يتناول رؤية تفصيلية للتطورات الحضرية المتسارعة في مكة المكرمة

افتتاح معرض «أحمد ماطر: رحلات مكة» في متحف بروكلين

بحضور عدد كبير من مدراء المتاحف والمسؤولين في قطاع الثقافة والفنون، افتتح «متحف بروكلين» في مدينة نيويورك معرض «أحمد ماطر: رحلات مكة»، والذي يقدّم نظرةً عميقة ومغايرة تتبع التغيرات المتعاقبة في شتى أرجاء مدينة مكة المكرمة وتسجل معالم الزمن والمكان، وذلك من عبر أحد أبرز الفنانين الذين يوثقون الحقائق الهامة عن هذه المدينة المقدسة، وهو الفنان السعودي أحمد ماطر.

وقد بدأ الفنان ماطر مشروعه التوثيقي عام 2008، في مسعى منه ليكون شاهد عيان على التوسع الاستثنائي وأعمال الهدم والبناء الحديث في مكة المكرمة. وسوف يضم المعرض الجديد صوراً شاملة للمدينة، وأُخرى تُقرب للمشاهد وأهلها وسكانها، وتظهر تنوع الأعراق والجنسيات والثقافات، كما يشمل المعرض مقاطع فيديو، وعمل نحتي، وآخر تركيبي.

ومن خلال التركيز على موقع الكعبة المُشرّفة، بصفتها قبلة ملايين المسلمين صلاة وعمرة وحجاً، ونظراً لطبيعة المعيشة اليومية وظروف عمل المقيمين الدائمين في مكة المكرمة، فإن هذا المعرض يعد بتقديم صورةً مركبة ومعقدة عن مظاهر إعادة التنمية الحضرية وتحولاتها والتأثيرات المباشرة لأعمال التشييد الحاضرة على أرض هذه المدينة المقدسة.

وعن هذا الحدث الفني المتميز يقول ماطر: «إن ما بدأ كرغبةٍ للتعبير عن التغيرات القائمة تكلل في نهاية المطاف بتجسيد شامل لمشعر مقدّس يؤمّه المسلمون من شتّى بقاع الأرض. ولا شك أن مجموعة الصور المكونة للمعرض تعكس طبيعة التجريب ومرونتها وتأني الاستكشاف لتلك الرحلات الممتدة لقرابة العامين على أرض مكة المكرّمة وفي قلب مدينتها؛ كما أنها تجسيد واقعي للظروف الثقافية للمجتمع السعودي المعاصر وتحولاته الطبيعية».

وتأتي صور العرض كإنتاج فني مستوحى من كتاب ماطر «صحراء فاران: تواريخ غير رسميّة حول التوسع الشامل في مكة المكرمة»، "دار لارس مولر» للنشر 2016، والذي رصد سنوات طويلة من الترحال لأصوات وتجارب ونشاطات سكان وحجاج مكة المكرمة في منظور جديد.

ويعتقد ماطر أن صحراء فاران تعكس تاريخاً غير رسمي لمنظومة الحياة بمختلف اوجهها وأزمنتها في مكة المكرّمة، وضمن الحراك المستمر للمسلمين القادمين إلى المدينة من كل أصقاع الأرض. وتوثق سلسلة الصور تطور مظاهر الرافهية في المدينة من خلال صور لغرف الفنادق الفاخرة ذات الإطلالات الساحرة على برج ساعة مكة المكرمة، فضلاً عن الصور التي تقدّم لمحة عن حياة العمال في مواقع البناء والإنشاءات، ومن بينهم عدد كبير من مسلمي الروهينجا الذين هاجروا قسراً من ميانمار (بورما سابقاً) إلى مكة المكرمة على مدى عقودٍ من الزمن.

من جانبها ذكرت كبيرة القيمين الفنيين في «مركز إليزابيث ساكلر للفن النسوي»، وهي المشرفة على هذا المعرض، السيدة كاثرين موريس: «تعتبر مكة المكرمة أهم مدينة يزورها المسلمون من شتى أنحاء العالم، وقد طُلب مني الإشراف فنياً على هذا العمل لكونه يمثل نافذة إلى وجهة مقدّسة وتجربة ثقافية لا يتسنّى للكثيرين في العالم فرصة اختبارها على أرض الواقع. وقبل أن يصبح أحمد ماطر فناناً، عمل كطبيب متخصص بصحة المجتمع؛ ولكن اهتمامه اللافت بتأثير الرفاه والصحة على المستويين الفردي والاجتماعي - كما هو واضح في هذه المدينة التي تتغير بوتيرة متسارعة - يجعل من معرضه هذا أشبه بعمل توثيقي وثقافي واعد وتجربة استكشافيّة وشخصية للغاية».

ويشتمل معرض «أحمد مطر: رحلات مكة» على العمل النحتي «مغناطيسية» (2009)، إضافة إلى العمل التركيبي «نوافذ مكة المكرّمة» (2013 – مستمر)، فضلاً عن ستة مقاطع فيديو تركز على الحركة الثقافيّة السائدة في مكة المكرمة اليوم. ومن خلال المزج بين الاهتمامات الفنية بالجذور الثقافية للمكان، لغوية ودينية، قام ماطر باستخدام مغناطيس مكعب الشكل معطياً إيحاءً جمالياً لشكل (الكعبة المشرفة) دون الإخلال بالصورة الذهنية لهذه البيت الأقدس على الأرض بالنسبة للإسلام؛ وكشف هذا العمل المركب هالة من تطوق المكعب لتمد في الإيحاء إلى الحجيج حول البيت المقدس. بينما في عمله التركيبي «نوافذ مكة المكرّمة» يبتكر محافظته الخاصة على تلك النوافذ المعلّقة بالتاريخ في المباني القديمة والتي يتم هدمها بالتدريج في المدينة.

لم يغب ماطر، وهو المشغول بتراكمات التجربة الإنسانية وتحريك ضمير الفن تجاه الجميع، لم يغب خلال فترة إقامته في مكة المكرمة، عن العديد من العمال المهاجرين فكون علاقاته بهم ووثقها بتسجيل يشمل لقاءاتهم وتحرّكاتهم وأنشطتهم اليوميّة في أرجاء المدينة.

من ناحية أخرى، يقدّم مقطع الفيديو «الأوراق تتساقط في كل الفصول» (2013)، صوراً متنوعة تم التقاطها باستخدام الهواتف المحمولة، والتي ترصد ما يعتبره هؤلاء العمال لحظات محورية في حياتهم؛ وخاصة تلك الصورة المؤثرة التي يقوم فيها أحد العمّال بتركيب الهلال الذهبي فوق برج الساعة الملكي في مكة المكرمة.