سواق الأجرة البحرينيون يعبرون عن مخاوفهم من “النظام المرن” ومنافسة الأجانب “غير القانونية”

عشرات الأجانب “يتكِّسون”.. وأوضاعنا تزداد سوءًا

| سعيد محمد من المنامة ومدينة عيسى

امتلأت‭ ‬السيارة‭ ‬الصغيرة‭ ‬بالركاب‭.. ‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬إن‭ ‬جلس‭ ‬أحدهما‭ ‬فوق‭ ‬الآخر،‭ ‬وفي‭ ‬المقعد‭ ‬المجاور‭ ‬للسائق،‭ ‬لا‭ ‬مشكلة‭ ‬إن‭ ‬جلس‭ ‬راكب،‭ ‬وجلس‭ ‬فوقه‭ ‬راكب‭ ‬آخره‭ ‬نصفه‭ ‬في‭ ‬السيارة‭ ‬والنصف‭ ‬الآخرة‭ ‬خارج‭ ‬النافذة‭! ‬وعندما‭ ‬تتحرك‭ ‬المركبة،‭ ‬تشاهدها‭ ‬من‭ ‬الخلف،‭ ‬وهي‭ ‬تسير‭ ‬وكأنها‭ ‬بلا‭ ‬إطارات‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬الحمولة‭. ‬

أيدينا‭.. ‬مكتوفة

ثمة‭ ‬مشاهد‭ ‬التقطتها‭ ‬كاميرا‭ ‬“البلاد”‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الأجانب،‭ ‬ولاسيما‭ ‬الآسيويين‭ ‬منهم،‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬سياراتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬لنقل‭ ‬الركاب،‭ ‬وهذه‭ ‬“المشكلة”‭ ‬ليست‭ ‬حديثة،‭ ‬بل‭ ‬مستمرة‭ ‬منذ‭ ‬سنين،‭ ‬فيما‭ ‬سواق‭ ‬الأجرة‭ ‬البحرينيون‭ ‬يقفون‭ ‬مكتوفي‭ ‬الأيدي‭ ‬حيال‭ ‬هذه‭ ‬المنافسة‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬بشكلها‭ ‬الفوضوي،‭ ‬والتي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬مدخولهم‭ ‬الذين‭ ‬يعيلون‭ ‬منه‭ ‬أسرهم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭.. ‬هنا‭ ‬بعض‭ ‬المشاهد‭:‬

‭* ‬المشهد‭ ‬الأول‭: ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬جامع‭ ‬المهزع‭ ‬بالمنامة،‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬مشاهدة‭ ‬آسيوي‭ ‬أوقف‭ ‬سيارته‭ ‬ليعرض‭ ‬خدماته‭ ‬على‭ ‬الركاب،‭ ‬وربما‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬معروفًا‭ ‬لدى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوافدين‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬من‭ ‬المنامة‭ ‬إلى‭ ‬إي‭ ‬جهة‭ ‬في‭ ‬البلد‭. ‬السيارة‭ ‬صغيرة،‭ ‬لكن‭ ‬بالإمكان‭ ‬نقل‭ ‬5‭ ‬إلى‭ ‬6‭ ‬ركاب‭.. ‬“موشكيل‭ ‬نهي‭.. ‬لا‭ ‬مشكلة”‭.‬

خطوط‭ ‬السير‭.. ‬محددة

‭* ‬المشهد‭ ‬الثاني‭: ‬شارع‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬المنامة‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬موقع‭ ‬نشط‭ ‬للآسيويين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الركاب‭. ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬“ميني‭ ‬باص‭.. ‬حافلة‭ ‬صغيرة”‭ ‬تتوقف‭ ‬في‭ ‬نقطة‭ ‬معينة،‭ ‬ليجتمع‭ ‬حولها‭ ‬الركاب‭... ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬خط‭ ‬السير‭ ‬محددا‭ ‬نحو‭ ‬المحرق،‭ ‬أو‭ ‬نحو‭ ‬شارع‭ ‬البديع،‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬خط‭ ‬يسير‭ ‬من‭ ‬المنامة‭ ‬إلى‭ ‬الرفاع‭ ‬مرورا‭ ‬بمدينة‭ ‬عيسى‭.‬

الشغل‭ ‬مو‭ ‬مثل‭ ‬أول

‭* ‬المشهد‭ ‬الثالث‭: ‬العديد‭ ‬من‭ ‬سيارات‭ ‬الأجرة‭ ‬“البيك‭ ‬أب”‭ ‬للبحرينيين‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬سوق‭ ‬المنامة،‭ ‬لكن‭ ‬الصورة‭ ‬هنا‭ ‬ليست‭ ‬نشطة‭ ‬كما‭ ‬هناك،‭ ‬فمعظم‭ ‬السواق‭ ‬يتحلقون‭ ‬حول‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬سوالف‭ ‬لحين‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬“العبري‭.. ‬الراكب”‭.. ‬الشغل‭ ‬مو‭ ‬مثل‭ ‬أول‭ ‬يا‭ ‬ولدي‭.. ‬وحين‭ ‬تتحدث‭ ‬مع‭ ‬السواق،‭ ‬فإنك‭ ‬ستكون‭ ‬أمام‭ ‬ذات‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬فوضى‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬وسيارات‭ ‬الأجرة،‭ ‬واليوم،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬سيارات‭ ‬نقل‭ ‬الركاب‭ ‬غير‭ ‬المرخصة‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬الوافدون،‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الوضع‭ ‬أكثر‭ ‬سوءًا،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬جمعية‭ ‬سواق‭ ‬سيارات‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬البحرينية‭ ‬ضبطت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوافدين‭ ‬ينقلون‭ ‬الركاب‭ ‬بحجة‭ ‬استخدام‭ ‬“تطبيق‭ ‬سيارات‭ ‬الأجرة”،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التطبيق‭ ‬ليس‭ ‬مفتوحًا‭ ‬للجميع‭. ‬إنه‭ ‬للسواق‭ ‬المرخصين‭ ‬من‭ ‬البحرينيين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬وفق‭ ‬النظام‭ ‬والقانون‭ ‬والعداد‭ ‬المعتمد،‭ ‬بل‭ ‬ولدى‭ ‬الجمعية‭ ‬صور‭ ‬للمخالفين‭ ‬والأماكن‭ ‬التي‭ ‬يعملون‭ ‬فيها،‭ ‬والشكوى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للمرور،‭ ‬ومع‭ ‬الوعود‭ ‬المتكررة‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭.. ‬تراوح‭ ‬المشكلة‭ ‬مكانها‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬أيضًا‭.‬

لم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التهاون؟

ويتساءل‭ ‬سائق‭ ‬الأجرة‭ ‬يوسف‭ ‬عتيق‭ :‬”لماذا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التهاون‭ ‬مع‭ ‬مشكلة‭ ‬الوافدين‭ ‬المخالفين؟”،‭ ‬فنحن‭ ‬طالبنا‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬بوضع‭ ‬حد‭ ‬لمنافستهم‭ ‬لنا،‭ ‬نجد‭ ‬أعدادهم‭ ‬تتضاعف‭ ‬عام‭ ‬بعد‭ ‬عام،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬أصبح‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬سيارات‭ ‬جديدة‭. ‬نعم‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬“يتكس”‭ ‬بسيارته‭ ‬القديمة‭ ‬أو‭ ‬البيك‭ ‬أب،‭ ‬لكننا‭ ‬نجد‭ ‬أحيانا‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬يستخدم‭ ‬حتى‭ ‬سيارات‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬سيارات‭ ‬المنزل‭ ‬الذي‭ ‬يخدمه‭ ‬وينقل‭ ‬الركاب،‭ ‬ويتفق‭ ‬صادق‭ ‬الليث‭ ‬مع‭ ‬الرأي‭ ‬القائل‭ ‬إن‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬تستطيع‭ ‬حل‭ ‬المشكلة،‭ ‬فيقول‭ :‬”ليست‭ ‬هناك‭ ‬مشكلة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الدولة‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجهة‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬لي‭ ‬شخصيًا‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للمرور‭ ‬بالمشكلة”‭.‬

ويشير‭ ‬سائق‭ ‬الأجرة‭ ‬أحمد‭ ‬عبدالحسين‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬مشكلة‭ ‬منافسة‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة‭ ‬التي‭ ‬كلما‭ ‬ازدادت‭ ‬توجهت‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المهن‭ ‬التي‭ ‬تنافس‭ ‬البحرينيين،‭ ‬فما‭ ‬عسانا‭ ‬نفعل؟‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نستطيع‭ ‬فعله‭ ‬هو‭ ‬مواصلة‭ ‬عملنا‭ ‬ونسعى‭ ‬للقمة‭ ‬العيش،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬الوضع‭ ‬سيئ‭ ‬جدًا‭.‬

“نحن‭ ‬كأصحاب‭ ‬سيارات‭ ‬أجرة‭ ‬بحرينيين‭ ‬نعمل‭ ‬من‭ ‬السادسة‭ ‬حتى‭ ‬العاشرة‭ ‬صباحًا،‭ ‬وقد‭ ‬نخرج‭ ‬براكب‭ ‬واحد‭ ‬بدينار‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬نبقى‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الركاب،‭ ‬وقد‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬بلا‭ ‬مدخول”‭. ‬هكذا‭ ‬تحدث‭ ‬السائق‭ ‬محمد‭ ‬عبدالله‭ ‬أبو‭ ‬رائد‭ ‬ليضيف‭: ‬“هناك‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬يأتون‭ ‬إلى‭ ‬المحطة‭ ‬ويقومون‭ ‬بالاتصال‭ ‬بمن‭ ‬يعرفونهم‭ ‬من‭ ‬الآسيويين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الركاب،‭ ‬وفي‭ ‬مدينة‭ ‬عيسى‭ ‬يقفون‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬أسواق‭ ‬المنتزه،‭ ‬فنحن‭ ‬ننقل‭ ‬الركاب‭ ‬بدينارين،‭ ‬وهم‭ ‬ينقلونه‭ ‬بدينار‭ ‬واحد”‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬التحرك‭ ‬المطلوب،‭ ‬فيختصره‭ ‬أبو‭ ‬رائد‭ ‬بالقول‭: ‬“هناك‭ ‬قوانين‭ ‬مطبقة،‭ ‬فالعمل‭ ‬في‭ ‬سيارات‭ ‬الأجرة‭ ‬تلزمنا‭ ‬كسواق‭ ‬بالترخيص‭ ‬والعداد‭ ‬وغيرها،‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حملات‭ ‬ضبط‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬المخالفين‭ ‬لارتدع‭ ‬البقية‭. ‬نحن‭ ‬نعيل‭ ‬عوائل‭ ‬وأرزاقنا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬التي‭ ‬تأثرت‭ ‬كثيرًا،‭ ‬والشكوى‭ ‬لله”‭.‬

ويلفت‭ ‬سواق‭ ‬الأجرة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬صرامة‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون،‭ ‬فالسائق‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬ضبطه‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الركاب‭ ‬بلا‭ ‬ترخيص‭ ‬يتم‭ ‬ضبطه‭ ‬ومحاسبته‭ ‬قانونيًا،‭ ‬والمطلوب‭ ‬اليوم‭ ‬تكرار‭ ‬هذه‭ ‬الحملات‭ ‬بشكل‭ ‬دوري؛‭ ‬لضبط‭ ‬المخالفين‭ ‬وتنظيم‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭.‬