زبدة القول

جاسوس إيراني في القاهرة

| د. بثينة خليفة قاسم

في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن إمكانية عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاثين عاما والحساسية الخليجية التي صاحبت ذلك، قامت الأجهزة الأمنية المصرية بإلقاء القبض على جاسوس إيراني في القاهرة كان يمارس نشاطه في جمع المعلومات العسكرية والاقتصادية عن مصر وبعض دول الخليج العربي تحت غطاء وظيفته الدبلوماسية في مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة،وضبطت بحوزته أجهزة تجسس ممنوعة يستخدمها في نشاطه. والعجيب أنه تم القبض على الجاسوس الإيراني في وقت كان يستعد فيه وفد شعبي مصري للسفر إلى إيران في محاولة عاطفية – إن صح هذا التعبير – لإحداث تقارب بين مصر وإيران. صحيح ان هذا الجاسوس الإيراني تم الإفراج عنه بسبب صفته الدبلوماسية، ولكن تم ترحيله من مصر كشخص غير مرغوب فيه، ولكن مجرد قيام إيران بالتجسس على مصر في مثل هذه المرحلة هو دليل أكيد على أن العلاقات المصرية الإيرانية لا يمكن أن تعود بشكل كامل خلال المرحلة القادمة، ودليل واضح على أن عملية المراجعة التي يقوم بها المصريون بعد ثورة 25 يناير لعلاقات مصر الخارجية يجب تطبيقها على إيران بالذات بدرجة كبيرة من الحذر، ويجب أن يتخلى المصريون (كشعب) عن طبيعتهم العاطفية في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية، خاصة العلاقات مع إيران، لأن الأصل في العلاقات المصرية الإيرانية هو التضارب في المصالح، ناهيك عن ان الإيرانيين بطبيعتهم براجماتيين ولا يفكرون إلا في مصالحهم فقط، على العكس من المصريين (والكلام عن الشعب) الذين يتعاملون مع المسألة بعاطفية لا تصلح للعلاقات الدولية التي هي بطبيعتها تقوم على المصالح. الشعب المصري - على العكس من أهل الخليج – لا يعرف إيران على حقيقتها، ويحكم عليها من زاويتين، أولاهما أنها دولة إسلامية ويجب أن يكون بين بلدههم وبينها علاقات، خاصة أن هناك علاقات مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة، وثانيتهما أن إيران ترفع صوتها في وجه إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا شيء يعجب الشعب المصري كبقية الشعوب العربية التي تعشق الشعارات حتى إن لم يطبق منها حرف واحد. فما هو رأي أصحاب القرار في مصر حاليا، بل ما هو رأي الشارع المصري بعد القبض على الجاسوس الإيراني، وهل ستمضي عملية تطبيع العلاقات بين البلدين في طريقها أم أن هذه القضية ستوقف تقدمها؟ لو كانت هذه الحادثة وقعت في عهد النظام المصري السابق، لقالوا انها قضية مفبركة من قبل جهاز المخابرات المصري لتشويه صورة إيران ومنع قيام علاقات كاملة بينها وبين مصر، ولكنها وقعت بعد الخامس والعشرين من يناير 2011، وبالتالي لا مجال لاستخدام نظرية المؤامرة في تبرئة إيران من تهمة التجسس على دولة يسعى شعبها لإقامة علاقات معها.