الخزاعي: الكنائس والمعابد تعكس الانفتاح الديني

جابري: التعايش المشترك سمة البحرين

| إبراهيم النهام (تصوير: خليل إبراهيم)

نظم‭ ‬مجلس‭ ‬جابري‭ ‬الثقافي‭ ‬أخيرًا‭ ‬بقرية‭ ‬الجسرة،‭ ‬ندوة‭ ‬بعنوان‭ ‬“البحرين‭ ‬جزيرة‭ ‬التسامح”،‭ ‬قدم‭ ‬ورقتها‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬الشورى‭ ‬محمد‭ ‬الخزاعي،‭ ‬وأدارتها‭ ‬باهرة‭ ‬جابري،‭ ‬وسط‭ ‬حضور‭ ‬لافت‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬والمتابعين‭ ‬لشؤون‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

ورحبت‭ ‬باهرة‭ ‬جابري‭ ‬بجمع‭ ‬الحضور‭ ‬الذين‭ ‬اكتظت‭ ‬بهم‭ ‬قاعة‭ ‬المجلس،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬التعايش‭ ‬المشترك‭ ‬سمة‭ ‬تلازم‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬التأسيس‭ ‬الأول،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الاختلافات‭ ‬الثقافية‭ ‬والدينية،‭ ‬مضيفة‭ ‬“نتشارك‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬واحدة،‭ ‬وهي‭ ‬بوتقة‭ ‬الإنسانية”‭.‬

وأضافت‭ ‬جابري‭ ‬“التسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬والتآخي‭ ‬جاءت‭ ‬بكل‭ ‬الكتب‭ ‬السماوية‭ ‬المقدسة،‭ ‬بأن‭ ‬نتمازج‭ ‬إخوة،‭ ‬وشركاء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة”‭.‬

واحة‭ ‬السلام

بعدها،‭ ‬استلم‭ ‬الخزاعي‭ ‬طرف‭ ‬الحديث،‭ ‬قائلًا‭ ‬“تظل‭ ‬البحرين‭ ‬دائمًا‭ ‬واحة‭ ‬للسلام‭ ‬والأمان‭ ‬لجميع‭ ‬القاطنين‭ ‬فيها،‭ ‬ولاشك‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬منا‭ ‬يعلم‭ ‬بأنه‭ ‬ومنذ‭ ‬أقدم‭ ‬العصور‭ ‬عرفت‭ ‬البحرين‭ ‬نتيجة‭ ‬لاتصالها‭ ‬بحضارات‭ ‬العالم،‭ ‬والانفتاح‭ ‬والتسامح،‭ ‬فحضارة‭ ‬دلمون‭ ‬القديمة‭ ‬كانت‭ ‬صلة‭ ‬وصل‭ ‬بين‭ ‬حضارات‭ ‬المشرق‭ ‬القديمة،‭ ‬الهندوسية‭ ‬والفارسية،‭ ‬وحضارة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تحتم‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬ثقافتهم‭ ‬وديانتهم”‭. ‬وتابع‭ ‬“لذلك‭ ‬كانت‭ ‬ثقافة‭ ‬المجتمع‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التسامح،‭ ‬واحترام‭ ‬مشاعر‭ ‬الآخرين،‭ ‬وعدم‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬بسبب‭ ‬المعتقد،‭ ‬وبتطور‭ ‬الأزمان‭ ‬تطور‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬حضارة‭ ‬دلمون‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مهدا‭ ‬لحضارة‭ ‬إنسانية‭ ‬عريقة؛‭ ‬بسبب‭ ‬صلاتها‭ ‬بحضارة‭ ‬وادي‭ ‬الرافدين‭ ‬الآشورية،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬سكان‭ ‬تلك‭ ‬الحضارة‭ ‬باحترام،‭ ‬وتبجيل؛‭ ‬بسبب‭ ‬اعتقادهم‭ ‬أن‭ ‬دلمون‭ ‬لها‭ ‬طبيعة‭ ‬مقدسة”‭. ‬وأردف‭ ‬الخزاعي‭ ‬“تغنى‭ ‬بدلمون‭ ‬شعراء‭ ‬الملاحم‭ ‬القديمة،‭ ‬واعتبروها‭ ‬جنة‭ ‬الكون،‭ ‬بسبب‭ ‬خضرتها،‭ ‬وصفاء‭ ‬مائها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬كان‭ ‬يفضل‭ ‬أن‭ ‬تنقل‭ ‬وتدفن‭ ‬فيها‭ ‬رفات‭ ‬موتاهم؛‭ ‬لأنها‭ ‬أرض‭ ‬مقدسة،‭ ‬وأرض‭ ‬للخلود،‭ ‬ولربما‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬وجد‭ ‬علماء‭ ‬الآثار،‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬بها‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬مقابر‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولعل‭ ‬المدافن‭ ‬التلية‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬ووسط‭ ‬جزيرة‭ ‬البحرين،‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬حضارتها‭ ‬القديمة”‭. ‬ومضى‭ ‬قائلا‭ ‬“وتحيي‭ ‬لنا‭ ‬ملحمة‭ ‬جلجامش‭ ‬الشهيرة،‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬سعى‭ ‬إلى‭ ‬دلمون‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬زهرة‭ ‬الخلود‭ ‬بمياه‭ ‬الخليج‭ ‬المحيط‭ ‬بها،‭ ‬وبذلك‭ ‬يعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الملك‭ ‬الآشوري‭ ‬أول‭ ‬غواص‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة،‭ ‬وربما‭ ‬تعلم‭ ‬الغاصة‭ ‬الذين‭ ‬امتهنوا‭ ‬صناعة‭ ‬الغوص‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬أسرار‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الملك‭ ‬الأسطوري”‭.‬

ويقول،‭ ‬وسط‭ ‬انتباه‭ ‬جمع‭ ‬الحضور‭ ‬“قبل‭ ‬دخول‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬كان‭ ‬سكانها‭ ‬يشكلون‭ ‬خليطًا‭ ‬من‭ ‬الوثنيين،‭ ‬ومن‭ ‬أهل‭ ‬الكتاب،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬المحرق‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬سماهيج،‭ ‬دير‭ ‬للرهبان‭ ‬المسيحيين،‭ ‬وهذا‭ ‬يدلنا‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬التسامح‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬أهل‭ ‬البحرين،‭ ‬منذ‭ ‬قديم‭ ‬الزمان”‭.‬

وأضاف‭ ‬الخزاعي‭ ‬“من‭ ‬ينظر‭ ‬لوضع‭ ‬البحرين‭ ‬الآن،‭ ‬يجدها‭ ‬واحة‭ ‬للسلام،‭ ‬والتآلف،‭ ‬والتسامح،‭ ‬وفي‭ ‬البحرين‭ ‬توجد‭ ‬مئات‭ ‬المساجد،‭ ‬والمآتم،‭ ‬إضافة‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الكنائس،‭ ‬والمعابد،‭ ‬لمختلف‭ ‬الديانات،‭ ‬وبسبب‭ ‬ثقافة‭ ‬التسامح،‭ ‬والتعايش،‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الديانات‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬البحرين،‭ ‬تميز‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬مجتمعات‭ ‬الخليج،‭ ‬بوجود‭ ‬جاليات‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المسلمين،‭ ‬الذين‭ ‬يلقون‭ ‬معاملة‭ ‬إنسانية‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬تميز‭ ‬أو‭ ‬تفرقة”‭.‬

حرية‭ ‬للأقليات

وتابع‭ ‬“ولربما‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬مدينة‭ ‬المنامة‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ - ‬ولا‭ ‬تزال‭ - ‬مركزًا‭ ‬أمميًا،‭ ‬حيث‭ ‬تجد‭ ‬أحياءها‭ ‬تعج‭ ‬باليهود‭ ‬والمسيح‭ ‬والهندوس،‭ ‬والوثنيين،‭ ‬والجميع‭ ‬يمارس‭ ‬طقوسه‭ ‬الدينية،‭ ‬وحياته‭ ‬الخاصة،‭ ‬بكل‭ ‬حرية”‭.‬

ويردف‭ ‬“شخصيًا،‭ ‬نشأت‭ ‬وترعرعت‭ ‬بأحد‭ ‬الأحياء‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬المنامة،‭ ‬والقريبة‭ ‬من‭ ‬شارع‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬شريان‭ ‬حياة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬وعندما‭ ‬تعود‭ ‬بي‭ ‬الذاكرة‭ ‬إلى‭ ‬أيام‭ ‬الصبا،‭ ‬لازلت‭ ‬أتذكر‭ ‬منزلنا‭ ‬القديم،‭ ‬وجيراننا‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يحيطون‭ ‬بنا،‭ ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬البيت‭ ‬كان‭ ‬هنالك‭ ‬مسكن‭ ‬لعائلة‭ ‬هندوسية،‭ ‬وإلى‭ ‬الغرب‭ ‬منا،‭ ‬ملاصقة‭ ‬لنا،‭ ‬كان‭ ‬هنالك‭ ‬عائلة‭ ‬مشهورة‭ ‬من‭ ‬قرية‭ ‬دمستان،‭ ‬هي‭ ‬عائلة‭ ‬الحاج‭ ‬أحمد‭ ‬الطويل،‭ ‬وبجانبه‭ ‬مسكن‭ ‬عائلة‭ ‬باكستانية،‭ ‬وأخرى‭ ‬سعودية‭ ‬من‭ ‬الأحساء،‭ ‬وليس‭ ‬بعيد‭ ‬عنا‭ ‬مساكن‭ ‬لعوائل‭ ‬يهودية،‭ ‬ونصرانية”‭.‬

ويضيف‭ ‬الخزاعي‭ ‬قائلًا‭ ‬“كان‭ ‬هذا‭ ‬مجتمع‭ ‬البحرين‭ ‬الذي‭ ‬عرفته،‭ ‬والآن‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬ينكر‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬الذين‭ ‬يدينون‭ ‬بالدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فإن‭ ‬الجاليات‭ ‬والأقليات‭ ‬الأخرى،‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬من‭ ‬التعايش،‭ ‬والحرية،‭ ‬والممارسة‭ ‬الدينية،‭ ‬لمعتقداتها‭ ‬التي‭ ‬كفلها‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني،‭ ‬ودستور‭ ‬البلاد”‭.‬

وأبان‭ ‬“خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬الفريدة،‭ ‬وجود‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكنائس،‭ ‬والمعابد،‭ ‬فممارسة‭ ‬الحريات‭ ‬الدينية‭ ‬يشير‭ ‬لتميز‭ ‬نمط‭ ‬العيش‭ ‬المشترك‭ ‬الذي‭ ‬اعتاد‭ ‬عليه‭ ‬المواطنون‭ ‬والمقيمون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء”‭.‬