تحرير‭ ‬الفاو‭ ‬وثأر‭ ‬إيران‭ ‬المؤجل‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭ (‬1‭)‬

| مصطفى القرة داغي

استذكر‭ ‬العراقيون‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬الذكرى‭ ‬الـ31‭ ‬لتحرير‭ ‬مدينة‭ ‬الفاو‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإيراني‭ ‬لأراضيها،‭ ‬والذي‭ ‬دام‭ ‬لعامين‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬الثمانينات،‭ ‬ففي‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬لفجر‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬أبريل‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬شنّت‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬هجوماً‭ ‬كاسحاً،‭ ‬حققت‭ ‬بموجبه‭ ‬تقدماً‭ ‬سريعاً‭ ‬وتفوقا‭ ‬ميدانياً‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬الفاو،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬الإخلال‭ ‬بالتوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للقوات‭ ‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الجبهة،‭ ‬اضطرت‭ ‬القيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬بموجبه‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬القبول‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭.‬

يومها‭ ‬تجَرّع‭ ‬الخميني‭ ‬أول‭ ‬وأقوى‭ ‬جرعات‭ ‬السم‭ ‬الذي‭ ‬أجبره‭ ‬صاغراً‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬العام،‭ ‬ويومها‭ ‬تلقى‭ ‬مشروع‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬الظلامية‭ ‬ضربة‭ ‬قاصمة‭ ‬لن‭ ‬تنساهـا‭ ‬إيران،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬سقطت‭ ‬الدولة‭ ‬الظلامية،‭ ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬انتقمت‭ ‬لذلك‭ ‬اليوم‭ ‬بتدمير‭ ‬العـراق‭ ‬وإسقاطه‭ ‬من‭ ‬الخريطة‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬ولاية‭ ‬تابعة‭ ‬لهـا،‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬منه،‭ ‬هو‭ ‬انتقام‭ ‬وثأر‭ ‬لتلك‭ ‬الأيام‭ ‬والأحداث،‭ ‬وفي‭ ‬جزئه‭ ‬الآخر‭ ‬تحصيل‭ ‬حاصل‭ ‬لمحاولة‭ ‬إعادة‭ ‬أمجاد‭ ‬امبراطورية‭ ‬بائدة‭ ‬أكل‭ ‬عليها‭ ‬الدهر‭ ‬وشرب‭ ‬بعناوين‭ ‬دينية‭ ‬وطائفية‭.‬

لا‭ ‬يختلف‭ ‬اثنان‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬النصر‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬تحرير‭ ‬الفاو‭ ‬تحقق‭ ‬أولاً‭ ‬بسَواعد‭ ‬ودِماء‭ ‬وهِمّة‭ ‬وتضحيات‭ ‬العراقيين،‭ ‬جميع‭ ‬العراقيين،‭ ‬فقد‭ ‬سالت‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬واختلطت‭ ‬دماء‭ ‬عباس‭ ‬وهيوا‭ ‬ومروان‭ ‬وحنا،‭ ‬يوم‭ ‬كانوا‭ ‬يتشاركون‭ ‬جميعا‭ ‬سواتر‭ ‬جبهات‭ ‬القتال‭ ‬وخنادقها،‭ ‬يجمعهم‭ ‬هدف‭ ‬وطني‭ ‬واحد،‭ ‬ولا‭ ‬تفرقهم‭ ‬الانتماءات‭ ‬الفرعية‭ ‬المختلفة،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لهذا‭ ‬النصر‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬خلفه‭ ‬إرادة‭ ‬دولية،‭ ‬عربية‭ ‬وغربية،‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬للحرب‭ ‬أن‭ ‬تنتهي،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يحظ‭ ‬العراق‭ ‬يومها‭ ‬بدعم‭ ‬حلفائه‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الشقيقة‭ ‬والصديقة‭. ‬فقد‭ ‬تسربت‭ ‬حينها‭ ‬أخبار،‭ ‬لم‭ ‬يؤكدها‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬ينفها‭ ‬أحد‭ ‬بأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬قد‭ ‬زودت‭ ‬العراق،‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬وسيط،‭ ‬بصور‭ ‬أقمار‭ ‬صناعية‭ ‬توضح‭ ‬مواقع‭ ‬تمركز‭ ‬القوات‭ ‬الإيرانية،‭ ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬ذكر‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬المشير‭ ‬محمد‭ ‬عبدالحليم‭ ‬أبوغزالة‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬المصري‭ ‬آنذاك،‭ ‬الذي‭ ‬عرف‭ ‬بخبرته‭ ‬العسكرية‭ ‬الواسعة،‭ ‬في‭ ‬تزويد‭ ‬القيادة‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تربطه‭ ‬بها‭ ‬علاقة‭ ‬خاصة‭ ‬بالمعلومات‭ ‬اللوجستية‭ ‬وتقديم‭ ‬المشورة‭ ‬لها‭ ‬حول‭ ‬الخطط‭ ‬والتوقيتات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالعملية‭.‬

يقول‭ ‬المثل‭ ‬“ليس‭ ‬هناك‭ ‬دخان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬نار”‭ ‬لذا‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تصح‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأخبار،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جميعها‭ ‬غير‭ ‬صحيحة،‭ ‬وإن‭ ‬صحت‭ ‬فهي‭ ‬بكل‭ ‬الأحوال‭ ‬ليست‭ ‬عيباً‭ ‬ولا‭ ‬سُبّة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬إذ‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬للحلفاء‭ ‬مثلاً‭ ‬أن‭ ‬ينتصروا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يتعاونوا‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬ويتشاركوا‭ ‬المعلومات،‭ ‬وقد‭ ‬تجَسّدهذا‭ ‬الأمر‭ ‬مثلاً‭ ‬بصورة‭ ‬جلية‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬نبتون‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬قوات‭ ‬أميركية‭ ‬وكندية‭ ‬وبريطانية‭ ‬لتحرير‭ ‬شواطئ‭ ‬النورماندي‭ ‬الفرنسية‭ ‬ومجمل‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوروبية‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬النازي‭. ‬“إيلاف”‭.‬