المسرح يعتبر لذوي العزيمة حقل تربية مختلف

الصم والبكم يحققون انتصارات وإنجازات على المسرح

| أسامة الماجد

لقد‭ ‬فتح‭ ‬مهرجان‭ ‬جائزة‭ ‬خالد‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬للمسرح‭ ‬الشبابي‭ ‬للأندية‭ ‬الوطنية‭ ‬والمراكز‭ ‬الشبابية‭ ‬ولذوي‭ ‬العزيمة‭ ‬الباب‭ ‬واسعا‭ ‬أمام‭ ‬ذوي‭ ‬العزيمة‭ ‬للإبداع‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬المسرحية‭ ‬وبالفعل‭ ‬أبدعوا‭ ‬وتميزوا‭ ‬وتوسعت‭ ‬مشاركاتهم‭ ‬وبرزوا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأعمال‭ ‬المسرحية‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬المسارح‭ ‬الأهلية‭ ‬التي‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬إشراك‭ ‬هؤلاء‭ ‬المبدعين‭ ‬في‭ ‬مسرحياتها،‭ ‬ونادرا‭ ‬ما‭ ‬ترى‭ ‬مسرحية‭ ‬محلية‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬فيها‭ ‬مبدع‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬العزيمة،‭ ‬فالصم‭ ‬والبكم‭ ‬اليوم،‭ ‬يحققون‭ ‬انتصارات‭ ‬وانجازات‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬تحقيقها‭ ‬الأسوياء،‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬الناقد‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم‭ ‬أن‭ ‬المسرح‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬يمارسه‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬طاقات‭ ‬متعددة،‭ ‬موسيقى،‭ ‬أداء‭ ‬تعبيري،‭ ‬رقص،‭ ‬أداء‭ ‬صامت،‭ ‬إخراج،‭ ‬غناء‭ ‬وغيرها‭. ‬وهذه‭ ‬المشاركات‭ ‬المتعددة‭ ‬مهمة‭ ‬جدا‭ ‬لهذه‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬تثبت‭ ‬إنسانيتها‭ ‬وإبداعاتها‭ ‬عبر‭ ‬المسرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬أخر،‭ ‬فالمسرح‭ ‬يعتبر‭ ‬لذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬حقل‭ ‬تربية‭ ‬مختلف،‭ ‬وسبق‭ ‬وأن‭ ‬حقق‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬جوائز‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الخليجي‭ ‬مثل‭ ‬مسرحية‭ ‬“سلام‭ ‬جابر”‭ ‬التي‭ ‬حصدت‭ ‬أربع‭ ‬جوائز‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬الشارقة‭ ‬المسرحي‭ ‬لذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬سنوات،‭ ‬حيث‭ ‬حصل‭ ‬الفنان‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بوجيري‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬مخرج،‭ ‬وحصلت‭ ‬الفنانة‭ ‬زهرة‭ ‬السباع‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬ممثلة،‭ ‬فيما‭ ‬حصل‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬دراج‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬ممثل‭. ‬وحصل‭ ‬عازف‭ ‬الكمان‭ ‬علي‭ ‬العليوي‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬موسيقي،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬والجوائز‭.‬

 

عموما‭ ‬هناك‭ ‬مواهب‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬بها‭ ‬أبدا،‭ ‬وتستطيع‭ ‬أن‭ ‬تبدع‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التمثيل‭ ‬المسرحي‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬فروع‭ ‬الفن‭ ‬وألا‭ ‬بداع،‭ ‬ولعل‭ ‬أروع‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬تبنى‭ ‬هؤلاء‭ ‬المبدعين‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬المخرج‭ ‬الروسي‭ ‬ليونيد‭ ‬كالينوفسكي،‭ ‬فهذا‭ ‬المخرج‭ ‬الروسي‭ ‬قام‭ ‬بتأسيس‭ ‬فرقة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬للترفيه‭ ‬عن‭ ‬الصم،‭ ‬ولكنه‭ ‬زاد‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬دقة‭ ‬بأن‭ ‬جعل‭ ‬أعضاء‭ ‬تلك‭ ‬الفرقة‭ ‬من‭ ‬الصم‭ ‬أيضا،‭ ‬وتضم‭ ‬هذه‭ ‬الفرقة‭ ‬عشرين‭ ‬ممثلا‭ ‬يقومون‭ ‬بتقديم‭ ‬مختلف‭ ‬الروايات،‭ ‬وقد‭ ‬لاقت‭ ‬الفرقة‭ ‬نجاحا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬تنقلها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مدن‭ ‬روسيا،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الزوار‭ ‬الأجانب،‭ ‬والمشتغلين‭ ‬بالنشاط‭ ‬المسرحي‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬كانوا‭ ‬يطلبون‭ ‬مشاهدة‭ ‬تلك‭ ‬الفرقة‭ ‬أينما‭ ‬كان‭ ‬المسرح‭ ‬الذي‭ ‬تعمل‭ ‬عليه،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬العجيب‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬بعض‭ ‬صحف‭ ‬النقد‭ ‬المسرحي‭ ‬الأوروبية‭ ‬قد‭ ‬أثنت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الفرقة‭ ‬العجيبة‭.‬

ربما‭ ‬يتساءل‭ ‬القارئ‭. ‬وهل‭ ‬تكفي‭ ‬الإيماءات‭ ‬وتعبير‭ ‬الوجه‭ ‬أو‭ ‬اليدين‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬أبعاد‭ ‬المسرحية‭ ‬التي‭ ‬يقام‭ ‬بتمثيلها؟‭ ‬وبعبارة‭ ‬أخرى‭.. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬لإنسان‭ ‬أصم‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬إلى‭ ‬المتفرجين‭ ‬روح‭ ‬الهزل‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬كوميدي؟

لنعلم‭.. ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأصم‭ ‬يقرأ،‭ ‬فهو‭ ‬يستطيع‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬المكتوب،‭ ‬وبعد‭ ‬استيعابه‭ ‬الفكرة‭ ‬المراد‭ ‬تمثيلها‭ ‬يقرأ‭ ‬التعليق‭ ‬القيم‭ ‬الذي‭ ‬يقدمه‭ ‬المشرف‭ ‬على‭ ‬البروفات‭ ‬الأولى،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يسعفه‭ ‬المخرج‭ ‬فتبدع‭ ‬عبقريته‭ ‬إيماءات‭ ‬جديدة‭ ‬وأوضاعا‭ ‬جديدة‭ ‬للوجه،‭ ‬فيها‭ ‬البساطة‭ ‬والدقة‭ ‬معا،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ملقنا‭ ‬يقوم‭ ‬بقراءة‭ ‬فقرات‭ ‬من‭ ‬التمثيلية‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تشرح‭ ‬للمتفرجين‭ ‬فكرة‭ ‬كل‭ ‬مشهد‭ ‬على‭ ‬حده،‭ ‬وفكرة‭ ‬التمثيلية‭ ‬مجتمعة‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الشرح‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬تفسير‭ ‬التمثيلية،‭ ‬وإنما‭ ‬وظيفته‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬الجو‭ ‬العام‭ ‬آو‭ ‬خلفية‭ ‬التمثيلية‭.‬

وانه‭ ‬لشيء‭ ‬جميل‭ ‬أن‭ ‬المتفرجين‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مدن‭ ‬اوكرانيا‭ ‬يهرولون‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬الصم،‭ ‬تاركين‭ ‬المسرح‭ ‬الناطق،‭ ‬ولربما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬روح‭ ‬الفضول،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬يودون‭ ‬مشاهدة‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يعبر‭ ‬بها‭ ‬الصم‭ ‬عن‭ ‬مختلف‭ ‬الأفكار،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬النجاح‭ ‬الدائم‭ ‬لتلك‭ ‬الفرقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬عزوه‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬الفضول،‭ ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬حاسبوا‭ ‬تلك‭ ‬الفرق‭ ‬في‭ ‬نقدهم‭ ‬حسابا‭ ‬عسيرا،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬أثبتت‭ ‬تلك‭ ‬الفرقة‭ ‬صمودها‭.. ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تطورت‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭ ‬على‭ ‬الدوام‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬المبدعون‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬العزيمة‭ ‬يخطون‭ ‬بثبات‭ ‬وحضرت‭ ‬لهم‭ ‬شخصيا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬مسرحي،‭ ‬ونتمنى‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬مسارحنا‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬إشراكهم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭.‬