من الذاكرة: فيلم “بس يا بحر” في الأوسكار

| طارق البحار

ربما‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬او‭ ‬نسيت‭ ‬عزيز‭ ‬القارئ‭ ‬ان‭ ‬فيلم‭ ‬“بس‭ ‬يا‭ ‬بحر”‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬انتاجه‭ ‬عام‭ ‬1972‭ ‬يعتبر‭ ‬أول‭ ‬فيلم‭ ‬كويتي‭ ‬سينمائي‭ ‬وأول‭ ‬فيلم‭ ‬كويتي‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬القصيرة‭ ‬للترشح‭ ‬للأوسكار‭ ‬كأفضل‭ ‬فيلم‭ ‬أجنبي،‭ ‬وفاز‭ ‬بجائزة‭ ‬النقاد‭ ‬بمهرجان‭ ‬فينيسيا‭ ‬الدولي‭ ‬وجائزة‭ ‬“هوغو‭ ‬الفضي”‭ ‬بمهرجان‭ ‬شيكاغو‭ ‬العالمي‭. ‬ويعتبر‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬ذلك‭ ‬انجازا‭ ‬كويتيا‭ ‬خليجيا‭ ‬عربيا‭ ‬لفيلم‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الاثناء‭.‬

الفيلم‭ ‬يقدم‭ ‬صورة‭ ‬واقعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مصائر‭ ‬صيادي‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬الثلاثينات‭ ‬والأربعينات‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬البحر‭ ‬وغدره‭ ‬ومهنة‭ ‬الغوص‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬ومخاطرها،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬اخراج‭ ‬المبدع‭ ‬خالد‭ ‬الصديق،‭ ‬وعُرض‭ ‬عربيا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬السينما‭ ‬العربية‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬أُقيم‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1972‭ ‬وعقد‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬“السينما‭ ‬البديلة”‭ ‬وشكّل‭ ‬عرض‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬مفاجأة‭ ‬لجمهور‭ ‬المهرجان‭ ‬وخاصة‭ ‬للسينمائيين‭ ‬والنقاد،‭ ‬ليس‭ ‬فقد‭ ‬بسبب‭ ‬قوة‭ ‬إخراجه‭ ‬ومضمونه‭ ‬الواقعي‭ ‬العميق‭ ‬حيث‭ ‬عبّر‭ ‬بوضوح‭ ‬عن‭ ‬شعار‭ ‬المهرجان‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬لسينما‭ ‬بديلة‭ ‬عن‭ ‬السينما‭ ‬العربية‭ ‬التجارية‭ ‬السائدة،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬لأنه‭ ‬يجيء‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬إنتاج‭ ‬الأفلام‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وفاز‭ ‬الفيلم‭ ‬بجائزة‭ ‬المهرجان‭ ‬الأولى،‭ ‬كما‭ ‬جرى‭ ‬ترشيح‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬لجائزة‭ ‬الأوسكار‭ ‬لأفضل‭ ‬فيلم‭ ‬ناطق‭ ‬بلغة‭ ‬أجنبية‭.‬

قصة‭ ‬الفيلم‭ ‬ببساطة‭ ‬عن‭ ‬صياد‭ ‬لؤلؤ‭ ‬عجوز‭ ‬شلت‭ ‬ذراعه‭ ‬نتيجة‭ ‬تعرضه‭ ‬لهجوم‭ ‬سمكة‭ ‬مفترسة،‭ ‬يعترض‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬ابنه‭ ‬الشاب‭ ‬مسعود‭ ‬بأن‭ ‬يمارس‭ ‬مهنة‭ ‬صيد‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬خوفا‭ ‬على‭ ‬حياته،‭ ‬لكن‭ ‬حاجته‭ ‬لسداد‭ ‬ديونه‭ ‬وأقاويل‭ ‬الناس‭ ‬التي‭ ‬تلاحقه‭ ‬بشأن‭ ‬بقاء‭ ‬ابنه‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬كما‭ ‬النساء،‭ ‬وضغوط‭ ‬أصحاب‭ ‬زوارق‭ ‬الصيد‭ ‬تجبره‭ ‬على‭ ‬السماح‭ ‬لابنه‭ ‬بصيد‭ ‬اللؤلؤ‭. ‬ينطلق‭ ‬الابن‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬رحلة‭ ‬صيد‭ ‬لؤلؤ‭ ‬له،‭ ‬لكنه‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬منها‭ ‬إذ‭ ‬سيموت‭ ‬نتيجة‭ ‬هجوم‭ ‬سمكة‭ ‬مفترسة‭ ‬عليه،‭ ‬لينتهي‭ ‬الفيلم‭ ‬بوالدة‭ ‬مسعود‭ ‬وهي‭ ‬تصرخ‭ ‬مفجوعة،‭ ‬وسط‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يقدم‭ ‬الفيلم‭ ‬التفاصيل‭ ‬الدقيقة‭ ‬للحياة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬و‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬وعن‭ ‬مشاعرهم‭ ‬وطبيعتهم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ومشاهد‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬مسعود‭ ‬البريئة‭ ‬مع‭ ‬صبية‭ ‬من‭ ‬الحي،‭ ‬وظاهرة‭ ‬تزويج‭ ‬الصغيرات‭ ‬لكبار‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬والذي‭ ‬قدمه‭ ‬الصديق‭ ‬بصورة‭ ‬جريئة‭ ‬جدا‭ ‬لتلك‭ ‬الفترة‭.‬

الفيلم‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬الاستفتاء‭ ‬الذي‭ ‬أجراه‭ ‬قبل‭ ‬عامين‭ ‬مهرجان‭ ‬دبي‭ ‬السينمائي‭ ‬حول‭ ‬أفضل‭ ‬مائة‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي‭ ‬عربي،‭ ‬والذي‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬سينمائيون‭ ‬ونقاد‭ ‬وكتاب‭ ‬وصحافيون‭ ‬من‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬كافة‭.‬