديانة؟

لو‭ ‬كان‭ ‬البطل‭ ‬مسلمًا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الصورة‭ ‬واضحة‭ ‬حول‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬يعانيه‭ ‬بجانب‭ ‬مرضه؛‭ ‬لأنه‭ ‬حينها‭ ‬سيصبح‭ ‬بلا‭ ‬معنى‭ ‬ربما‭ ‬وبالتحديد‭ ‬أنه‭ ‬فيلم‭ ‬عن‭ ‬الأقليات‭ ‬والأشخاص‭ ‬المنبوذين،‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬وتحديات‭. ‬الهدف‭ ‬الأساس‭ ‬من‭ ‬الفيلم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يعامل‭ ‬الناس‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬لخلفية‭ ‬الشخص‭ ‬أو‭ ‬شكله،‭ ‬بل‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬شخصيتهم‭ ‬فقط‭.‬

كل‭ ‬من‭ ‬سيشاهد‭ ‬الفيلم‭ ‬سيرى‭ ‬مصر‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة‭ ‬ومرضى‭ ‬الجذام‭ ‬بصورة‭ ‬إنسانية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬الدين،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬فيلم‭ ‬يوم‭ ‬الدين‭ ‬لا‭ ‬يتناول‭ ‬الدين‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يظل‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الناس،‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬الدين‭ ‬ووفقا‭ ‬لما‭ ‬يؤمن‭ ‬به‭ ‬الناس‭ ‬سيتساوى‭ ‬الجميع‭ ‬وتتم‭ ‬محاسبتهم‭ ‬على‭ ‬أفعالهم،‭ ‬وليس‭ ‬مظهرهم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يركز‭ ‬عليه‭ ‬الفيلم‭ ‬وكأنه‭ ‬رسالة‭ ‬لكل‭ ‬منبوذ‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬له‭ ‬مكانا‭ ‬فى‭ ‬المجتمع،‭ ‬ويتطلع‭ ‬لذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الذى‭ ‬سيتساوى‭ ‬فيه‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أفضل‭ ‬منه‭ ‬مظهرا‭ ‬أو‭ ‬حالا‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مستوى‭ ‬تدين‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬مصر‭.‬

لماذا‭ ‬اتهمك‭ ‬البعض‭ ‬بتشويه‭ ‬صورة‭ ‬مصر؟

إنها‭ ‬فوبيا‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الخيال،‭ ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬وحدنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬وهذه‭ ‬مخاوف‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬محلها،‭ ‬وفيلمي‭ ‬لا‭ ‬يشوه‭ ‬صورة‭ ‬مصر،‭ ‬بل‭ ‬يقدم‭ ‬قصص‭ ‬أُناس‭ ‬حقيقية‭ ‬تحزن‭ ‬وتفرح‭ ‬وتعاني،‭ ‬قدمت‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬أبطالا‭ ‬معتدين‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬راضين‭ ‬بأحوالهم‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المرض‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يختاروه،‭ ‬لديهم‭ ‬محبة‭ ‬كبيرة‭ ‬للحياة‭ ‬وتفاؤل،‭ ‬نراهم‭ ‬يضحكون‭ ‬ويرقصون‭ ‬ويغنون‭. ‬عم‭ ‬بشاي‭ ‬شخص‭ ‬عاش‭ ‬بالمرض‭ ‬وتعود‭ ‬على‭ ‬معاناته‭ ‬وتقبلها‭ ‬بِرضا،‭ ‬لكن‭ ‬المشكلة‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬حوله‭.‬