“صندقة” صغيرة بسطح البيت في مدينة عيسى حولته إلى العالمية

إبداعات السهلاوي تكرس مسيرة الشاب العصامي

| إبراهيم النهام | تصوير رسول الحجيري

قبل‭ ‬عشرين‭ ‬عاما،‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬بقليل،‭ ‬كان‭ ‬للشاب‭ ‬عادل‭ ‬السهلاوي‭ ‬حلم‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬إبداعه‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظفاره‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬المنتوجات‭ ‬الخشبية‭ ‬والجلدية‭ ‬إلى‭ ‬العالمية،‭ ‬فكانت‭ ‬البدايات‭ ‬الصغيرة‭ ‬بغرفة‭ ‬خشبية‭ ‬بسيطة‭ ‬صنعها‭ ‬بنفسه‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬منزل‭ ‬والده‭ ‬بمدينة‭ ‬عيسى‭.‬

ولم‭ ‬تكن‭ ‬الظروف‭ ‬المحيطة‭ ‬به‭ ‬حينها،‭ ‬لا‭ ‬العائلية‭ ‬ولا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬تسعفه‭ ‬لأن‭ ‬يحقق‭ ‬عُشر‭ ‬هذا‭ ‬الحلم،‭ ‬لكنها‭ ‬الإرادة‭ ‬والعزيمة‭ ‬التي‭ ‬نشأ‭ ‬عليها،‭ ‬والتي‭ ‬ميزته‭ ‬عن‭ ‬أقرانه،‭ ‬فكان‭ ‬منذ‭ ‬الوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬مختلفا،‭ ‬ومميزا،‭ ‬وصانعا‭ ‬للجديد‭.‬

بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الجاد،‭ ‬والمجهد،‭ ‬والمضني،‭ ‬والمرهق،‭ ‬استطاع‭ ‬السهلاوي‭ ‬أن‭ ‬يتغلب‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصعاب،‭ ‬فكانت‭ ‬النجاحات‭ ‬بأن‭ ‬شق‭ ‬طريقة‭ ‬بكل‭ ‬اقتدار،‭ ‬وحرفه،‭ ‬بصنعة‭ ‬لا‭ ‬يتقنها‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬إلا‭ ‬هو‭.‬

كيف‭ ‬يحول‭ ‬فتات‭ ‬الخشب،‭ ‬وفتات‭ ‬القماش،‭ ‬والجلديات،‭ ‬إلى‭ ‬حقائب،‭ ‬ومحافظ،‭ ‬وحافظات‭ ‬للهواتف‭ ‬المتنقلة،‭ ‬وأحزمة‭ ‬جميلة،‭ ‬ومعطف‭ ‬جلدية،‭ ‬وقبعات‭ ‬أنيقة،‭ ‬يتهافت‭ ‬عليها‭ ‬السواح‭ ‬قبل‭ ‬غيرهم،‭ ‬بإعجاب‭ ‬ورغبة‭ ‬جامحتين‭.‬

مندوب‭ ‬البلاد‭ ‬التقاه‭ ‬أخيرا‭ ‬في‭ ‬ورشته‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬براحة‭ ‬منزله‭ ‬بمدينة‭ ‬حمد،‭ ‬والتي‭ ‬تخرج‭ ‬منها‭ ‬إبداعاته‭ ‬للعالم،‭ ‬وألقت‭ ‬الضوء‭ ‬سريعا‭ ‬على‭ ‬المتغيرات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬حققها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬تتوجيها‭ ‬بأن‭ ‬أصبح‭ ‬سفيرا‭ ‬للصناعة‭ ‬الحرفية‭ ‬البحرينية‭ ‬بأقطار‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

يقول‭ ‬المصمم‭ ‬السهلاوي‭ ‬“التميز‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬وفقت‭ ‬فيه‭ ‬بأن‭ ‬دمجت‭ ‬الجلد‭ ‬الطبيعي‭ ‬مع‭ ‬منتوجات‭ ‬قماشية‭ ‬متنوعة،‭ ‬كقماش‭ ‬“الغترة‭ ‬الحمراء”؛‭ ‬لإبراز‭ ‬التراث‭ ‬البحريني‭ ‬الأصيل،‭ ‬بجوانبه‭ ‬المضيئة‭ ‬والعميقة‭ ‬واللافتة،‭ ‬كصناعة‭ ‬سروج‭ ‬الخيل،‭ ‬والحقائب،‭ ‬والمعاطف،‭ ‬وبرقع‭ ‬الصقر،‭ ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬حداثية‭ ‬لاقت‭ ‬استحسان‭ ‬الكثيرين،‭ ‬سواحا‭ ‬وبحرينيين‭ ‬وخليجيين،‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬الأقارب‭ ‬والأصدقاء”‭.‬

ويزيد‭ ‬“كما‭ ‬أضفت‭ ‬أخيرا‭ ‬سعف‭ ‬النخيل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الحقائب‭ ‬النسائية،‭ ‬العبايات،‭ ‬الملابس،‭ ‬المباخر،‭ ‬حدوات‭ ‬الخيل،‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يبحثون‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬المنتوجات‭ ‬الحرفية‭ ‬المميزة،‭ ‬والتي‭ ‬تقدم‭ ‬طابع‭ ‬البلد‭ ‬بشكل‭ ‬أنيق،‭ ‬وتكون‭ ‬بالأساس‭ ‬بــ‭ (‬شغل‭ ‬اليد‭)‬”‭.‬

وفي‭ ‬سؤال‭ ‬لـ‭ ‬“البلاد”‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬الخامات‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬ومصدرها،‭ ‬قال‭ ‬“أغلب‭ ‬الخامات‭ ‬من‭ ‬أمريكا،‭ ‬المكسيك،‭ ‬تايلند‭ ‬ومصر،‭ ‬وأغلى‭ ‬الخامات‭ ‬هي‭ ‬جلد‭ ‬الغزال،‭ ‬حيث‭ ‬تصل‭ ‬القطعة‭ (‬المتر‭ ‬المربع‭) ‬قرابة‭ ‬المئة‭ ‬وعشرين‭ ‬دينارا،‭ ‬هنالك‭ ‬أيضا‭ ‬جلود‭ ‬التماسيح،‭ ‬والبقر،‭ ‬وبعض‭ ‬القطع‭ ‬الكريمة،‭ ‬والتي‭ ‬أُطعم‭ ‬بها‭ ‬الطلبيات‭ ‬الخاصة”‭.‬

وعن‭ ‬أهم‭ ‬أعماله‭ ‬يقول‭ ‬“سروج‭ ‬الخيل‭ ‬هي‭ ‬أهمها،‭ ‬وأكثرها‭ ‬جهدا‭ ‬ووقتا‭ ‬وإبداعا‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬ولقد‭ ‬قمت‭ ‬مسبقا‭ ‬بصناعة‭ ‬سرجين،‭ ‬أحدهما‭ ‬لسمو‭ ‬الشيخ‭ ‬ناصر‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬والآخر‭ ‬لسمو‭ ‬الشيخ‭ ‬خالد‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬استغرقا‭ ‬مني‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬لكل‭ ‬منهما”‭.‬

واللافت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أعمال‭ ‬المصمم‭ ‬السهلاوي،‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يتخلص‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬الجلود‭ ‬والقطع‭ ‬الخشبية،‭ ‬والتي‭ ‬تكون‭ ‬مخلفات‭ ‬لأعماله‭ ‬وإبداعاته،‭ ‬وعن‭ ‬ذلك‭ ‬يقول‭ ‬لــ‭ ‬“البلاد”‭: ‬“لا‭ ‬أرمي‭ ‬القطع‭ ‬المتبقية،‭ ‬وأنما‭ ‬أدخلها‭ ‬كجوانب‭ ‬تجميلية‭ ‬في‭ ‬الحقائب‭ ‬والميداليات‭ ‬والمعاطف‭ ‬الجلدية،‭ ‬الأمر‭ ‬يرتبط‭ ‬هنا‭ ‬بمقدرة‭ ‬المصمم،‭ ‬وبالزاوية‭ ‬التي‭ ‬ينظر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬للعمل‭ ‬نفسه”‭.‬

ويضيف‭ ‬“في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مشاركاتي‭ ‬العالمية،‭ ‬كان‭ ‬هنالك‭ ‬إقبال‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬صنيعة‭ ‬بقايا‭ ‬القطعة،‭ ‬أو‭ ‬بقايا‭ ‬المخلفات‭ ‬كما‭ ‬يقولون،‭ ‬ومنها‭ ‬من‭ ‬فازت‭ ‬بمسابقات‭ ‬للمصممين‭ ‬والمبدعين”‭.‬

وعن‭ ‬أهم‭ ‬زبائنه‭ ‬يقول‭ ‬“السواد‭ ‬الأعظم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والشباب‭ ‬والذين‭ ‬يطلبون‭ ‬طلبات‭ ‬محددة‭ ‬أغلبها‭ ‬قمصان‭ ‬ومعاطف‭ ‬وحقائب،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬الجنسيات،‭ ‬فالأغلب‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬بأنني‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬بالبحرين”‭.‬

ويتابع‭ ‬السهلاوي‭ ‬“لاقت‭ ‬موهبتي‭ ‬التقدير‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬هيئة‭ ‬السياحة‭ ‬والمعارض،‭ ‬وهيئة‭ ‬الثقافة‭ ‬والآثار،‭ ‬واللذين‭ ‬فتحا‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬الأخيرة‭ ‬الأبواب‭ ‬على‭ ‬مصراعيها‭ ‬لتمثيل‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬المعارض‭ ‬الحرفية‭ ‬العربية‭ ‬والدولية،‭ ‬منها‭ ‬مشاركاتي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬تونس،‭ ‬عمان،‭ ‬باكستان،‭ ‬مصر،‭ ‬وغيرها”‭.‬

ويقول‭ ‬“كما‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬مشاركة‭ ‬بالعيد‭ ‬الوطني‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬بقصر‭ ‬الملكة‭ ‬اليزابيث،‭ ‬وبحضور‭ ‬سفير‭ ‬البحرين‭ ‬هنالك‭ ‬الشيخ‭ ‬فواز‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬والذي‭ ‬قدم‭ ‬لي‭ ‬مشكورا‭ ‬كل‭ ‬الدعم‭ ‬الممكن،‭ ‬ولقد‭ ‬لاقت‭ ‬مشاركتي‭ ‬بتوفيق‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬إعجاب‭ ‬الحضور‭ ‬وإبهارهم”‭.‬

وعن‭ ‬أهم‭ ‬إنجازاته‭ ‬الإقليمية‭ ‬الدولية،‭ ‬يعلق‭ ‬السهلاوي‭ ‬“مشاركاتي‭ ‬في‭ ‬المعارض‭ ‬الدولية‭ ‬مستمرة‭ ‬لا‭ ‬تتوقف،‭ ‬وعملي‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬البحرينية،‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬توجت‭ ‬به‭ ‬أخيراً‭ ‬بـ‭ (‬الوسام‭ ‬الأزرق‭) ‬كأفضل‭ ‬مشروع‭ ‬يدوي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بمعرض‭ (‬ميكر‭ ‬فير‭) ‬بالكويت‭ ‬بفبراير‭ ‬الماضي،‭ ‬ولقد‭ ‬فزت‭ ‬بالجائزة‭ ‬ذاتها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بشهر‭ ‬مارس‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬دبي”‭.‬

ويردف‭ ‬“بعد‭ ‬هذا‭ ‬المشوار‭ ‬الطويل‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬والتطوير‭ ‬والعمل‭ ‬الشاق،‭ ‬تحولت‭ ‬أخيرا‭ ‬نحو‭ ‬مرحلة‭ ‬تعليم‭ ‬الشباب‭ ‬والنشأة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬لمفاهيم‭ ‬هذه‭ ‬الحرفة‭ ‬الإبداعية،‭ ‬وتدريبهم،‭ ‬وغرس‭ ‬مداخيل‭ ‬الحرفة‭ ‬بهم،‭ ‬ولكي‭ ‬يكونوا‭ ‬موهوبين‭ ‬بصنعة‭ ‬تميزهم،‭ ‬يستطيعون‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يخدموا‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وبلدهم‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء”‭.‬