رحم الله أباهيثم

إن‭ ‬العين‭ ‬لتدمع‭ ‬وإن‭ ‬القلب‭ ‬ليحزن‭ ‬على‭ ‬فقدان‭ ‬من‭ ‬أحببناهم‭ ‬وتبادلنا‭ ‬معهم‭ ‬الودّ‭ ‬والمحبّة،‭ ‬جمعنا‭ ‬معهم‭ ‬العمل‭ ‬والإخلاص‭ ‬للوطن،‭ ‬وعرفنا‭ ‬عنهم‭ ‬التفاني‭ ‬والعزم‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بواجبهم‭. ‬

اقتربنا‭ ‬منهم‭ ‬كثيرًا‭ ‬حتى‭ ‬كانوا‭ ‬كما‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬الأخ‭ ‬الذي‭ ‬يحيط‭ ‬من‭ ‬يتعامل‭ ‬معه‭ ‬بالرعاية‭ ‬والاحترام‭ ‬والتقدير‭. ‬تابعنا‭ ‬جهده‭ ‬وحضوره‭ ‬فكان‭ ‬كالشّامة‭ ‬في‭ ‬تميّزه‭ ‬بين‭ ‬أقرانه،‭ ‬صادقًا‭ ‬في‭ ‬مواقفه،‭ ‬بارًّا‭ ‬بقسَمِه‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أبوهيثم،‭ ‬النائب‭ ‬السابق‭ ‬حسن‭ ‬سالم‭ ‬الدوسري،‭ ‬الذي‭ ‬وقفنا‭ ‬مع‭ ‬جموع‭ ‬غفيرة‭ ‬من‭ ‬محبيه‭ ‬ظُهر‭ ‬الخميس‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬مقبرة‭ ‬البديع‭ ‬نهيل‭ ‬التراب‭ ‬ونضع‭ ‬الطوب‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اختطفه‭ ‬الموت‭ ‬وأجاب‭ ‬داعيه‭ ‬بلا‭ ‬موعد‭ ‬وبلا‭ ‬وداع،‭ ‬وتركنا‭ ‬نحن‭ ‬أبناء‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬وفي‭ ‬عيوننا‭ ‬عبرة‭ ‬وقلوبنا‭ ‬تغصّ‭ ‬بالألم‭ ‬على‭ ‬رحيله،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬قضاء‭ ‬الله‭ ‬وقدره،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬حال‭ ‬دنيانا‭ ‬الفانية،‭ ‬من‭ ‬جاء‭ ‬أجله‭ ‬رحل‭ ‬وتركنا‭ ‬بحزننا‭ ‬لعلنا‭ ‬نعتبر‭ ‬وندرك‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬نُصلح‭ ‬دار‭ ‬مقامنا‭ ‬ومقرّنا‭ ‬إذا‭ ‬حان‭ ‬أجلنا‭. ‬

ولا‭ ‬نقول‭ ‬إلا‭ ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬أباهيثم،‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬النبيل‭ ‬الذي‭ ‬تشرفت‭ ‬بالعمل‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬الفصلين‭ ‬التشريعيين‭ ‬الثاني‭ ‬والثالث‭ (‬2006‭ - ‬2014‭) ‬فكان‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الأعمدة‭ ‬والقامات‭ ‬النيابية‭ ‬التي‭ ‬يُشار‭ ‬إليها‭ ‬بالبنان؛‭ ‬لما‭ ‬يمتلكه‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬جعلته‭ ‬قريبًا‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬النواب‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬كتلهم‭ ‬وانتماءاتهم‭. ‬بل‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬“الدينامو”‭ ‬الذي‭ ‬يتحمّل‭ ‬جلّ‭ ‬الجهد‭ ‬والتفاوض‭ ‬المطلوب‭ ‬داخل‭ ‬اللجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬للنواب،‭ ‬وهي‭ ‬لجنة‭ ‬كانت‭ ‬ترتب‭ ‬أولويات‭ ‬عمل‭ ‬النواب‭ ‬وتتدارس‭ ‬اختلافاتهم‭ ‬وتوحد‭ ‬جهودهم‭ ‬ومواقفهم،‭ ‬فكانت‭ ‬لها‭ ‬ثمارها‭ ‬الطيبة‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ثم‭ ‬حرص‭ ‬عدد‭ ‬ليس‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬السادة‭ ‬النواب‭ ‬على‭ ‬نجاحها‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬أبوهيثم‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭).‬

ذكريات‭ ‬جميلة‭ ‬وأثيرة‭ ‬أستحضرها‭ ‬الآن‭ ‬وتمرّ‭ ‬سراعًا‭ ‬على‭ ‬مخيلتي‭ ‬رسمت‭ ‬شخصية‭ ‬“حسن‭ ‬سالم”،‭ ‬وهو‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يطلقه‭ ‬عليه‭ ‬الوالد‭ ‬الفاضل‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬الظهراني‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬آنذاك،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يكنّ‭ ‬لأبي‭ ‬هيثم‭ ‬محبة‭ ‬وودّا‭ ‬كبيرين‭ ‬ويحفظ‭ ‬له‭ ‬قدْره‭ ‬ويميّزه‭ ‬بمكانة‭ ‬بحيث‭ ‬يصعب‭ ‬أن‭ ‬يتواجد‭ ‬“بومحمد”‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬معه‭ ‬فيها‭ ‬أبوهيثم‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭). ‬كان‭ ‬إذا‭ ‬حصلت‭ ‬مشكلة‭ ‬بين‭ ‬نوّاب‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬لجان،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬أبوهيثم‭ ‬مبعوث‭ ‬“بومحمد”‭ ‬أو‭ ‬المكلّف‭ ‬من‭ ‬جهته‭ ‬لبحثها‭ ‬وتهدئتها‭ ‬ومعالجتها‭. ‬وكان‭ ‬الظهراني‭ ‬يحرص،‭ ‬عند‭ ‬استقباله‭ ‬ضيوفه‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬البرلمانات‭ ‬خاصة‭ ‬الخليجية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬معه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬أهمهم‭ ‬الشيخ‭ ‬عادل‭ ‬المعاودة‭ ‬وعبدالله‭ ‬بن‭ ‬حويل‭ ‬وحسن‭ ‬سالم‭ ‬الدوسري‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يملك‭ ‬“كاريزما”‭ ‬جعلته‭ ‬كبيرًا‭ ‬بين‭ ‬النواب‭ ‬ومرجعًا‭ ‬لهم؛‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬كثيرين‭ ‬كانوا‭ ‬يتوقعونه‭ ‬ويتمنونه‭ ‬خلفًا‭ ‬للظهراني‭ ‬في‭ ‬رئاسة‭ ‬المجلس‭ ‬النيابي‭.‬

كان‭ ‬أبوهيثم‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭) ‬عضوًا‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬المرافق‭ ‬العامة‭ ‬والبيئة‭ ‬ثم‭ ‬رئيسًا‭ ‬لها‭ ‬بالتزكية‭ ‬لسنوات‭ ‬عدّة،‭ ‬لم‭ ‬يتقدّم‭ ‬عليه‭ ‬أحد‭ ‬لمنافسته؛‭ ‬تقديرًا‭ ‬لمكانته‭ ‬وإنجازه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللجنة‭ ‬التي‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬تحتوي‭ ‬في‭ ‬أضابيرها‭ ‬النسبة‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬المحالة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬اللجان‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬يتبقى‭ ‬في‭ ‬جعبتها‭ ‬أي‭ ‬موضوع‭ ‬عند‭ ‬انتهاء‭ ‬دور‭ ‬الانعقاد‭.‬

كان‭ ‬حسن‭ ‬سالم‭ ‬الدوسري‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭) ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬النواب‭ ‬اهتمامًا‭ ‬بالخدمات‭ ‬البلدية‭ - ‬ربما‭ ‬بسبب‭ ‬عمله‭ ‬السابق‭ ‬مديرًا‭ ‬عامًا‭ ‬لبلدية‭ ‬المنامة‭ - ‬فقد‭ ‬أشبعها‭ ‬اقتراحات‭ ‬وتعديلات‭ ‬على‭ ‬قوانينها‭. ‬تواضعه‭ ‬وحرصه‭ ‬على‭ ‬الإنجاز‭ ‬كان‭ ‬طبعًا‭ ‬غالبًا‭ ‬عنده،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬يمنعه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إبداء‭ ‬أي‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اسمه‭ ‬أوّل‭ ‬الأسماء‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الاقتراحات‭ ‬التي‭ ‬هو‭ ‬يقدّمها‭ ‬أو‭ ‬صاحب‭ ‬فكرتها‭.‬

حالة‭ ‬الالتزام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عند‭ ‬“بوهيثم”‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ - ‬ربما‭ - ‬عند‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬النواب،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬طوال‭ ‬عضويته‭ ‬في‭ ‬الفصلين‭ ‬التشريعيين‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬النواب‭ ‬الذين‭ ‬يحضرون‭ ‬الجلسات‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هو‭ ‬الأوّل‭ ‬بالفعل‭. ‬لم‭ ‬يتغيّر‭ ‬هذا‭ ‬الالتزام‭ - ‬الذي‭ ‬يدلّ‭ ‬على‭ ‬مقدار‭ ‬حرص‭ ‬وانضباط‭ - ‬حتى‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬أثناء‭ ‬الأحداث‭ ‬المؤسفة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬منطقته‭ ‬في‭ ‬البديّع‭ ‬غير‭ ‬آبه‭ ‬بأية‭ ‬محاذير‭ ‬قد‭ ‬تمنعه‭ ‬أو‭ ‬تعرّضه‭ ‬لخطر‭ ‬حينذاك‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬ديدنه‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭) ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬المجلس‭ ‬ولجانه‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬تسجيل‭ ‬أي‭ ‬غياب‭ ‬له‭ ‬فيها‭.‬

حتى‭ ‬السفر‭ ‬والمشاركات‭ ‬الخارجية،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬أبوهيثم‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭) ‬بها‭ ‬كثيرًا؛‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬مكان‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬الخارج‭. ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يختر‭ ‬للعضوية‭ ‬في‭ ‬الاتحادات‭ ‬أو‭ ‬اللجان‭ ‬البرلمانية‭ ‬الإقليمية‭ ‬أو‭ ‬الدولية‭ ‬إلا‭ ‬الاتحاد‭ ‬البرلماني‭ ‬الكشفي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يجتمع‭ ‬إلا‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬العام‭.‬

أما‭ ‬علاقته‭ ‬بموظفي‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة‭ ‬للمجلس،‭ ‬فلربما‭ ‬لا‭ ‬نبالغ‭ ‬إن‭ ‬قلنا‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬قريبًا‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬كان‭ ‬يتظلّمون‭ ‬عنده‭ ‬أو‭ ‬يطلبون‭ ‬منه‭ ‬مساعدتهم‭. ‬بل‭ ‬يُحسب‭ ‬لأبي‭ ‬هيثم‭ ‬أنه‭ ‬ضمن‭ ‬الأوائل‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬لجان‭ ‬المجلس‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بتكريم‭ ‬موظفي‭ ‬لجانهم‭ ‬من‭ ‬خاصّة‭ ‬أموالهم‭ ‬تقديرًا‭ ‬وعرفانًا‭ ‬بدور‭ ‬الموظفين‭.‬

لا‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أنسى‭ ‬هنا‭ ‬مكالمته‭ ‬العزيزة‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬قبل‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬حينما‭ ‬وصله‭ ‬العلم‭ ‬بتقاعدي،‭ ‬إذ‭ ‬أعرب‭ ‬عن‭ ‬حزنه‭ ‬واعتراضه‭ ‬مستغربًا‭ ‬خروج‭ ‬“ذاكرة‭ ‬المجلس”‭ ‬وهو‭ ‬الوصف‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬“يطرينيط‭ ‬به‭ ‬إبّان‭ ‬عضويته‭ ‬في‭ ‬المجلس‭.‬

رحم‭ ‬الله‭ ‬أباهيثم‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جنانه‭ ‬وألهم‭ ‬أهله‭ ‬وذويه‭ ‬الصبر‭ ‬والسلوان‭. ‬إنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون‭.‬

جمال‭ ‬جاسم‭ ‬زويد‭ ‬

الأمين‭ ‬العام‭ ‬المساعد‭ ‬للجان‭ ‬والجلسات‭ ‬والبحوث‭ ‬القائم‭ ‬بأعمال‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لمجلس‭ ‬النواب‭ ‬سابقًا