لاحظنا في السنوات الأخيرة تحوّل الإعلام من منصات لنقل الخبر والمعرفة إلى مساحات واسعة للترفيه، تسكنها برامج الواقع والمسابقات والكوميديا، وحتى بعض نشرات الأخبار أصبحت تُقدَّم بأسلوب خفيف لا يخلو من الطرافة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه التحوّلات تسهم في بناء وعي المجتمع أم في تسطيحه؟
لا شك أن الترفيه حاجة إنسانية، والإعلام الذكي هو الذي يوازن بين الفائدة والمتعة، فبعض البرامج الترفيهية تُقدِّم محتوى قيّمًا مُغلفًا بأسلوب مشوّق، يجذب الفئات المختلفة دون أن يتخلى عن رسالته.
لكن في المقابل، هناك فيضان من المحتوى السطحي الذي يُكرّس صورًا نمطية، ويُغذّي التافه على حساب الجاد، ويُبرز نجومية أشخاص لا يُقدّمون شيئًا سوى إثارة الجدل والضجيج.
المشكلة ليست في الترفيه ذاته، بل في الرسائل التي يحملها، ومدى تأثيرها على الذوق العام والسلوك الجمعي لدى فئات المجتمع المتباينة. وهنا تَظهر المسؤولية الإعلامية، فالإعلام ليس مجرد عرض لما يطلبه الجمهور، بل أيضًا أداة لصناعته وتوجيهه.
وفي هذا الإطار، ونظرًا للمسؤولية الاجتماعية التي تتحملها المؤسسات تجاه التأثيرات التي قد تخلفها وسائل الإعلام، نستذكر المسابقة الوطنية التي دشّنتها الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة "بحريننا"، والتي جاءت كمبادرة تعكس وعي المؤسسات الوطنية بأهمية توجيه الإعلام لخدمة القيم الوطنية، وتعزيز الهوية، وترسيخ الشعور بالانتماء من خلال توجيه الأفراد إلى صناعة محتوى هادف يجمع بين التأثير والإبداع.
وهنا تبرز الحاجة إلى محتوى ترفيهي يرتقي بذائقة الجمهور، ويعزّز من ارتباطه بثقافته وهويته الوطنية، فالإعلام لا يقتصر دوره على الترفيه المؤقت، بل يمتد ليكون منصة لغرس الرسائل الإيجابية، وإبراز النماذج الملهمة، وتسليط الضوء على القضايا المجتمعية بأسلوب بسيط وجذّاب.
وفي النهاية، على الإعلام الترفيهي أن يُدرك أنه شريك في بناء وعي المجتمعات، وأن التسلية لا تعني السطحية، كما أن الجاذبية لا تعني التنازل عن القيمة، ويجب أن يُنظر إلى كل برنامج أو عمل يُبث على منصات وسائل التواصل الاجتماعي أو شاشات التلفزيون على أنه أداة للتأثير قد تُسهم في بناء الإنسان أو في تهميش وعيه.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |