زبدة القول

المشهد المصري المخيف

| د. بثينة خليفة قاسم

ما حدث في مصر الجمعة الماضية شيء يدعو إلى الفزع حول قادم الأيام في أرض الكنانة. فقد زادت حرارة المشهد السياسي وزاد الانقسام داخل الشارع المصري بشكل لم يسبق له مثيل بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي الذي تضمن تحصين الجمعية التأسيسية للدستور ومجلس الشورى ضد أي أحكام قضائية قبل أيام من قيام المحكمة الدستورية بنظر القضية الخاصة بحل هذه الجمعية وبحل المجلس،وكذلك تحصين قرارات الرئيس السابقة واللاحقة لهذا الاعلان من أي أحكام قضائية. الرئيس محمد مرسي اتخذ هذه القرارات بعد حالة الجدل التي استمرت حول شرعية الجمعية التأسيسية للدستور وانسحاب جميع القوى السياسية تقريبا من هذه اللجنة وكان آخرها انسحاب نقابة الصحافيين وانسحاب الكنائس المصرية الثلاث، ولم يبق في هذه الجمعية سوى الاخوان المسلمين والسلفيين، وهو ما وضع التيار الديني كله في كفة وجميع القوى السياسية المصرية في كفة ووصلت حالة الاستقطاب في مصر إلى قمتها وأصبحت المصالح السياسية الضيقة للفصائل المختلفة أهم من المصلحة العليا للبلاد، فالإخوان المسلمين يريدون كل شيء ويريدون إصدار الدستور بإرادة الأغلبية التي حصلوا عليها في مجلس الشعب الذي تم حله بحكم من المحكمة الدستورية العليا، التي أصبحت بدورها منذ ذلك التاريخ هدفا لجماعة الإخوان. ووجد الرئيس ومستشاروه في النجاح الذي تحقق في ملف الحرب على غزة وحالة الرضا العالمي والداخلي عن أداء الرئيس المصري في هذا الملف فرصة سانحة لاتخاذ قرارات ثورية تجعل كل شيء في قبضة الرئيس وتوجه ضربة موجعة لخصومه السياسيين وللقوى التي تسعى لإفشال المشروع الاسلامي برمته في مصر. ربما لم يكن في حسبان الرئيس مرسي ومستشاريه أن تتطور الأمور على هذا النحو الذي جرى، خاصة بعد أن استعدت جحافل الاخوان المسلمين لتأييد قرارات الرئيس وتم نقل الآلاف من محافظات مصر عن طريق حافلات خاصة لإبراز عضلات الإخوان القوية أمام القصر الجمهوري في القاهرة. ولكن ما أن انتهى الرئيس مرسي من الخطاب الذي ألقاه وسط أنصاره، حتى شرعت الجماهير الغاضبة في أكثر من مدينة مصرية في حرق مقار جماعة الإخوان المسلمين وازداد العنف في شارع محمد محمود بالقاهرة وتم رفع الأحذية في ميدان التحرير رفضا لما جاء في الخطاب، ودخلت مصر في حالة تدعو للفزع من جديد. فمن الظالم ومن المظلوم في هذا المشهد؟ الحقيقة الواضحة هنا أن مصر وأهلها من الفقراء هم المظلومين ولكن كل القوى السياسية لديها عيوب ولديها أخطاء وفي مقدمة هذه القوى جماعة الاخوان المسلمين، والتي ارتكبت أكبر خطأ في حق مصر وفي حق الرئيس وهو إصرارها على دفع الرئيس نحو المواجهة مع القضاء المصري الذي هو أعز ما يملكه المصريون. قد يكون الصراع مع القوى السياسية الأخرى له ما يبرره، فالكل يريد الحكم بكل السبل، ولكن القضاء المصري لم يكن من وجهة نظري طرفا في أي صراع سياسي، وكان دوما الملاذ الأخير للجميع وصمام الأمان للدولة بأكملها. ولو كان القضاء المصري فاسدا، لما اضطر حسني مبارك مرات كثيرة للجوء إلى القضاء العسكري في محاكمة المدنيين هروبا من عدالة القضاء المدني. وقد يؤدي سعي الاخوان المسلمين للانتقام من القضاء إلى إدخال الدولة برمتها في حالة من الفوضى التي يندم بسببها الجميع.