الشللية والتحيز سبّبا تأخر المسرح البحريني

مبارك خميس: مسلسلات الخليجية أصبحت “تافهة”

| أسامة الماجد

يرى‭ ‬الفنان‭ ‬البحريني‭ ‬القدير‭ ‬مبارك‭ ‬خميس‭ ‬أن‭ ‬المسرح‭ ‬اليوم‭ ‬أصبح‭ ‬تجاريًّا‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يطرح‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬المواطن،‭ ‬فهو‭ ‬كفنان‭ ‬صاحب‭ ‬تاريخ‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬المسرح‭ ‬الذي‭ ‬يرفعه‭ ‬وليس‭ ‬المسرح‭ ‬الذي‭ ‬يسقطه‭. ‬كما‭ ‬بيّن‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ممثلين‭ ‬وممثلات‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أبجديات‭ ‬التمثيل،‭ ‬ولكن‭ ‬بسبب‭ ‬“الجمال”‭ ‬نجدهم‭ ‬في‭ ‬أدوار‭ ‬البطولة‭ ‬في‭ ‬المسلسلات‭ ‬الخليجية،‭ ‬والمنتجون‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬الربح‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الجودة‭ ‬والرسالة‭ ‬الهادفة‭. ‬“البلاد”‭ ‬التقت‭ ‬بالفنان‭ ‬خميس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬عواصف‭ ‬من‭ ‬الصراحة‭.‬

 

‭ ‬ما‭ ‬جديدك؟

مشاركتي‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬“حكايات‭ ‬ابن‭ ‬الحداد”‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬أحمد‭ ‬الكوهجي‭ ‬وإخراج‭ ‬يوسف‭ ‬الكوهجي،‭ ‬وهو‭ ‬عمل‭ ‬تراثي‭ ‬فانتازي‭ ‬وقد‭ ‬أعجبت‭ ‬به‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬أهمها‭ ‬أنه‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬إسقاطات‭ ‬على‭ ‬واقعنا‭ ‬مثل‭ ‬الانتخابات‭ ‬وحقوق‭ ‬المرأة‭ ‬ومختلف‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬يتناولها‭ ‬المسلسل‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭. ‬والجميل‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬أيضًا‭ ‬مشاركة‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬البحرينيين،‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬الفنان‭ ‬الصديق‭ ‬إبراهيم‭ ‬بحر‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬صوّر‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬المشاهد‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬إلى‭ ‬الرفيق‭ ‬الأعلى‭. ‬

 

ما‭ ‬الذي‭ ‬ينقص‭ ‬الساحة‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬البحرين؟‭ ‬

‭ ‬ينقصها‭ ‬الدعم‭ ‬والتشجيع‭ ‬والاهتمام،‭ ‬فبدون‭ ‬الدعم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستمرار‭ ‬ولا‭ ‬التميز،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الفني‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭. ‬الفن‭ ‬كالثقافة‭ ‬واجهة‭ ‬البلد‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬دعم‭ ‬كاف‭. ‬

 

هل‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬الشللية؟‭ ‬

نعم‭..‬الشللية‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬ساحتنا‭ ‬الفنية‭ ‬وهي‭ ‬سبب‭ ‬تأخر‭ ‬المسرح،‭ ‬تجدها‭ ‬منتشرة‭ ‬بصورة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬التلفزيونية‭. ‬فكل‭ ‬جماعة‭ ‬تنحاز‭ ‬إلى‭ ‬مسرحها‭ ‬ولا‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬المسارح‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهذا‭ ‬خطأ‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬القبول‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الفن،‭ ‬وهذا‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تأخرنا‭ ‬مسرحيًّا‭ ‬بحيث‭ ‬أصبحنا‭ ‬نعيد‭ ‬ونكرّر‭ ‬نفس‭ ‬الوجوه‭ ‬التي‭ ‬تعتلي‭ ‬الخشبة،‭ ‬وكل‭ ‬مسرح‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬تطعيم‭ ‬أعماله‭ ‬ببعض‭ ‬الوجوه‭ ‬من‭ ‬المسارح‭ ‬الأخرى‭.‬

كما‭ ‬أصبح‭ ‬اتجاه‭ ‬المسرح‭ ‬اليوم‭ ‬تجاريًّا‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يطرح‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬المواطن،‭ ‬باستثناء‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬في‭ ‬المهرجانات‭ ‬المسرحية،‭ ‬حيث‭ ‬اللجان‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬الاختيار،‭ ‬وحتى‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬يقبل‭ ‬عليها‭ ‬المشاهد‭ ‬العادي،‭ ‬فهي‭ ‬أعمال‭ ‬تقدم‭ ‬للنخبة‭ ‬وينتهي‭ ‬عمرها‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬المهرجان‭. ‬عكس‭ ‬مسرحيات‭ ‬“زمان”‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعرض‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬أسبوعين‭ ‬والحضور‭ ‬الجماهيري‭ ‬يملأ‭ ‬الصالة‭. ‬

أتذكر‭ ‬عندما‭ ‬قدمنا‭ ‬مسرحيتي‭ ‬“افا‭ ‬يا‭ ‬عبيد”‭ ‬و”خميس‭ ‬وجمعة”‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الفترة‭ ‬تقريبًا،‭ ‬امتلأت‭ ‬الصالة‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيها‭ ‬ولأيام‭ ‬طويلة،‭ ‬حتى‭ ‬أننا‭ ‬استقبلنا‭ ‬جمهورًا‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬فالعروض‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬والإقبال‭ ‬الجماهيري‭ ‬لا‭ ‬يوصف،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬مسرحيات‭ ‬اليوم؟‭ ‬

 

عمل‭ ‬تعتز‭ ‬به‭.‬

هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬منهم‭.. ‬مسلسل‭ ‬“سرور”‭ ‬ومسلسل‭ ‬“سعدون”‭ ‬ومسلسل‭ ‬“السديم”‭ ‬ومسلسل‭ ‬“الفجر‭ ‬المستحيل”‭ ‬وغيرها‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭ ‬استطعت‭ ‬أن‭ ‬أترك‭ ‬بصمة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬المشاهد‭ ‬يتذكرها‭. ‬

‭ ‬أين‭ ‬أنت‭ ‬من‭ ‬المسرح؟

بدايتي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬المسرح،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أشاهده‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬عروض‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬المسرح‭ ‬الذي‭ ‬أعرفه‭ ‬وأطمح‭ ‬إليه‭. ‬فأنا‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬المسرح‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬هدفًا‭ ‬وقضية‭ ‬ويكون‭ ‬مفيدًا‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬عرض‭ ‬خال‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬معنى‭. ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬المسرح‭ ‬الذي‭ ‬يرفعني‭ ‬وليس‭ ‬المسرح‭ ‬الذي‭ ‬يسقطني،‭ ‬فتجربة‭ ‬40‭ ‬سنة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أضحي‭ ‬بها‭ ‬بالوقوف‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬للتهريج‭. ‬

 

ما‭ ‬نصيحتك‭ ‬للشباب؟

لقد‭ ‬تغير‭ ‬الزمن‭ ‬وعلى‭ ‬الشباب‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬يحفر‭ ‬في‭ ‬الصخر‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يعشق‭ ‬الفن‭ ‬والمسرح‭ ‬عمومًا‭. ‬عليهم‭ ‬بالصبر‭ ‬علّ‭ ‬وعسى‭ ‬يتغير‭ ‬اتجاه‭ ‬البوصلة‭ ‬ويحصلون‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬والتشجيع‭. ‬

 

حسب‭ ‬وجهة‭ ‬نطري‭... ‬معظم‭ ‬المسلسلات‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬الآن‭ ‬“تافهة”‭ ‬ولا‭ ‬جودة‭ ‬مطلقًا‭. ‬تكرار‭ ‬نفس‭ ‬القضايا‭ ‬وتصنع‭ ‬ممثلين‭.. ‬فما‭ ‬رأيك؟

نعم‭ ‬أتفق‭ ‬معك‭ ‬وبقوة،‭ ‬المسلسلات‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬اليوم‭ ‬تافهة،‭ ‬وكلها‭ ‬تقدم‭ ‬نفس‭ ‬القضية‭ ‬وبنفس‭ ‬الإطار‭ ‬الممل،‭ ‬وهناك‭ ‬تمطيط‭ ‬في‭ ‬المشاهد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ملء‭ ‬الفراغ‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الجودة،‭ ‬وهذا‭ ‬شيء‭ ‬طبيعي‭ ‬كون‭ ‬المنتج‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الربح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سعيه‭ ‬لتقديم‭ ‬رسالة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والمشاركة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المجتمع‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬فرض‭ ‬ممثلين‭ ‬وممثلات‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أبجديات‭ ‬التمثيل‭ ‬ولكن‭ ‬بسبب‭ ‬“الجمال”‭ ‬نجدهم‭ ‬في‭ ‬أدوار‭ ‬البطولة‭... ‬ممثلة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالتمثيل‭ ‬نجدها‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬بطولة‭ ‬والسبب‭ ‬“شكلها‭ ‬حلو”‭... ‬إنها‭ ‬مأساة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معنى‭.‬

 

هل‭ ‬أنت‭ ‬راض‭ ‬عن‭ ‬رحلتك‭ ‬الفنية‭ ‬الطويلة؟

الحمد‭ ‬لله‭ ‬راض‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬المطبّات‭ ‬والتعرجات،‭ ‬والأعمال‭ ‬التي‭ ‬أعتز‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬ندمت‭ ‬عليها‭. ‬وخلال‭ ‬مسيرتي‭ ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬أنني‭ ‬قدمت‭ ‬عملاً‭ ‬هابطًا‭ ‬وكل‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬تقمصتها‭ ‬قدمت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬يود‭ ‬توصيلها‭ ‬المؤلف‭. ‬

 

‭ ‬هل‭ ‬الفنان‭ ‬الخليجي‭ ‬مثقف‭ ‬ويعرف‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬قضايا؟‭ ‬

ليس‭ ‬الجميع‭ ‬وبعضهم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬فنان‭. ‬وقلة‭ ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬الثقافة‭ ‬والمعرفة‭ ‬والإلمام‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬حوله‭. ‬هناك‭ ‬أشخاص‭ ‬لا‭ ‬تناقش‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تعرفه‭ ‬هو‭ ‬قراءة‭ ‬النص‭ ‬والتحدث‭ ‬عن‭ ‬الأجر‭ ‬فقط‭. ‬أشخاص‭ ‬تحفظ‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬ولا‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬الشخصيات‭ ‬ودورها‭ ‬والعلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬ولا‭ ‬“تدري”‭ ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬المسلسل‭. ‬

 

أمنيتك‭.‬

الدعم‭ ‬والتشجيع‭ ‬والاهتمام،‭ ‬خاصة‭ ‬والبحرين‭ ‬معروفة‭ ‬بقوة‭ ‬فنانيها‭ ‬وهذا‭ ‬الكلام‭ ‬سمعته‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬إخواننا‭ ‬الفنانين‭ ‬الخليجيين‭ ‬الذين‭ ‬قالوا‭ ‬لي‭ ‬بالحرف‭ ‬“انتو‭ ‬في‭ ‬التمثيل‭ ‬أحسن‭ ‬منا”‭.‬