زبدة القول

فخامة الرئيس “صاصا”

| د. بثينة خليفة قاسم

منذ فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في مصر ونحن نتابع ماذا يجري هناك، فانتخابات الرئاسة المصرية لابد أن تحظى باهتمام من هم في مثل سني، لأنني لم أر منذ ولدتني أمي أي انتخابات رئاسية في مصر بالشكل والمضمون الذي يجري حاليا. تابعت وسائل الاعلام المصرية للتعرف على الشخصيات التي ترشحت وتلك التي في طريقها للترشح، خاصة أنني أعرف شخصية من هذه الشخصيات معرفة جيدة، ولكني لا أذكر الاسم حتى لا يعد ذلك من قبيل الدعاية. وتابعت هذه المسألة عن كثب خلال وجودي بالقاهرة منذ بداية هذا الأسبوع، والمتابعة من خلال الاحتكاك بالإخوة المصريين تعطي المسألة بعدا آخر يضاف إلى ما تقدمه وسائل الاعلام وهو رد فعل الجمهور حول المرشحين الذين تجاوز عددهم 800 حتى كتابة هذه الأسطر. المصريون قابلوا ترشح هذا العدد الكبير بدرجة عالية من التهكم والسخرية، خاصة وأن غالبية هؤلاء المرشحين إما من البسطاء الذين ليس لديهم قسط من التعليم يؤهلهم للمزاحمة في مثل هذا المجال. وإما من المتعلمين الذين لم ينالوا قسطا من الشهرة والخبرة السياسية أو الدعم الحزبي اللازم لخوض غمار انتخابات رئاسية في بلد يبلغ تعداده ثمانين مليونا. آخر مرشح سمعنا عنه هو “طباخ” ترك عمله في أحد الفنادق وأتى ليتقدم للترشح لرئاسة الجمهورية متخذا برنامجا انتخابيا يتفق مع مهنته بطبيعة الحال، وهو تحويل مصر إلى سلسلة مطاعم عالمية، ولكنه منذ ان دخل إلى مقر التقدم للترشح اكتشف أن شرط السن لا ينطبق عليه، ولم يستطع إكمال الطبخة التي خطط لها. وكان قد سبق هذا الطباخ، الذي لم يعرف أدنى شيء عن شروط الترشح وهو السن المناسبة، آخرون من البسطاء، فقد سبقه شخص يعمل “حانوتي ومسحراتي، يعني يعمل بمهنتين، أولاهما دفن الموتى والثانية إيقاظ النيام لتناول السحور في شهر رمضان، وترشح لذات المنصب ولكنه لم يفصح عن برنامجه الانتخابي بشكل كامل، ولم يقل انه سيحول مصر إلى سلسلة من كذا أو كذا، ونتمنى ألا يكون هذا الرجل متأثرا أيضا بمهنته الأولى في تخطيطه لمستقبل مصر، ولكن لا بأس أن يكون متأثرا بمهنته الثانية. وكان “صاصا” الميكانيكي قد تقدم هو الآخر للترشح، وهو رجل ذو خبرة في إصلاح السيارات ومن حقه أن يترشح لرئاسة الجمهورية، فهو ليس أقل من غيره، وطالما أن مهنته الإصلاح فهو رجل مناسب لما تمر به مصر وما تعرضت له من قبل. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد جاء فلاح من محافظة الاسماعيلية ليتقدم بأوراق ترشيحه معلنا على الملأ أنه المهدي المنتظر وأنه قدم من السعودية منذ ألف عام!! ومع احترامنا لكل أصحاب المهن الشريفة ولكل الذين يكسبون الرزق الحلال، فمنصب رئيس الجمهورية لا يمكن التعامل معه بهذا الاستخفاف لأن هذا يسيء إلى صورة مصر في الخارج ويسيء إلى الثورة المصرية،خاصة أن الأمر لم يقتصر على شخص أو شخصين من هواة الشهرة، ولكن العدد تخطى الـ 800 شخص.