المخرج الإماراتي العامري: على المخرج أن يكون مسالما وشرسا

أين المسرح البحريني من المهرجانات الدولية؟

| أسامة الماجد

يعتبر‭ ‬المخرج‭ ‬المسرحي‭ ‬الإماراتي‭ ‬محمد‭ ‬العامري‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المخرجين‭ ‬الخليجيين‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬وصفات‭ ‬ابداعية‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬واشعلوا‭ ‬مواقد‭ ‬التجريب‭ ‬تحت‭ ‬جثمان‭ ‬الستائر،‭ ‬مخرج‭ ‬سار‭ ‬كالبطل‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المهرجانات‭ ‬المحلية‭ ‬والعربية‭ ‬والدولية،‭ ‬وحصد‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬ويحصى‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬حتى‭ ‬اصبح‭ ‬ذائع‭ ‬الصيت‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭. ‬“البلاد”‭ ‬التقت‭ ‬بالمخرج‭ ‬محمد‭ ‬العامري‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬بالقاهرة‭ ‬وسجلت‭ ‬معه‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭.‬

حدثنا‭ ‬عن‭ ‬مشاركتك‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬؟

هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬السادسة‭ ‬التي‭ ‬اشارك‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬المسرح‭ ‬العربي،‭ ‬وقدمت‭ ‬مسرحية‭ ‬“‭ ‬المجنون”‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬عرضها‭ ‬في‭ ‬ايام‭ ‬الشارقة‭ ‬المسرحية‭ ‬وايضا‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬قرطاج‭. ‬المسرحية‭ ‬كانت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سيناريو‭ ‬وقراءة‭ ‬تأملية‭ ‬للفنان‭ ‬العراقي‭ ‬الراحل‭ ‬قاسم‭ ‬محمد‭ ‬عن‭ ‬نص‭ ‬لجبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران،ولكننا‭ ‬اجرينا‭ ‬بعض‭ ‬التعديلات‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬ليتلاءم‭ ‬مع‭ ‬فكرتنا‭. ‬ويشارك‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬منهم‭ ‬مروان‭ ‬صالح‭ ‬ويوسف‭ ‬الكعبي‭ ‬وعبدالله‭ ‬سعود‭ ‬وناجي‭ ‬جمعة‭ ‬واخرون‭. ‬

ما‭ ‬دور‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المهرجانات‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الحراك‭ ‬الفني‭ ‬والمسرحي‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي؟

جلوسنا‭ ‬مع‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬كصحافة‭ ‬وفنان‭ ‬هو‭ ‬احد‭ ‬انجازات‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬والتجمع،‭ ‬فالمهرجان‭ ‬يعتبر‭ ‬مظلة‭ ‬كبيرة‭ ‬تجمع‭ ‬الفنانين‭ ‬العرب‭ ‬وتجعلهم‭ ‬يتبادلون‭ ‬الخبرات‭ ‬وبدعم‭ ‬سخي‭ ‬من‭ ‬راعي‭ ‬الثقافة‭ ‬والمسرح‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬سلطان‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬القاسمي‭ ‬حاكم‭ ‬الشارقة،‭ ‬والجميل‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬انه‭ ‬متنقل،‭ ‬اي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬تستضيفه‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬وهذا‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬يعطي‭ ‬المهرجان‭ ‬سمة‭ ‬متميزة‭.‬

هل‭ ‬بإمكان‭ ‬مخرج‭ ‬متمكن‭ ‬احياء‭ ‬نص‭ ‬ميت‭ ‬والعكس‭.. ‬أي‭ ‬هل‭ ‬بإمكان‭ ‬مخرج‭ ‬ضعيف‭ ‬قتل‭ ‬نص‭ ‬قوي‭ ‬؟

هذه‭ ‬الاشكالية‭ ‬تجدها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الفنون،‭ ‬وسأركز‭ ‬على‭ ‬النصوص‭ ‬القوية‭ ‬ذات‭ ‬الابعاد‭ ‬الانسانية‭ ‬والخالدة‭ ‬وللكتاب‭ ‬العظماء‭ ‬من‭ ‬امثال‭ ‬شكسبير‭ ‬وغيره‭.‬‭ ‬فهذه‭ ‬النصوص‭ ‬القوية‭ ‬باقية‭ ‬الى‭ ‬الابد‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬رحيل‭ ‬اصحابها‭ ‬وهنا‭ ‬تنطلق‭ ‬شرارة‭ ‬الابداع‭ ‬عند‭ ‬المخرجين‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬التصدي‭ ‬لمثل‭ ‬تلك‭ ‬الاعمال‭ ‬والنصوص،‭ ‬اذ‭ ‬يفترض‭ ‬قبول‭ ‬التحدي‭ ‬في‭ ‬اخراج‭ ‬نص‭ ‬قوي‭ ‬لامثال‭ ‬اولئك‭ ‬الكتاب‭ ‬العظماء،‭ ‬فالفنان‭ ‬يرحل‭ ‬ولكنه‭ ‬يعيش‭ ‬بعمله‭ ‬وشخصية‭ ‬مثل‭ ‬شخصية‭ ‬شكسبير‭ ‬لازالت‭ ‬موجودة‭ ‬بيننا‭ ‬بدليل‭ ‬ان‭ ‬اعماله‭ ‬لازالت‭ ‬تقدم‭ ‬وتدرس‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬

هل‭ ‬يعتبر‭ ‬عمل‭ ‬“‭ ‬المجنون‭ ‬“‭ ‬انتقالي‭ ‬خاصة‭ ‬وانت‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬حالة‭ ‬شعرية‭ ‬؟

اسعى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬اقدمه‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬الفكرة‭ ‬ويعمقها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السيونغرافيا‭. ‬فاليوم‭ ‬تعتبر‭ ‬السينوغرافيا‭ ‬نص‭ ‬مرئي‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬ديكورات‭ ‬والخ‭.. ‬اذكر‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1995‭ ‬وفي‭ ‬احدى‭ ‬المهرجانات‭ ‬المسرحية‭ ‬قام‭ ‬الناقد‭ ‬المسرحي‭ ‬البحريني‭ ‬الكبير‭ ‬يوسف‭ ‬الحمدان‭ ‬بالتحدث‭ ‬عن‭ ‬مصطلح‭ ‬السينوغرافيا،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬المصطلح‭ ‬انذاك‭ ‬قليل‭ ‬جدا،‭ ‬وانا‭ ‬دائما‭ ‬استحضر‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬لاثبت‭ ‬ان‭ ‬الناقد‭ ‬البحريني‭ ‬يوسف‭ ‬الحمدان‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬“‭ ‬الشرير‭ ‬المبدع‭ ‬“‭. ‬

عودة‭ ‬الى‭ ‬صلب‭ ‬السؤال‭.. ‬ما‭ ‬اعمله‭ ‬هو‭ ‬رحلة‭ ‬بحث‭ ‬مع‭ ‬الفكرة‭ ‬ومحاولة‭ ‬جادة‭ ‬للقرب‭ ‬من‭ ‬المتلقي‭ ‬وفكره‭ ‬واسعاده‭ ‬وادخال‭ ‬البهجة‭ ‬الى‭ ‬قلبة‭. ‬اريد‭ ‬من‭ ‬المتلقي‭ ‬ان‭ ‬يشم‭ ‬ويستنشق‭ ‬العرض‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يراه‭ ‬بعينه‭..‬اريد‭ ‬ان‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬بكل‭ ‬حواسه‭ ‬الخمس‭ ‬ويتواصل‭ ‬معه‭ ‬بشكل‭ ‬كلي،‭ ‬فالالم‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬عميق‭ ‬جدا‭ ‬والمأساة‭ ‬مستفحلة،‭ ‬ولهذا‭ ‬يفترض‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬مقترحاتنا‭ ‬ومعالجاتنا‭ ‬في‭ ‬العروض‭ ‬المسرحية‭ ‬تواكب‭ ‬ذلك‭ ‬الالم‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭. ‬ما‭ ‬اريد‭ ‬قوله‭ ‬هو‭ ‬انه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬المخرج‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬مسالما‭ ‬محبا‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬شرسا‭.‬

 

ماذا‭ ‬تقول‭ ‬عن‭ ‬المسرح‭ ‬البحريني‭ ‬؟

شهادتنا‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬البحريني‭ ‬مجروحة،‭ ‬فأنا‭ ‬اول‭ ‬“ما‭ ‬وعيت”‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬البحريني‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬وتحديدا‭ ‬مسرحية‭ ‬“‭ ‬حليمة‭ ‬ومنصور”‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1988‭ ‬للمرحوم‭ ‬جاسم‭ ‬شريدة،‭ ‬فالاخوة‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬البحريني‭ ‬كانوا‭ ‬سباقين‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬البصري‭ ‬والتجريبي‭ ‬وذهبوا‭ ‬الى‭ ‬مناطق‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬يذهب‭ ‬اليها‭ ‬المسرح‭ ‬الخليجي،‭ ‬اتسموا‭ ‬بالجرأة‭ ‬في‭ ‬خوض‭ ‬كل‭ ‬ماهو‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬المسرح‭ ‬ومنذ‭ ‬زمن‭ ‬وهناك‭ ‬اعمال‭ ‬مهمة‭ ‬قدمت‭ ‬تشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬مسرحية‭ ‬“‭ ‬اسكوريال”‭ ‬و‭ ‬“‭ ‬الكمامة”‭ ‬“‭ ‬الفشت‭ ‬“‭ ‬“‭ ‬خور‭ ‬المدعي”‭ ‬“‭ ‬الجاثوم‭ ‬“‭ ‬“‭ ‬القربان”‭ ‬وغيرها‭. ‬وظهرت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬مسرح‭ ‬الصواري‭ ‬حملت‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬عملية‭ ‬التجديد‭ ‬والابداع‭ ‬دون‭ ‬الالتفات‭ ‬الى‭ ‬اي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الدعم،‭ ‬لانهم‭ ‬مؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬الفنان‭ ‬هو‭ ‬اصل‭ ‬الحكاية‭.‬

الفنان‭ ‬المسرحي‭ ‬البحريني‭ ‬اصبح‭ ‬سفيرا‭ ‬لوطنه،‭ ‬ففي‭ ‬مجال‭ ‬النقد‭ ‬المسرحي‭ ‬هناك‭ ‬الناقد‭ ‬يوسف‭ ‬الحمدان،‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬الورش‭ ‬المسرحية‭ ‬هناك‭ ‬الفنان‭ ‬عبدالله‭ ‬السعداوي‭ ‬والفنان‭ ‬خليفة‭ ‬العريفي‭ ‬وهذان‭ ‬ساهما‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬فرق‭ ‬مسرحية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬وكذلك‭ ‬الفنان‭ ‬ياسر‭ ‬سيف‭ ‬اصبح‭ ‬سفيرا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المكياج‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬انه‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬المهرجانات‭ ‬بخمسة‭ ‬عروض‭ ‬مسرحية‭ ‬“كماكير”‭. ‬ولكن‭ ‬دعني‭ ‬اقول‭ ‬لك‭ ‬حقيقة‭ ‬تقلقني‭ ‬وهي‭ ‬ان‭ ‬جهود‭ ‬هؤلاء‭ ‬السفراء‭ ‬اصبحت‭ ‬بكثرة‭ ‬خارج‭ ‬البحرين‭ ‬وليس‭ ‬داخلها،‭ ‬فمثلا‭ ‬يوسف‭ ‬الحمدان‭ ‬معروف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬البحرين،‭ ‬ناهيك‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬العروض‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬توقفت‭ ‬ولم‭ ‬نعد‭ ‬نشاهد‭ ‬مسرحيات‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬المهرجانات‭ ‬الدولية‭.. ‬اين‭ ‬العروض‭ ‬المسرحية‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬؟‭ ‬هذا‭ ‬شيء‭ ‬مؤلم‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬عودة‭ ‬الابداع‭ ‬البحريني‭ ‬الذي‭ ‬تعلمناه‭ ‬منه‭ ‬الى‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬