القراران يقوضان حرية المحامين ويفشيان أسرار الموكلين

الحربي: “غسل الأموال” و“تمويل الإرهاب” غير دستوري

| عباس إبراهيم

قال‭ ‬المحامي‭ ‬حمد‭ ‬الحربي‭ ‬إنه‭ ‬تقدم‭ ‬باسمه‭ ‬وباعتباره‭ ‬وكيلا‭ ‬عن‭ ‬محاميتين‭ ‬تعملان‭ ‬معه،‭ ‬بدعوى‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬الإدارية‭ ‬بلائحة‭ ‬دعوى‭ ‬طلب‭ ‬فيها‭ ‬إلغاء‭ ‬القرار‭ ‬رقم‭ ‬64‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬بشأن‭ ‬الالتزامات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بإجراءات‭ ‬حظْر‭ ‬ومكافحة‭ ‬غسْل‭ ‬الأموال‭ ‬وتمويل‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة،‭ ‬والقرار‭ ‬رقم‭ ‬20‭ ‬لسنة‭ ‬2019‭ ‬بشأن‭ ‬إصدار‭ ‬المبادئ‭ ‬التوجيهية‭ ‬الخاصة‭ ‬بإجراءات‭ ‬حظْر‭ ‬ومكافحة‭ ‬غسْل‭ ‬الأموال،‭ ‬والمرفوعة‭ ‬ضد‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬وكذلك‭ ‬منفذ‭ ‬القرار‭ ‬المسجل‭ ‬العام‭ ‬بالإنابة؛‭ ‬وذلك‭ ‬لوجود‭ ‬عدة‭ ‬شبهات‭ ‬دستورية‭ ‬بالقرارين،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأنها‭ ‬ستقوض‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬المحامي‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬الترافع‭ ‬عن‭ ‬المتهمين‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬الجنائية‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬القرارين‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كونهم‭ ‬معرضين‭ ‬للمسائلة‭ ‬بتهمة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬مشبوهة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬جعلهم‭ ‬تابعين‭ ‬لوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬وإفشاء‭ ‬أسرار‭ ‬موكليهم‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حصانتهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬وفقا‭ ‬لقانون‭ ‬المحاماة‭.‬

وقررت‭ ‬المحكمة‭ ‬الكبرى‭ ‬المدنية‭ ‬الأولى‭ (‬الدائرة‭ ‬الإدارية‭) ‬تأجيل‭ ‬الدعوى‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬لجلسة‭ ‬6‭ ‬مايو‭ ‬المقبل؛‭ ‬وذلك‭ ‬لرد‭ ‬ممثل‭ ‬جهاز‭ ‬قضايا‭ ‬الدولة،‭ ‬مع‭ ‬تقديم‭ ‬مذكرة‭ ‬شارحة‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬لائحة‭ ‬الدعوى‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬12‭ ‬من‭ ‬المرسوم‭ ‬بقانون‭ ‬رقم‭ ‬4‭ ‬لسنة‭ ‬2001‭ ‬بشأن‭ ‬حظر‭ ‬ومكافحة‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭ ‬وتعديلاته،‭ ‬والتي‭ ‬أستند‭ ‬عليها‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬القرارين‭ ‬محل‭ ‬الطعن‭ ‬جاءت‭ ‬أحكامها‭ ‬ونصوصها‭ ‬صريحة‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬الحصر‭ ‬في‭ ‬أحقية‭ ‬إصدار‭ ‬اللوائح‭ ‬والقرارات‭ ‬بشأنه‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬وزيري‭ ‬المالية‭ ‬والداخلية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬القرارين‭ ‬محل‭ ‬الطعن‭ ‬الصادرين‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬صادرين‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬الصفة‭ ‬القانونية‭ ‬لإصدارهما‭ ‬وتنفيذهما‭ ‬من‭ ‬المدعى‭ ‬عليه‭ ‬الثاني‭.‬

وذكر‭ ‬أن‭ ‬القرارين‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬معيبين‭ ‬ومخالفين‭ ‬لأحكام‭ ‬القانون‭ ‬فضلا‭ ‬عما‭ ‬يشوبهما‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الدستورية،‭ ‬لمخالفتهما‭ ‬أحكام‭ ‬قانون‭ ‬المحاماة،‭ ‬والتي‭ ‬تمنع‭ ‬المحامين‭ ‬من‭ ‬إفشاء‭ ‬أسرار‭ ‬موكليهم‭ ‬ولو‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬وكالتهم،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬للمحامي‭ ‬الشهادة‭ ‬في‭ ‬نزاع‭ ‬وكل‭ ‬أو‭ ‬أستشير‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أذن‭ ‬له‭ ‬موكله‭ ‬كتابة،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬نصوص‭ ‬القرارين‭ ‬وأحكامهما‭ ‬مخالفة‭ ‬ومتعارضة‭ ‬جوهريا‭ ‬مع‭ ‬نصوص‭ ‬وأحكام‭ ‬قانون‭ ‬المحاماة‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يفقده‭ ‬المشروعية‭ ‬القانونية‭ ‬مما‭ ‬يتعين‭ ‬معه‭ ‬الحكم‭ ‬بإلغائهما‭.‬

كما‭ ‬لفت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القرارين‭ ‬قد‭ ‬نالا‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬المحامي‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬مهنته‭ ‬بحرية،‭ ‬وفرض‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تابعا‭ ‬لوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬الإفشاء‭ ‬بأسرار‭ ‬موكليه،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬قانون‭ ‬المحاماة‭ ‬حصن‭ ‬المحامي‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الإفشاء‭ ‬بالأسرار‭ ‬المهنية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬الأول‭ ‬أوجب‭ ‬على‭ ‬المحامين‭ ‬إبلاغ‭ ‬وحدة‭ ‬المتابعة‭ ‬بوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬عن‭ ‬مجرد‭ ‬معلومات‭ ‬لم‭ ‬ترق‭ ‬إلى‭ ‬جريمة‭ ‬ولا‭ ‬تشكلها،‭ ‬مما‭ ‬ينال‭ ‬حقا‭ ‬من‭ ‬استقلالية‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬استقلال‭ ‬القضاء‭ ‬كونهما‭ ‬متلازمان‭ ‬لإقامة‭ ‬العدل‭.‬

وأوضح‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القبول‭ ‬بأن‭ ‬المحامي‭ ‬يؤخذ‭ ‬بجريرة‭ ‬موكليه،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تضمنه‭ ‬القرارين‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬سوف‭ ‬تجعل‭ ‬المحامي‭ ‬مراقب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أعماله‭ ‬معرضا‭ ‬للخوف‭ ‬والتهديد‭ ‬والملاحقة‭ ‬القانونية‭ ‬والعقوبات‭ ‬الجنائية‭ ‬والإدارية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينال‭ ‬من‭ ‬جوهر‭ ‬حق‭ ‬ممارسة‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬في‭ ‬استقلاليه‭ ‬تامة‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬ورقابتها‭ ‬عليه‭.‬

ودفع‭ ‬بأن‭ ‬تقاضي‭ ‬المحامي‭ ‬أية‭ ‬أتعاب‭ ‬من‭ ‬موكله‭ ‬سواء‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بإعطاء‭ ‬استشارة‭ ‬أو‭ ‬الترافع‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬جريمة‭ ‬غسل‭ ‬أموال‭ ‬أو‭ ‬تمويل‭ ‬إرهاب‭ ‬يجعل‭ ‬منه‭ ‬شريكا‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬لتحصله‭ ‬على‭ ‬أتعاب‭ ‬مصدرها‭ ‬عمل‭ ‬مشبوه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمنع‭ ‬قيام‭ ‬المحامين‭ ‬بالترافع‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭ ‬أو‭ ‬تمويل‭ ‬الإرهاب‭ ‬للشك‭ ‬في‭ ‬مصدر‭ ‬الأتعاب،‭ ‬وذلك‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬المادة‭ (‬20‭) ‬من‭ ‬الدستور،‭ ‬والتي‭ ‬أوجبت‭ ‬توافر‭ ‬محام‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬متهم‭ ‬بجناية‭ ‬لضمان‭ ‬حرية‭ ‬الدفاع،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬القراران‭ ‬الطعينان‭ ‬مشوبان‭ ‬بعدم‭ ‬الدستورية‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وجه،‭ ‬وأنه‭ ‬سيبديها‭ ‬خلال‭ ‬نظر‭ ‬الدعوى‭.‬

وقال‭ ‬إن‭ ‬القرار‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬اختصاصات‭ ‬مكتب‭ ‬المسجل‭ ‬العام‭ ‬قيدا‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬ممارسة‭ ‬المحامي‭ ‬لمهنته‭ ‬عند‭ ‬منحه‭ ‬حق‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المكاتب،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬سند‭ ‬قانوني‭ ‬يعطى‭ ‬الحق‭ ‬للمسجل‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬تفتيش‭ ‬مكاتب‭ ‬المحاماة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬تفتيشها‭ ‬إلا‭ ‬بإذن‭ ‬من‭ ‬القضاء‭.‬

وأضاف‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬وجهها‭ ‬لهيئة‭ ‬المحكمة‭ ‬أن‭ ‬هذان‭ ‬القراران‭ ‬يمسا‭ ‬صراحة‭ ‬بمهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬بصفتها‭ ‬ويمس‭ ‬الموكل‭ ‬بشخصه،‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬لجأوا‭ ‬لهذا‭ ‬الطعن‭ ‬لضرره‭ ‬في‭ ‬شخصهم‭ ‬وصفتهم،‭ ‬بوصفه‭ ‬تدخلا‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬المحامين‭ ‬الخاصة،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬نشر‭ ‬أو‭ ‬إعلان‭ ‬ما‭ ‬بعلاقته‭ ‬مع‭ ‬موكليه‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬مالية‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬شخصية‭ ‬أمام‭ ‬الملأ‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬جهة‭ ‬رسمية،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬محرمة‭ ‬بنص‭ ‬الدستور‭ ‬وقانون‭ ‬المحاماة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القراران‭ ‬سيؤثران‭ ‬مستقبلا‭ ‬كل‭ ‬باحث‭ ‬ومستشار‭ ‬قانوني‭ ‬وقاض‭ ‬بأضرار‭ ‬مادية‭ ‬ومعنوية‭ ‬إن‭ ‬امتهنا‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭.‬

وانتهى‭ ‬إلى‭ ‬الطلب‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬بصفة‭ ‬احتياطية‭ ‬لدفع‭ ‬الضرر‭ ‬وقف‭ ‬تنفيذ‭ ‬الحكم‭ ‬القرارين‭ ‬الطعينين،‭ ‬لعدم‭ ‬مشروعيتهما‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬آثار،‭ ‬والتصريح‭ ‬للمدعين‭ ‬برفع‭ ‬دعوى‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬خلال‭ ‬المدة‭ ‬القانونية‭ ‬بعدم‭ ‬دستورية‭ ‬القرارين،‭ ‬وفي‭ ‬موضوع‭ ‬الدعوى‭ ‬الحكم‭ ‬بإلغاء‭ ‬القرارين‭ ‬المذكورين‭ ‬وما‭ ‬يتبعهما‭ ‬من‭ ‬تعاميم‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬والمرسلة‭ ‬برسائل‭ ‬نصية‭ ‬من‭ ‬المدعى‭ ‬عليه‭ ‬الثاني‭ ‬لكافة‭ ‬المحامين‭.‬