العبيدلي: الكتاب يقدم مساحة واسعة من فكر المهاتما لم تغط من قبل

“البحرينية الهندية” تنظم قراءة في “غاندي وقضايا العرب والمسلمين”

| إبراهيم النهام (تصوير- رسول الحجيري)

ما‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬كاتبا‭ ‬عربيا‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬صغير‭ ‬لتناول‭ ‬شخصية‭ ‬مثل‭ ‬غاندي؟ غاندي‭ ‬حوّل‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬سباق‭ ‬نحو‭ ‬الفضائل كتاب‭ ‬الشعلة‭ ‬يرصد‭ ‬محطات‭ ‬بارزة‭ ‬توقف‭ ‬عندها‭ ‬قطار‭ ‬التطور‭ ‬الفكري‭ ‬للمهاتما المنطقة‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إيقاظ‭ ‬واستنهاض‭ ‬قيم‭ ‬المحبة‭ ‬والتسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬والسلام

 

نظمت‭ ‬الجمعية‭ ‬البحرينية‭ ‬الهندية‭ ‬مساء‭ ‬أمس‭ ‬الأول،‭ ‬في‭ ‬“الكابيتال‭ ‬كلوب”‭ ‬بالمرفأ‭ ‬المالي،‭ ‬قراءة‭ ‬لكتاب‭ ‬الباحث‭ ‬عبدالنبي‭ ‬الشعلة‭ (‬غاندي‭ ‬وقضايا‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭) ‬قدمها‭ ‬الكاتب‭ ‬عبيدلي‭ ‬العبيدلي،‭ ‬وبإدارة‭ ‬من‭ ‬المفكر‭ ‬علي‭ ‬فخرو،‭ ‬بحضور‭ ‬جمع‭ ‬غفير‭ ‬من‭ ‬الباحثين،‭ ‬والدبلوماسيين،‭ ‬ورجال‭ ‬الفكر‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والسياسة‭.‬

ورحب‭ ‬فخرو‭ ‬بجمع‭ ‬الحضور،‭ ‬قائلًا‭ ‬“أهنئ‭ ‬بداية‭ ‬الأخ‭ ‬عبدالنبي‭ ‬الشعلة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬القيم،‭ ‬وأقول‭ ‬إنني‭ ‬ومنذ‭ ‬40‭ ‬سنة،‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬قرأت‭ ‬قصة‭ ‬حياة‭ ‬غاندي‭ ‬بقلمه،‭ ‬وأعجبت‭ ‬آنذاك‭ ‬أشد‭ ‬الإعجاب‭ ‬بشخصية‭ ‬هذا‭ ‬الرجل،‭ ‬كان‭ ‬كتابه‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬واقعي،‭ ‬وإنما‭ ‬روحي‭ ‬أيضا،‭ ‬في‭ ‬الاجتماع،‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬وفي‭ ‬النضال‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬الأخص”‭.‬

وأضاف‭ ‬“بعد‭ ‬ذلك‭ ‬قرأت‭ ‬كتابا‭ ‬عن‭ ‬استقلال‭ ‬الهند،‭ ‬وعن‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تموج‭ ‬بها‭ ‬آنذاك،‭ ‬والتي‭ ‬انتقلت‭ ‬من‭ ‬المهاتما‭ ‬غاندي‭ ‬إلى‭ ‬نهرو،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬ميسز‭ ‬غاندي،‭ ‬وكانوا‭ ‬جميعا‭ ‬يقومون‭ ‬بتنفيذ‭ ‬تلك‭ ‬التوجهات‭ ‬الإنسانية‭ ‬النضالية‭ ‬الرائعة‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬غاندي”‭.‬

وقال‭ ‬“أؤكد‭ ‬هنا‭ ‬جانبا‭ ‬تاريخيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬فالتاريخ‭ ‬ممتع‭ ‬وجميل،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الموضوع،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬ننتقل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬اليوم،‭ ‬وأعني‭ ‬بذلك‭ ‬حين‭ ‬نقرأ‭ ‬عن‭ ‬التسامح‭ ‬بثقافة‭ ‬غاندي،‭ ‬هل‭ ‬مازال‭ ‬ذلك‭ ‬التسامح‭ ‬هو‭ ‬السمة‭ ‬الرئيسة‭ ‬بهند‭ ‬الحاضر؟‭ ‬وكذلك‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬المميز‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الهند‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وغيرها”‭.‬

بعدها،‭ ‬تسلم‭ ‬العبيدلي‭ ‬الحديث،‭ ‬قائلا‭ ‬“مادة‭ ‬الكتاب‭ ‬تمهد‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬المحطات‭ ‬المفصلية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬غاندي‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطاني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توثيق‭ ‬متناسق‭ ‬لمسيرة‭ ‬غاندي‭ ‬النضالية،‭ ‬وإشارات‭ ‬دلالية‭ ‬على‭ ‬تفاعلات‭ ‬قضايا‭ ‬الاختلافات‭ ‬الفكرية‭ ‬بخلفياتها‭ ‬الدينية‭ ‬كما‭ ‬استقرت‭ ‬في‭ ‬خلفية‭ ‬غاندي‭ ‬الأيدولوجية،‭ ‬ورصد‭ ‬للعلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬لها‭ ‬حركة‭ ‬غاندي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وإطلالة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬الأديان”‭.‬

وأبان‭ ‬“أيضا‭ ‬هناك‭ ‬معالجة‭ ‬خاطفة‭ ‬لتاريخ‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الحركة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وأخيرا‭ ‬تناول‭ ‬مدروس‭ ‬للعلاقات‭ ‬العربية‭ - ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬الضيق‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬لغاندي”‭.‬

وأضاف‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬يوفر‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬تساؤل‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬كاتبا‭ ‬عربيا‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬صغير‭ ‬مثل‭ ‬البحرين‭ ‬لتناول‭ ‬شخصية‭ ‬مثل‭ ‬غاندي،‭ ‬كتب‭ ‬عنها‭ ‬الكثير،‭ ‬وتناولتها‭ ‬الأقلام‭ ‬بحثا‭ ‬وتمحيصا،‭ ‬فنجده‭ ‬يستهل‭ ‬كتابه‭ ‬بالإجابة‭ ‬على‭ ‬السبب‭ ‬الكامن‭ ‬وراء‭ ‬تأليفه‭ ‬كتابا‭ ‬عن‭ ‬غاندي،‭ ‬موضحا‭ ‬جدوى‭ ‬الكتابة‭ ‬عنه‭ ‬الآن‭ ‬أيضا،‭ ‬قائلا‭ ‬“حاجة‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬منطقة‭ ‬أخرى،‭ ‬إلى‭ ‬إيقاظ‭ ‬واستنهاض‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬المحبة‭ ‬والتسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬والسلام‭ ‬التي‭ ‬نادى‭ ‬بها‭ ‬وطبقها‭ ‬المهاتما‭ ‬غاندي،‭ ‬وحاجتنا‭ ‬الملحة‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬دوامة‭ ‬الفتن‭ ‬والتناحر‭ ‬والاقتتال”‭.‬

وبين‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬يقدم‭ ‬مساحة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬المهاتما‭ ‬غاندي‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬تغطيتها‭ ‬وتناولها‭ ‬بالقدر‭ ‬الذي‭ ‬تستحقه،‭ ‬والتي‭ ‬انعكست‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬الإسلام‭ ‬والأمة‭ ‬العربية،‭ ‬وبأن‭ ‬هناك‭ ‬فئة‭ ‬أو‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬لا‭ ‬يموتون،‭ ‬يبقون‭ ‬أحياء،‭ ‬يظل‭ ‬حضورهم‭ ‬ماثلًا‭ ‬أمامنا‭ ‬دائما‭.‬

ويقول‭ ‬العبيدلي‭ ‬“يرصد‭ ‬الكاتب‭ ‬المحطات‭ ‬البارزة‭ ‬التي‭ ‬توقف‭ ‬عندها‭ ‬قطار‭ ‬التطور‭ ‬الفكري‭ ‬لدى‭ ‬غاندي،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬الأولى‭ ‬بينها،‭ ‬نفور‭ ‬فطري‭ ‬حاد‭ ‬وحساسية‭ ‬مفرطة‭ ‬تجاه‭ ‬الظلم‭ ‬والتفرقة،‭ ‬لذلك‭ ‬فقد‭ ‬تميزت‭ ‬أفكاره‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬بإيمان‭ ‬عميق‭ ‬راسخ‭ ‬بقيم‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬والمساواة،‭ ‬وقناعة‭ ‬ثابتة‭ ‬مستقرة‭ ‬بحتمية‭ ‬انتصار‭ ‬الحق‭ ‬على‭ ‬الباطل”‭. ‬

ويتابع‭ ‬“لكن‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬الانتماء‭ ‬الفكري‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬الإبداعي،‭ ‬تجلى‭ ‬عند‭ ‬غاندي،‭ ‬كما‭ ‬يراه‭ ‬الكاتب‭ ‬عندما‭ ‬حوّل‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬سباق‭ ‬نحو‭ ‬الفضائل،‭ ‬مشروطا‭ ‬بالالتزام‭ ‬الصارم‭ ‬بالمعايير‭ ‬الأخلاقية‭ (‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يجسده‭ ‬غاندي‭)‬،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إعمال‭ ‬الفكر‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬حققه‭ ‬عبر‭ ‬مسيرة‭ ‬عملية‭ ‬شاقة”،‭ ‬قائلا‭ ‬“أنا‭ ‬لا‭ ‬أعتمد‭ ‬على‭ ‬الطرح‭ ‬الأكاديمي‭ ‬والنظري،‭ ‬إن‭ ‬العمل‭ ‬والإنجاز‭ ‬هما‭ ‬معياري”‭.‬

وزاد‭ ‬“يعتبر‭ ‬غاندي‭ - ‬بسياق‭ ‬الكتاب‭ - ‬المواطن‭ ‬غاية‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬وليس‭ ‬الدولة،‭ ‬وجعل‭ ‬الفرد‭ ‬محور‭ ‬اهتمامه،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬معاصريه‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬والمفكرين‭ ‬السياسيين،‭ ‬أمثال‭ ‬لينين‭ ‬وستالين‭ ‬وماوتسي‭ ‬تونغ،‭ ‬ملتزما‭ ‬بأن‭ ‬رسالة‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬تتمحور‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬إدارة‭ ‬تفاعل‭ ‬المجتمع‭ ‬لتحقيق‭ ‬التحول‭ ‬والتغيير‭ ‬كالانتقال‭ ‬السلمي‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬الظلم‭ ‬والقهر‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية”‭.‬

ويضيف‭ ‬“أحدث‭ ‬غاندي‭ ‬قفزة‭ ‬محسوسة‭ ‬وتغييرا‭ ‬نوعيا‭ ‬بارزا‭ ‬في‭ ‬المفهوم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مستقرا‭ ‬وقتها،‭ ‬والذي‭ ‬يجعل‭ ‬الشرعية‭ ‬السياسية‭ ‬تستمد‭ ‬وجودها‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬السياسية،‭ ‬فاستدار‭ ‬بها‭ ‬وجعلها‭ ‬تستمد‭ ‬ذلك‭ ‬الوجود‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬مما‭ ‬يضع،‭ ‬بالنتيجة،‭ ‬على‭ ‬كاهل‭ ‬الفرد‭ ‬مسؤوليات‭ ‬والتزامات‭ ‬أخلاقية‭ ‬تحتم‭ ‬عليه‭ ‬عصيان‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬المنحرفة‭ ‬والمستبدة”‭. ‬

وتابع‭ ‬العبيدلي‭ ‬“يشير‭ ‬الكاتب‭ ‬من‭ ‬قناة‭ ‬تحدى‭ ‬غاندي‭ ‬النظريات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬علمنة‭ ‬السياسة،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬تسييس‭ ‬الدين،‭ ‬وأدرك‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬حساسية‭ ‬وخطورة‭ ‬الدمج‭ ‬أو‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والدين،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬متعددة‭ ‬الأديان‭ ‬والمعتقدات‭ ‬الدينية‭ ‬كالهند”‭.‬

وقال‭ ‬“كان‭ ‬غاندي‭ ‬يؤمن‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬القيم‭ ‬الدينية‭ ‬والمبادئ‭ ‬السياسية،‭ ‬فهي‭ ‬متداخلة‭ ‬ومكملة‭ ‬لبعضها‭ ‬بعضا،‭ ‬وأن‭ ‬استحالة‭ ‬الفصل‭ ‬بينها‭ ‬كاستحالة‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الدم‭ ‬والجسد‭. ‬فاستنبط‭ ‬غاندي‭ ‬صيغة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والدين‭ ‬والأخلاق‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬واحدة،‭ ‬وأضفى‭ ‬الطابع‭ ‬الأخلاقي‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬السياسية‭ ‬وطعمها‭ ‬بقيم‭ ‬روحية”‭. ‬

وأضاف‭ ‬“يرى‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬تمسك‭ ‬غاندي‭ ‬الصارم‭ ‬بأسلوب‭ ‬اللاعنف،‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬قناعاته‭ ‬الراسخة‭ ‬بأن‭ ‬الإصلاحات‭ ‬والتحولات‭ ‬الكبرى‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيقها‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية،‭ ‬وبفضلها‭ ‬تطور‭ ‬أسلوب‭ ‬اللاعنف‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬للمقاومة‭ ‬إلى‭ ‬آلية‭ ‬كونية‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬استحقاقات‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬واكتسبت‭ ‬زخما‭ ‬وديناميكية”‭.‬

ويكمل‭ ‬“يخرج‭ ‬الكاتب‭ ‬بقناعة‭ ‬واضحة‭ ‬بشأن‭ ‬صحة‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬غاندي‭ ‬بجدوى‭ ‬النضال‭ ‬السلمي‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬النبيلة”‭ ‬حين‭ ‬يقول‭ ‬“وأثبتت‭ ‬الأيام‭ ‬أن‭ ‬نظريات‭ ‬ورؤى‭ ‬غاندي‭ ‬المرتكزة‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬اللاعنف‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬اجتياز‭ ‬الحدود‭ ‬وصالحة‭ ‬للانتقال‭ ‬والتطبيق‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬وأي‭ ‬مكان،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬مهيأة‭ ‬لاكتساب‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الزخم‭ ‬والقيمة‭ ‬والفعالية”،‭ ‬منوها‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬الوثيقة‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬الإسلام،‭ ‬وتبشر‭ ‬به‭ ‬الهندوسية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دمجها‭ ‬“أفضل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الهندوسية‭ ‬مع‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الإسلام”‭.‬

ويواصل‭ ‬“من‭ ‬العلامات‭ ‬الفارقة‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الإشارات‭ ‬المتكررة‭ ‬إلى‭ (‬نفور‭) ‬غاندي‭ ‬من‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬وكتاباتها”‭. ‬يؤكد‭ ‬الكاتب‭ ‬ذلك‭ ‬قائلا‭ ‬“على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬غاندي‭ ‬أصبح‭ ‬محاطا‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬اللامعين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سطع‭ ‬نجمه‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬اللافت‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موضع‭ ‬من‭ ‬مذكراته‭ ‬أو‭ ‬كتاباته‭ ‬الأخرى،‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬أو‭ ‬قبلها،‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬أبدى‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬أو‭ ‬التفت‭ ‬إلى‭ ‬فكر‭ ‬الديانة‭ ‬اليهودية”‭.‬

وقال‭ ‬“أورد‭ ‬المؤلف‭ ‬نصًا‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬مارسه‭ ‬اليهود‭ ‬المقيمون‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬عموما،‭ ‬أو‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاص،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يخفيه‭ ‬المؤلف،‭ ‬ويشير‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬ورد‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ديفيد‭ ‬بن‭ ‬غوريون،‭ ‬بعد‭ ‬قيامها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1948،‭ ‬مشيدا‭ ‬بالدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬الصهاينة‭ ‬والجالية‭ ‬اليهودية‭. ‬إن‭ ‬يهود‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬جماعة‭ ‬صغيرة،‭ ‬لكنهم‭ ‬أرسلوا‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬المتطوعين‭ ‬ومعونات‭ ‬يفوق‭ ‬حجمها‭ ‬حجم‭ ‬المعونات‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الجاليات‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬العالم”‭.‬

وتابع‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المسيحية‭ ‬واليهودية‭ ‬ننتقل‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭. ‬ويلج‭ ‬المؤلف‭ ‬الموضوع‭ ‬بمقدمة‭ ‬سريعة‭ ‬يتحدث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬أول‭ ‬احتكاك‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬المسلمين‭ ‬والهند‭ ‬قائلا‭ ‬“لقد‭ ‬دخل‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬بشكل‭ ‬أساس،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التجار‭ ‬العرب‭ ‬المسلمين،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يترددون‭ ‬على‭ ‬موانئها‭ ‬وسواحلها‭ ‬الغربية‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬فشكلوا‭ ‬بذلك‭ ‬أول‭ ‬حلقة‭ ‬اتصال‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والهند”‭.‬

ويشير‭ ‬العبيدلي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬أنهى‭ ‬كتابه‭ ‬القيم‭ ‬بمقولة‭ ‬آمن‭ ‬بها‭ ‬غاندي،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬لها‭ ‬حين‭ ‬رفع‭ ‬صوته،‭ ‬قائلا‭ ‬“إنني‭ ‬سأهز‭ ‬قواعد‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭ ‬بحفنة‭ ‬من‭ ‬الوحل”‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬عندما‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬غمر‭ ‬وجه‭ ‬القوة‭ ‬البريطانية‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬أوجها‭ ‬في‭ ‬وحل‭ ‬الاستقلال‭ ‬الهندي‭ ‬وانفصاله‭ ‬عنها‭.‬

ويقول‭ ‬“في‭ ‬الختام‭ ‬يروي‭ ‬الكاتب‭ ‬قصة‭ ‬اغتيال‭ ‬غاندي‭ ‬المروعة،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مؤلمة‭ ‬حتى‭ ‬لذلك‭ ‬الشاب‭ ‬المتطرف‭ (‬ناتورام‭ ‬غودسه‭) ‬الذي‭ ‬أقدم‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬البشعة،‭ ‬والذي‭ ‬اعترف‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ (‬لقد‭ ‬كان‭ ‬احترامي‭ ‬للمهاتما‭ ‬عميقا‭ ‬وثابتا،‭ ‬ولم‭ ‬أشعر‭ ‬بأية‭ ‬سعادة‭ ‬حين‭ ‬قتلته‭).‬