ستة على ستة

سر سعادة الدانماركيين

| عطا السيد الشعراوي

لعل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬وتحقيقها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تزايد‭ ‬الضغوط‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬ووسط‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الأهوال‭ ‬والمصائب‭ ‬المنتشرة‭ ‬عبر‭ ‬ربوع‭ ‬المعمورة،‭ ‬أمر‭ ‬صعب‭ ‬المنال،‭ ‬ويحتاج‭ ‬لجهد‭ ‬شاق‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬والأفراد‭ ‬على‭ ‬السواء‭ ‬لنصل‭ ‬لشعب‭ ‬سعيد‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الشعب‭ ‬الدانماركي‭.‬

فقد‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬المألوف‭ ‬أن‭ ‬تتبوأ‭ ‬الدانمارك‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬السعادة‭ ‬العالمي‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ (‬والذي‭ ‬يستند‭ ‬لمؤشرات‭ ‬موضوعية‭ ‬كبيانات‭ ‬الجرائم‭ ‬والدخل‭ ‬والمشاركة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والشفافية‭ ‬وغيرها‭)‬،‭ ‬في‭ ‬ظاهرة‭ ‬جذبت‭ ‬اهتمام‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعنيين‭ ‬والخبراء‭ ‬للبحث‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬سعادة‭ ‬الشعب‭ ‬الدانماركي،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬الدانمارك‭ ‬لا‭ ‬تصنف‭ ‬ضمن‭ ‬الدول‭ ‬شديدة‭ ‬الثراء،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الدانماركيين‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬يدفعون‭ ‬أعلى‭ ‬الضرائب‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

تمحورت‭ ‬التفسيرات‭ ‬حول‭ ‬توفر‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الدانماركيين،‭ ‬والشعور‭ ‬بالأمان‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬قدرة‭ ‬الشخص‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬وعلاج‭ ‬وتعليم‭ ‬مناسب،‭ ‬وممارسة‭ ‬الرياضة‭ ‬بسهولة‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬فساد،‭ ‬فهذا‭ ‬الأمان‭ ‬كلمة‭ ‬السر‭ ‬المادية‭ ‬في‭ ‬السعادة‭ ‬التي‭ ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬الشعب‭ ‬الدانماركي‭.‬

أما‭ ‬السر‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السعادة‭ ‬فهو‭ ‬البناء‭ ‬الثقافي‭ ‬السائد‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭  ‬“هيغ‭ - ‬hygge”،‭ ‬أي‭ ‬“الراحة”‭ ‬أو‭ ‬“المودة‭ ‬المتعمدة”،‭ ‬والتي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬اجتماعية‭ ‬بسيطة‭ ‬لكنها‭ ‬تدخل‭ ‬البهجة‭ ‬كتناول‭ ‬فنجان‭ ‬من‭ ‬القهوة‭ ‬مع‭ ‬صديق‭ ‬أو‭ ‬الخروج‭ ‬لفسحة‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المتنزهات‭ ‬أو‭ ‬تناول‭ ‬العشاء‭ ‬مع‭ ‬أصدقاء‭.‬

وذكرت‭ ‬هيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭ ‬مؤخرا‭ ‬على‭ ‬موقعها‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الدانماركي‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأمور‭ ‬ببساطة‭ ‬ورحابة‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الضغوط‭ ‬وعندما‭ ‬يستعصي‭ ‬عليه‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بيوم‭ ‬هادئ‭ ‬ومريح،‭ ‬فهو‭ ‬يستخدم‭ ‬كلمة‭ ‬سحرية،‭ ‬وهي‭ ‬“بيد”‭ ‬وكلمة‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬“هوغاه”،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تعني‭ ‬“لا‭ ‬بأس”‭ ‬أو‭ ‬“لا‭ ‬تكترث”،‭ ‬أو‭ ‬“اعتبر‭ ‬الأمر‭ ‬كأن‭ ‬لم‭ ‬يكن”،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬عليك‭ ‬التسليم‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬كان‭ ‬خارجا‭ ‬عن‭ ‬السيطرة،‭ ‬فلا‭ ‬تهدر‭ ‬طاقتك‭ ‬في‭ ‬الندم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فات‭ ‬ولا‭ ‬تضيع‭ ‬وقتك‭ ‬على‭ ‬أمور‭ ‬تستعصي‭ ‬عليك‭.‬

فهل‭ ‬بالإمكان‭ ‬نشر‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬البناء‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬خصوصا‭ ‬أنها‭ ‬بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه؟‭.‬