العدد 6093
الجمعة 20 يونيو 2025
banner
هدايا السماء
الخميس 15 مايو 2025

بالأمس…
جلست في وحدتي أُحادث الله بقلبي المنهك، سألته بإلحاح أن يبعث لي رسالة، أن يهمس لقلبي بكلمة تُعيد لروحي طمأنينتها المفقودة. كنت أبحث عن شيء لا أعرفه… عن إشارة… عن نورٍ في عتمةٍ لا تنتهي.

وفي اليوم ذاته…
كان قراري أن أقترب من عالمٍ لم أكن أعلم أنه سيغيّرني إلى الأبد. عالم يحتضن أرواحًا لا تُشبهنا، بل تسمو علينا. دخلت إلى مساحة يحيط بها كل طفل مميز، كل قلب طاهر خالٍ من الخبث والتعب. جلست بينهم وقررت أن أراهم عن قُرب لا من بعيد.

ويا الله… ما إن رأيتهم حتى شعرت بأنني لم أدخل غرفة، بل دخلت إلى السماء! لم أرَ أطفالًا، بل رأيت ملائكة على هيئة بشر. ملائكة يبتسمون لي، وكأنهم يعرفون حزني دون أن أتكلم… كأنهم، ببساطة، أرسلهم الله ليجبروا كسري.

لم أفهم ما حدث في قلبي حينها… أكان شيئًا يُربت على أوجاعي القديمة؟ أكانت ضحكاتهم تُمزّق الغصة داخلي؟ كل ما أعرفه أنني شعرت بدفءٍ لم أشعر به منذ سنين. شعرت وكأن قلبي عاد طفلًا… واحتضنه النور.

وبينما كنت أمشي في الممر…
نادتني روح صغيرة. التفتُّ، فإذا بطفلة صغيرة تبتسم لي ابتسامة لا يُمكن أن يصنعها البشر. اقتربت مني، وبصوت صافٍ كالماء، قالت لي: “أنا أحببتك كثيرًا.” كلمة بسيطة… لكنها اخترقت عمق قلبي كالسهم. وكأنها، والله، كانت جواب سؤالي ليلة البارحة.

أكانت هذه الرسالة التي رجوت الله أن يرسلها لي؟ أكانت السماء قد أجابتني عبر لسان طفلة لا تعرف اسمي؟

ثم جاءتني فتاة…
أجمل من الورد، أصدق من كل البشر الذين عرفتهم. ضحكت فابتسم المكان، واحتضنتني كما لو أنني كنت أضيع في الحياة ووجدت مأواي أخيرًا. كان ذلك الحضن… شيئًا من الجنة. لم يكن عناقًا عاديًا، بل كان وعدًا إلهيًا بأني لست وحدي.

وجدت إجابتي في عيونهم، في دفء أيديهم، في عفويتهم التي لا تعرف الأقنعة.

لكن قلبي انكسر دون أن أشعر…
حين رأيت فتاة شابة، في العشرين من عمرها، تحمل ملامح الملائكة، تجري كطفلة في الخامسة نحو أمها، تصرخ فرحًا وتضحك ببراءة لا يملكها الكبار. ركضت نحو حضن أمها وكأنها لم ترها منذ دهر.

يا الله… أي نقاء هذا؟ أي نور يخرج من قلوبهم؟ لماذا هم بهذا الصفاء… ونحن بهذا التلوث الداخلي؟ إنهم لا يعرفون الحقد، لا يفهمون الغدر، لا يدركون الكذب. إنهم ببساطة… جنة تمشي على الأرض.

وقفت هناك…
وسألت نفسي: كيف تشعر تلك الأم؟ كيف تمضي يومها حين ترى أبناء صديقاتها يتزوجون، يُكملون حياتهم، بينما هي تمسك يد ابنتها، وتعلم أنها ستكون بجانبها إلى آخر العمر؟ أليست هذه مشقة؟ تعب؟ خوف؟

ثم همس صوت داخلي: لا… بل هي أمٌّ اختارها الله. أمٌّ أحبها الله فأهدى لها قلبًا لا يُحاسب، روحًا تدخل الجنة بغير حساب. ابنتها هذه، ستأخذ بيدها إلى الفردوس. هي لم تُبتلَ، بل بُشِّرت. نحن من نخشى الحساب… أما هي، فالفردوس ينتظرها.

عدت إلى بيتي…
وكلّي يقين أني لم أعد كما كنت. لقد تغيرت. قررت أن لا أكون عابرة في هذا العالم الطاهر. قررت أن أعيش بينهم، لأجلهم، لكن أيضًا… لأجل قلبي.

لأنهم هم الطهر… هم النور… هم الخير الحقيقي في هذه الأرض التي أتعبتنا. هم هدايا من السماء… لا تُشبهنا، بل تُطهّرنا.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .