طموح لا يعرف الإعاقة.. والعين على “ماجستير الترجمة”

سلوى الجسمي..“كفيفة” تضيء الدبلوماسية البحرينية

| رجاء مرهون

حلم لا يعرف فقدان البصر، وطموح لا يعترف بسقف الإعاقة، كلمات تلخص واقع الطالبة بكلية الآداب في جامعة البحرين والموظفة بوزارة الخارجية سلوى الجسمي.  الجسمي ولدت طفلة ضريرة، ولكنها ترفض أن تكون هذه الجزئية الأساس لتعامل الناس معها، فتحرص دوما لأن تفتح جسور التواصل وبناء العلاقات مع زملائها في القطاع الدبلوماسي.  وبينما تستعد الجسمي لإنهاء دراسة البكالوريوس في اللغة العربية، تفتح لأفقها العنان وتخطط لدراسة الماجستير في الترجمة، ومواصلة الدكتوراه أيضاً. 

 

من دون قيود

تتحدث الجسمي عن طفولتها بإيجابية وفرح شديدين، وتقول إنها كانت طفلة مدللة في عائلتها المكونة من 7 أشخاص، وإن رغباتها تُجاب بسرعة ولا يرد لها طلب.

وتضيف: “ترتيبي في العائلة هو الثاني بين الأبناء، ومن ثم يليني طفلان توأمان، أحدهما ضرير أيضا، فيما الآخر مبصر”.

وتعود إلى الوراء لتستعرض شريط ذكرياتها، قائلة: “إن الإعاقة لم تمنعني من الإحساس بمباهج الحياة أبداً، ووالداي لم يتعاملا معي على نحو استثنائي، فكنت أخرج وأتنزه وأسافر مع جدتي (رحمها الله) وأرتاد المجمعات مع خالاتي من دون أي قيود أو مخاوف”. 

وبشأن رحلتها مع التعليم والدارسة، تشير الجسمي إلى أن انطلاقتها جاءت في الروضة التابعة لجمعية الصداقة للمكفوفين. ثم انتقلت للدراسة في المعهد السعودي البحريني للمكفوفين إلى أن انتهت من المرحلة الإعدادية. 

تميزت هذه الفترة ببساطتها وسهولتها وبتعاون كبير من المعلمات اللاتي حرصن على أخذ دورات لتعلم لغة (برايل) ومن ثم مساعدتها في مختلف الأنشطة والفعاليات.

 

المنامة الثانوية

وتستحضر الجسمي في حديثها لـ “البلاد” تجربتها بين أروقة مدرسة المنامة الثانوية، إذ تقول “سادت الوحدة الأسبوع الدراسي الأول من دون صديقاتي اللاتي ودعتهن في المعهد، غير أن الحال سرعان ما تبدل بعد أن تعرفت على مجموعة جديدة من الزميلات، فأنا اجتماعية بطبعي وأحب بناء العلاقات”.

وتشير إلى أن “الحياة في مدرسة المنامة تخللها الكثير من الدعم من الهيئة الإدارية والتعليمية وكذلك الطالبات، فكنت أحظى دائما برفيقات يساعدنني أثناء السير في الطريق إلى المقصف.. والمشرفة فوزية حمود عاملتني كما الأم، ولم تكن ترد لي أي أطلب، بل إنها دائما من تبادر بالسؤال عن مدى حاجتي للمساعدة في أيام الامتحانات وغيرها من الأمور”.

 

معلمة كفيفة

وعن عملية التعلم في المرحلة الثانوية، توضح الجسمي أن المعهد السعودي البحريني للمكفوفين تولى علمية طباعة الكتب المعتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم بلغة “برايل”، وإعطائها إلى الطلبة، وتجري ذات الخطوة لتقديم للامتحانات.

وتردف “تتم طباعة الامتحانات بلغة (برايل) أيضا، وهي آلية إيصال المعلومة الأسهل بالنسبة لي، ومن ثم أجيب عليها أيضا بلغة (برايل) وتتولى معلمة كفيفة تحضر خصيصاً من المعهد البحريني السعودي لقراءة إجابتي أمام معلمة المقرر باللغة العربية أو الإنجليزية”.

وبشأن خياراتها التعليمية، تلفت الجسمي إلى اختيارها المساق الأدبي في المرحلة الثانوية، ومن ثم اختيار اللغة العربية تخصصا رئيسا في جامعة البحرين واللغة الإنجليزية وآدابها تخصصا فرعياً.

 

النحو والأدب

تحدثت الجسمي لـ “البلاد” عن حبها الشديد للغة العربية، وعشقها لـ “النحو” وقواعده، ولم تُخفِ تعلقها بنتاج الأديب العالمي وليام شكسبير.

لا تزل الجسمي تتذكر الأيام الأولى لدخولها جامعة البحرين بعوالمها الجديدة، مؤكدة أن طبيعة شخصيتها الاجتماعية ساعدتها في التغلب على العديد من الصعوبات، وأضحت صديقة لمجموعة من الزميلات في كليات وتخصصات متنوعة (بنات البزنس، وبنات الآي تي)، فلم يقتصر التواصل على الطلاب الذين يشاركونها المحاضرة.

 

منظور كفيفة

وتقول “لم أتعاط مع محيطي في الجامعة من منظور طالبة كفيفة، وسارعت إلى بناء علاقات وتواصل وثيق مع الجميع، بما فيهم أساتذتي، ولم أمنح أحداً الفرصة لأن يشعر بأني معوقة”.

وحول آلية التعلم، وتقديم الامتحانات في جامعة البحرين، تشير الجسمي إلى أن طريقة أداء الاختبارات والامتحانات اختلفت، فأضحت تستعين بزميلات متطوعات للعمل في شعبة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة لمساعدتها في تقديم الامتحانات، إذ تقوم هي بتلقينهن إجابة شفهية، وهن يتولين عملية الكتابة على ورق الأسئلة. 

ولم تخفِ الجسمي بعض الصعوبات التي واجهتها في جامعة البحرين، وأبرزها عدم توفير كتب ومطبوعات بلغة “برايل”.. وتقول “لم توفر الجامعة أي شيء من هذا القبيل، وتوليت العملية بنفسي، فأعمد إلى تسجيل المحاضرة ومن ثم كتابتها بلغة (برايل)، ورغم أن العملية تستنزف الكثير من الوقت، غير أني أرتاح لوجود المادة العلمية مطبوعة على الورق، وبإمكاني أن أتحسسها بيدي، ولا أجد الاستماع إلى المحاضرة أو إعادتها كافيا للاستعداد للامتحانات”.

 

قساوة

واستحضرت بعض الصعوبات التي تواجهها أحيانا من بعض الأساتذة، مشيرة إلى أن محاضرا جديدا في تخصص الأدب المقارن وبخها مرة عندما شكت دسامة المادة المطلوبة، وأجرى تعديلا لما هو مطلوب قبيل الامتحان بيوم واحد، ولم يراع أن عملية تحويل المادة إلى لغة “برايل” تستغرق وقتا.

وتضيف “إن تعامل هذا الأستاذ لا يعكس النمط السائد للهيئة الأكاديمية، فهنالك محاضرون كفوءون ومتفهمون أيضاً، ويدفعوني دائما إلى المناقشة والمشاركة أثناء شرح المقرر”.

 

ماما يسرية

فتحت الجسمي قلبها لـ “البلاد” وتحدثت عن وجع فقدان وخسارة جدتها التي انتقلت إلى الرفيق الأعلى قبل أشهر، مشيرة إلى أن “الحياة قل خيرها بعد وفاة جدتي.. هي من ربتني واعتنت بي وأسافر معها أينما ذهبت”.  وردا على سؤال لـ “البلاد” بشأن أجمل الأمور والأحداث التي عاشتها، تشير الجسمي إلى أن التعرف على “ماما يسرية” هو أحلى ما في هذه الدنيا، ويسرية جاسم سوار هي مشرفة شعبة ذوي الاحتياجات الخاصة في جامعة البحرين، ومعنية بتقديم الدعم للطلبة المعاقين.

 

الترجمة

تنظر الجسمي إلى المستقبل بتفاؤل وإيجابية كبيرين، وتتطلع إلى أن تنهي دراسة البكالوريوس في اللغة العربية في غضون سنة، لافتة إلى أن الطموح لا ينتهي عن هذه الخطوة وأن “الكثير الكثير لا يزال أمامي”.

وتضيف: “أتطلع لدراسة الماجستير في الترجمة، ومن ثم الحصول على الدكتوراه، وأحلم بأن تتنوع المساقات والتخصصات الأكاديمية للدراسات العليا وألا تنحصر خياراتي على فرع واحد من الآداب أو العلوم”.

وتروي الجسمي تفاصيل تجربتها العملية في وزارة الخارجية باعتزاز وفخر، حيث تعمل موظفة في إدارة العمليات والمتابعة، وتتولى استقبال المكالمات والإجابة عن استفسارات المتصلين وإرشادهم إلى الطريقة الأمثل لحل مشاكلهم. 

 

حب الدبلوماسية

وتتابع: التحقت بوزارة الخارجية في مارس 2015 مدفوعة بحبي للعمل الدبلوماسي، ورغبة مني أن أُشكل إضافة إلى هذا القطاع المهم والحيوي، والذي سعيت لدخوله بقوة وبذلت قصارى جهدي لذلك. 

وتستطرد: “العمل في وزارة الخارجية عزز ثقافة الالتزام باللوائح والقوانين عندي.. ورغم ذلك فالأجواء المهنية مرنة ولدي زملاء رائعون في إدارة الشؤون العربية وإدارة شؤون مجلس التعاون الخليجي أيضاً”. 

وبشأن طبيعة عملها في دعم القطاع الدبلوماسي البحريني، تقول: “أتلقى يوميا سيلاً من الاتصالات والاستعلامات والشكاوى، وأتولى تحذير المواطنين من مخاطر السفر إلى بعض البقاع الملتهبة من العالم”.

 

اتصالات تركيا

وتضيف: “أتلقى أيضا الكثير من المكالمات من أجانب راغبين في القدوم والإقامة في البحرين، إذ يستعلمون عن الإجراءات”.

وبابتسامة عريضة تشير الجسمي إلى أن أسئلة البحرينيين في الآونة الأخيرة تركزت حول تركيا ومخاطر زيارتها.. “يودون مني إجابة قاطعة ونصيحة واضحة، هل نذهب إلى إسطنبول أم لا؟ غير أني لا أستطيع أن أتخذ القرار نيابة عنهم، بل يجب أن أكتفي بإحاطتهم علما بالحقائق فقط”. 

وتختتم الجسمي حديثها لـ “البلاد” بشكر كل من دعمها وساندها، موجهة مشاعر الامتنان لأساتذتها في جامعة البحرين الذين يحفزون التفاؤل والمشاعر الإيجابية لديها. 

 

 

 “برايل” في سطور 

لغة برايل هي نظام الكتابة المستخدمة للمكفوفين أو ضعاف البصر عن طريق اللمس. وهي ليست لغة بمعنى الكلمة، وإنما هي طريقة للكتابة في تسهيل طرق القراءة لكل من المكفوفين وضعاف البصر لقراءة لغات أخرى مثل الإنجليزية والإسبانية والعربية والصينية وغيرها. 

لغة برايل نظام من النقاط البارزة التي يمكن قراءتها بالأصابع من قبل المكفوفين أو ضعاف البصر والمعلمين وأولياء الأمور وغيرهم ممن لا يعانون من ضعف البصر أيضا. 

أحرف برايل هي أحرف مستطيلة صغيرة تعرف بالخلايا التي تحتوي على المطبات الواضحة الصغيرة وتسمى بـ “النقاط المثارة”. 

تختلف الحروف الهجائية في لغة برايل من لغة إلى لغة باختلاف أنظمة الكتابة المطبوعة ورموزها. وعلاوة على ذلك، تأتي لغة برايل في اللغة الإنجليزية بثلاثة مستويات من الترميز. 

تقلص استخدام لغة برايل مع برنامج قارئ الشاشة. بينما لا يزال بعض المكفوفين مقبلين على تعلم لغة برايل؛ بهدف تطوير مهارات القراءة خصوصا للأطفال المكفوفين وضعاف البصر.

 

المخترع 

مخترع لغة برايل هو الفرنسي لويس برايل، الذي فقد بصره بسبب تعرضه لحادث في مرحلة الطفولة عندما كان في الـ 15 من عمره وتحديدا العام 1824، مما جعله يسعى إلى اختراع لغة برايل في الأبجدية الفرنسية لمساعدته على القراءة، كما قام لويس برايل بكتابة النوتة الموسيقية في العام 1829.

 

كيف تبدو؟ 

تتشكل رموز برايل داخل وحدات من الفضاء المعروفة باسم خلايا برايل. وتتكون خلية برايل الكاملة من ست نقاط آثارها مرتبة في صفين متوازيين ولكل منهما ثلاث نقاط.

يتم تحديد مواقف نقطة من الأرقام من واحد إلى ستة. 64 توليفة ممكنة باستخدام واحدة أو أكثر من هذه النقاط الست. خلية واحدة يمكن أن تستخدم لتمثيل حرف الأبجدية، عدد أو علامة ترقيم أو حتى كلمة بأكملها. توضح هذه الصفحة الأبجدية بطريقة برايل وأرقام تبدو مثل خلية، وكيف يتم ترقيم كل نقطة.