قهوة الصباح

“العمل”‭ ‬وتوزيع‭ ‬“بسيكويتات”‭ ‬الأرقام‭ (‬الجوكليتية‭)‬

| سيد ضياء الموسوي

إن‭ ‬فهم‭ ‬كتاب‭ ‬هكذا‭ ‬تكلم‭ ‬زارادشت‭: ‬الذي‭ ‬ألّفه‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الألماني‭ ‬فريدريك‭ ‬نيتشه‭ ‬أسهل‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬فلسفة‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬للبطالة،‭ ‬بل‭ ‬تفكيك‭ ‬رموزها‭ ‬أصعب‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬طاليس‭ ‬وأنكسمنس،‭ ‬وأنكسمندر،‭ ‬فحتى‭ ‬ميشيل‭ ‬فوكو‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تفكيك‭ ‬خطابات‭ ‬وزارتنا‭ ‬وغموضها‭ ‬وهو‭ ‬أبو‭ ‬التفكيك‭!!!‬

‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تمارسه‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬“بسيكويتات”‭ ‬الأرقام‭ ((‬الجوكليتية‭)) ‬ذات‭ ‬المذاق‭ ‬السويسري‭ ‬غالية‭ ‬الثمن‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬الوزارة‭ ‬ثمنا،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬فقد‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬إصابة‭ ‬الوزارة‭ ‬بارتفاع‭ ‬حاد‭ ‬للسكر،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬انعطاف‭ ‬تغييري‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬الوزارة‭.‬

وزارة‭ ‬العمل‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬اللاعب‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬تكدس‭ ‬البطالة،‭ ‬ولكنها‭ ‬وللأسف،‭ ‬لا‭ ‬تصفح‭ ‬عن‭ ‬تورط‭ ‬بقية‭ ‬اللاعبين،‭ ‬جلدهم‭ ‬السياسي‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬وخز‭ ‬خيط‭ ‬حريري‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬توحش‭ ‬دودة‭ ‬قز‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬حرير‭.‬

وزارة‭ ‬العمل‭ ‬أخذت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الوزاري‭ ‬تحمل‭ ‬كل‭ ‬مواسم‭ ‬النقد‭ ‬من‭ ‬صحافة‭ ‬ونواب‭ ‬وإعلام‭. ‬إذن‭ ‬عليها‭ ‬التحمل‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬آثرت‭ ‬الهمس‭ ‬خفية‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬تكدس‭ ‬أبنائنا‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬موقع‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭.‬

نقول‭ ‬لسعادة‭ ‬الوزير‭: ‬ملّ‭ ‬الناس‭ ‬مراكز‭ ‬توظيف‭ ‬بلا‭ ‬وجود‭ ‬حقائب‭ ‬وظيفية‭. ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬أشبه‭ ‬بتجمعات‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬لعرض‭ ‬المنتجات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬بعضهم‭ ‬يعرض‭ ‬طوابع‭ ‬بريدية،‭ ‬بعضهم‭ ‬يبيع‭ ‬جبنًا‭ ‬مملحًا،‭ ‬وبعضهم‭ ‬ثيابًا‭ ‬قديمة‭.‬

يقول‭ ‬المثل‭ ‬المصري‭: ((‬عندما‭ ‬تتحدث‭ ‬حضرتك‭ ‬عن‭ ‬المثل‭ ‬العليا‭ ‬مع‭ ‬جائع،‭ ‬سوف‭ ‬يطلب‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تشويها‭ ‬وتكتر‭ ‬الفلفل‭)). ‬ملّ‭ ‬الناس‭ ‬مقاسات‭ ‬الأرقام‭ ‬القديمة،‭ ‬وتحتاج‭ ‬الوزارة‭ ‬إلى‭ ‬إظهار‭ ‬الرقم‭ ‬الصحيح‭.‬

نقول‭ ‬للوزارة‭ ‬كما‭ ‬سقطت‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬سابقًا‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬مكابرة‭ ‬الأرقام‭ ‬الحالمة،‭ ‬ورقصت‭ ‬القرارات‭ ‬مع‭ ‬طقوس‭ ‬تذويب‭ ‬قانون‭ ‬التقاعد‭ ‬حتى‭ ‬احترقت‭ ‬بعض‭ ‬أصابعها،‭ ‬وهي‭ ‬تلعب‭ ‬بنار‭ ‬الحقائق،‭ ‬بدأت‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تسقط‭ ‬بذات‭ ‬الفخ،‭ ‬وتضع‭ ‬يدها‭ ‬في‭ ‬عش‭ ‬دبابير‭ ‬المصداقية،‭ ‬وتلعب‭ ‬مع‭ ‬تنور‭ ‬جائع‭ ‬لنار‭ ‬الحقيقة‭.‬

فهل‭ ‬يريدوننا‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬كالفنان‭ ‬العظيم‭ ‬فان‭ ‬جوخ،‭ ‬ونقطع‭ ‬آذاننا‭ ‬ولو‭ ‬اتهمتا‭ ‬بالجنون؟‭! ‬والسؤال‭: ‬أين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬رقصوا‭ ‬مع‭ ‬قانون‭ ‬التقاعد‭ ‬من‭ ‬الوزارة،‭ ‬ومن‭ ‬أخاطوا‭ ‬ثياب‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬خياطة‭ ‬البرغماتية‭ ‬الضيقة‭ ‬بنكهة‭ ‬رأسمالية‭ ‬مذببة؟

يقول‭ ‬أوسكار‭ ‬وايلد‭ ((‬البعض‭ ‬يُحدِثُون‭ ‬سعادةً‭ ‬أينما‭ ‬يحلون‭ ‬وآخرون‭ ‬وقتما‭ ‬يرحلون‭)) ‬فهل‭ ‬يرحل‭ ‬مستفيدو‭ ‬تأجير‭ ‬مبنى‭ ‬التقاعد‭ ‬ذي‭ ‬الإيجار‭ ‬الألماسي؟‭!. ‬يقول‭ ‬جلال‭ ‬عامر‭ ((‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الفساد‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬المناطق‭ ‬“الحارة”،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬يتوطن‭ ‬في‭ ‬المكاتب‭ ‬المكيفة‭)) ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يحذر‭ ‬دائمًا‭ ‬من‭ ‬اللعب‭ ‬بأرزاق‭ ‬الناس‭ ‬فإن‭ ‬ابتسام‭ ‬اللحظة‭ ‬الآنية‭ ‬لأي‭ ‬مدير‭ ‬موارد‭ ‬بشرية‭ ‬تخبّئ‭ ‬خلفها‭ ‬تنين‭ ‬قدر‭ ‬شرس‭ ‬وجائع‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬نسدّد‭ ‬الديْن‭ ‬العاطفي‭ ‬تجاه‭ ‬العاطلين‭ ‬بالوقوف‭ ‬معهم‭. ‬كما‭ ‬ناقشت‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬قانون‭ ‬التقاعد‭ ‬الجديد،‭ ‬سوف‭ ‬أواصل‭ ‬ملف‭ ‬التوظيف‭ ‬بلغة‭ ‬الأرقام،‭ ‬وبنقاش‭ ‬علمي،‭ ‬وستكون‭ ‬صدر‭ ‬الصحيفة‭ ‬واسعًا‭ ‬لاستقبال‭ ‬أي‭ ‬نقد‭ ‬أو‭ ‬رد‭ ‬ليكون‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬والاتجاه‭ ‬المعاكس‭. ‬لن‭ ‬نظل‭ ‬لعمر‭ ‬السبعين‭ ‬نتقاسم‭ ‬حزن‭ ‬البطالة‭ ‬بدل‭ ‬حبها‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬رواية‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الطاعون‭.‬