السندات سلاح ذو حدين في يد الصين وألمانيا

الدين العام الأميركي في مرمى “الحرب التجارية”

| برلين - الشرق الاوسط

تعاظمت‭ ‬شدّة‭ ‬الصدام‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬أعطى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترمب،‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لفرض‭ ‬ضرائب‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬المنتجات‭ ‬الصينية،‭ ‬تبين‭ ‬للجميع‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬قد‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭.‬

وتعتبر‭ ‬الصين‭ ‬سوية‭ ‬مع‭ ‬ألمانيا‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأكثر‭ ‬تحسساً‭ ‬حيال‭ ‬المستجدات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬القادمة‭. ‬ويجمع‭ ‬الخبراء‭ ‬الألمان‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬اللعبة‭ ‬الحقيقية‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬ضرائب‭ ‬جمركية‭ ‬أميركية‭ ‬على‭ ‬الفول‭ ‬الصويا‭ ‬والسيارات‭ ‬والكومبيوترات‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬يأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬الدور‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬الدين‭ ‬الأميركي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬شراء‭ ‬أذون‭ ‬الخزينة‭ ‬والسندات‭ ‬الأميركية‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬تقول‭ ‬الخبيرة‭ ‬الألمانية‭ ‬ميلاني‭ ‬كروغ،‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الشؤون‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ببرلين،‭ ‬إن‭ ‬كميات‭ ‬سندات‭ ‬الخزينة‭ ‬الأميركية‭ ‬الموجودة‭ ‬بحوزة‭ ‬الصين‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬ألمانيا،‭ ‬“هائلة”‭. ‬وفي‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لعبت‭ ‬حكومة‭ ‬بكين‭ ‬دوراً‭ ‬طليعياً‭ ‬في‭ ‬إفشال‭ ‬عمليتين‭ ‬لبيع‭ ‬أذون‭ ‬الخزينة‭ ‬الأميركية‭.‬

وعلى‭ ‬لائحة‭ ‬الدول‭ ‬المتضررة‭ ‬اقتصادياً‭ ‬ومالياً‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬الأميركية،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الصين‭ ‬وألمانيا‭ ‬حليفتان‭ ‬وراء‭ ‬المتراس‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬تستعد‭ ‬الدول‭ ‬المتضررة‭ ‬للقيام‭ ‬بمناورات‭ ‬واسعة‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬العام،‭ ‬ونسب‭ ‬الفوائد‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭.‬

وتضيف‭ ‬كروغ‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬شراء‭ ‬أذون‭ ‬الخزينة‭ ‬الأميركية‭ ‬كانت‭ ‬ترسو‭ ‬أسبوعياً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬3‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭. ‬لكنها‭ ‬تراجعت‭ ‬مؤخراً‭ ‬بمعدل‭ ‬670‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬“مما‭ ‬ولّد‭ ‬جواً‭ ‬من‭ ‬التشنج‭ ‬لدى‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية”‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تقود‭ ‬الائتلاف‭ ‬الدولي‭ ‬المموّل‭ ‬للدين‭ ‬الأميركي‭. ‬كما‭ ‬تعتبر‭ ‬حكومة‭ ‬بكين‭ ‬المموّل‭ ‬الرئيسي‭ ‬لسياسة‭ ‬سدّ‭ ‬العجز‭ ‬لدى‭ ‬حكومة‭ ‬واشنطن‭. ‬وكلما‭ ‬ضغطت‭ ‬حكومة‭ ‬واشنطن‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬على‭ ‬عصب‭ ‬الصدام‭ ‬التجاري‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬كلما‭ ‬قلّلت‭ ‬حكومة‭ ‬بكين‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬شراء‭ ‬أذون‭ ‬الخزينة‭ ‬الأميركية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬علم‭ ‬أحد،‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأميركي‭ ‬ووزارة‭ ‬الخزينة‭ ‬الأميركية‭.‬

وتابعت‭: ‬“خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬شهري‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬وفبراير‭ ‬2019،‭ ‬قلّصت‭ ‬الصين‭ ‬شراء‭ ‬أذون‭ ‬الخزينة‭ ‬الأميركية‭ ‬من‭ ‬1176‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬إجماليه‭ ‬1130‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬وبين‭ ‬شهري‭ ‬مارس‭ ‬وأبريل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬حذت‭ ‬ألمانيا‭ ‬حذو‭ ‬الصين،‭ ‬حيث‭ ‬قلصت‭ ‬حكومة‭ ‬برلين‭ ‬شراء‭ ‬هذه‭ ‬الأذون‭ ‬بنحو‭ ‬500‭ ‬مليون‭ ‬يورو‭ ‬شهرياً”‭.‬

وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬تراجع‭ ‬شراء‭ ‬أذون‭ ‬الخزينة‭ ‬الأميركية‭ ‬دولياً،‭ ‬إما‭ ‬إلى‭ ‬تفجير‭ ‬التوتر‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬التجاري،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الأخيرة‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬جعلت‭ ‬المعادلة‭ ‬بين‭ ‬العجز‭ ‬العام‭ ‬والناتج‭ ‬القومي‭ ‬الأميركي‭ ‬تقفز‭ ‬إلى‭ ‬سقف‭ ‬تاريخي،‭ ‬رسا‭ ‬على‭ ‬4‭.‬5‭ %‬،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تهدئة‭ ‬الأمور‭. ‬فتمويل‭ ‬الدين‭ ‬الأميركي‭ ‬بتكلفة‭ ‬منخفضة‭ ‬لا‭ ‬مهرب‭ ‬منه‭. ‬

في‭ ‬سياق‭ ‬متصل،‭ ‬تشير‭ ‬الخبيرة‭ ‬لاورا‭ ‬شرودر‭ ‬في‭ ‬مصرف‭ ‬“كوميرس‭ ‬بنك”،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المصارف‭ ‬المركزية‭ ‬الدولية‭ ‬كانت‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬بائعي‭ ‬أذون‭ ‬الخزينة‭ ‬الأميركية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2015‭. ‬وللآن‭ ‬تخلصت‭ ‬هذه‭ ‬المصارف‭ ‬مما‭ ‬معدله‭ ‬19‭ ‬‭% ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأذون‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تواصل‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأذون‭ ‬بمعدل‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬لكل‭ ‬عملية‭ ‬بيع،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬بعد‭ ‬خطراً‭ ‬مباشراً‭ ‬على‭ ‬أمنها‭ ‬المالي‭. ‬